ظهر، وبشكل بارز، هذا العنوان على موقع الجزيرة نت : المرشح ترامب يلمّح لإعادة «الإيهام بالغرق». «الايهام بالغرق» - لمن لا يعرف هذا التعبير- يُحيل الى أحد أنواع التعذيب التي اعترف الأمريكيون في استخدامها مع المتهمين بالإرهاب، وذلك بغرض الحصول على معلومات «مفيدة» في الحرب على الارهاب. «الإيهام بالغرق» عبارة مخيفة بمعزل عن السياق أو المعنى الأولي الذي ترمي إليه. فمن يتأملها يجد أنها تشخص سياقات متعددة : السياق السياسي العالمي .. السياق الديني عند بعض الجماعات المتطرفة في آرائها وفي سلوكها التي لا ترى الحياة الا من جانبها المظلم .. السياق الاقتصادي، وما يصاحب ذلك من بث للذعر وإعلان الافلاس وتضخيم الأزمات .. سياقات كثيرة تعتمد سياسات اشتغال الإيهام. أحد تعريفات «الإيهام» هو ان الانسان يوهم الآخرين بأن لديه إمكانات وقدرات، معرفية وغير معرفية، يمتاز بها عن كثير ممن حوله، وبالتالي يضع نفسه في مكان لا يستحقه على الإطلاق. كما أن بعض المفكرين يرون أن (الايهام معرفياً) يعني « الزيادة في الوهم لسبب ما يتعلق بترويج الخطاب الإيديولوجي في عملية يقصد منها التغرير بالمخاطب وتشويه الرؤية لديه وتعمد الخلط في الأحكام». نلاحظ أن مفهوم «الإيهام» قد جمع معظم شرور وآفات الخداع، والكذب، والمماطلة، لهدف «التغرير» والتطويع وتوجيه «الناس» أو «المجتمعات» نحو أهداف محددة وغالباً ما تكون لخدمة أغراض أيديولوجية معينة. وفي ظني، نواجه أخطر تجليات سلوك «الإيهام» عندما يوهم أحدهم المجتمع بأنه يملك من العلم ومن المكانة العلمية ما تخول له التصدي للعلم والفتوى وهو ليس من ذلك في شيء ؛ بل إن كثرة الموهمين تحجب العلماء الراسخين الذين يخشون الله في السر والعلن والذين أمضوا حياتهم في العلم والبحث والاجتهاد ليبلغوا عن الله وعن الرسول القول الحق مااستطاعوا الى ذلك سبيلاً. تجار الأوهام لا يتركون مجالاً للآخرين في التفكير، ويحاولون بأية وسيلة أن يوهموا المجتمعات التي يتكاثرون بها بأن مصير هذه المجتمعات ومستقبلها وسلامتها مرتهن بوجودهم وأنه لولا وجودهم لتحول المجتمع الى خراب وظلام دامس وانهم طوق النجاة الوحيد ؛ لا بل إن بعضهم يطالب بأن نحمد الله على وجودهم وأنهم نعمة من نعم الله التي لا نعلم (نحن الدهماء) فائدتها ؛ بالضبط كآجرة سنمار ان اهتزوا اهتز المجتمع وان سقطوا تداعى المجتمع بأكمله. وبالعودة الى السياسة، نستطيع أن نقول إن سياسة «الايهام بالغرق» ليست مرتبطة بتعذيب المتهمين بالإرهاب بل إنها احدى الأدوات السياسية الراسخة التي يتبناها «العالم المتقدم» ولا يزال! وهل «أكذوبة» أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي تتوالى اليوم الاعتذارات عن خطاياها، إلا نوع من أنواع «الايهام بالغرق» ؟ وغير ذلك من الأمثلة كثير!! الواقع يقول لنا إن المجتمع العربي عموماً، بسبب ما يعانيه، يشكل أرضاً خصبة لعوالم الوهم والأوهام والإيهام ؛ وأن الاوهام تتكاثر وينجح صناعها ومحترفوها في ظل تقهقر قيم المعرفة فلا يمكن أن نهزم من يوهموننا بالغرق أياً كانوا الا بالمصالحة مع قيم المعرفة بكل مكوناتها. فهل يا ترى ثمة سبيل الى تقصي مصادر الوهم في مجتمعاتنا ومحاولة معالجتها ومكافحتها كما نكافح الإرهاب ؟ لأن الايهام هو ضرب من ضروب الخراب والدمار. A1250@hotmail.com
مشاركة :