ألقى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه كلمة سامية في الجلسة الافتتاحية لمنتدى باريس للسلام تناول فيها أهمية الاجتماعات لما من شأنه تجاوز تداعيات جائحة كورونا وأزمة المناخ ولما فيه خير العالم. وأكد أن التعاون الدولي هو السبيل الأنجع لتحقيق التطلعات نحو الحياة الآمنة المزدهرة ولتنمية مستدامة للبشرية جمعاء، وأكد أن مملكة البحرين كانت ومازالت نصيرة الدعوات التي من شأنها تحقق الأمن والسلم الدولي وعالم خال من الحروب والنزاعات ومساواة وعدالة وحياة حرة وكريمة، ومستقبلا مزدهرا جميلا. وبقراءة متأنية فاحصة تحليلية لأبعاد ودلالات هذه الكلمة السامية يمكن القول بالآتي: أولا: تنم هذه الكلمة الجامعة عن ما يتمتع به جلالته من فكر سياسي ورؤية حكيمة للأحداث والتطورات ورجاحة عقل والمتابعة المستمرة لما يحدث بالعالم من قضايا وتطورات متلاحقة وبالمشكلات والقضايا المصيرية. ثانيا: اهتمام جلالته الشخصي بالقضايا الدولية الملحة وإدراك جلالته أهمية إيجاد حلول جماعية دولية إزاء النزاعات والحروب ورغبة جامحة منه في أن يحل السلام والأمن للبشرية جمعاء. ثالثا: تعكس مشاركة جلالته في هذا الاجتماع الدولي المهم فلسفة سياسة حكومة مملكة البحرين الخارجية والتي من أهمها دعم الجهود الدولية الداعية إلى السلام والأمن وبخاصة جهود المؤتمرات الدولية أو منظمة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية وغيرها. رابعا: إيمان مملكة البحرين أن قضايا السلم والأمن الدوليين والمشكلات المصيرية وأزمات تغير المناخ وغيرها تستوجب وقفة واحدة جماعية دولية وعالمية، وهذا يقودنا إلى حتمية عقد المؤتمرات والمنتديات لتبادل الرؤى والأفكار وإيجاد مخرجات لحلول مشتركة إزاء كل القضايا والمشكلات. وعلى هذا الأساس فإن حكومة مملكة البحرين كان نهجها التعاون والتفاعل والمشاركة الإيجابية في منظومة العمل الجماعي وكانت ومازالت سباقة جدا في تأييدها لكل بارقة أمل تحقق الأمن والرخاء للمجتمع الدولي. خامسا: إن مملكة البحرين التزمت ومازالت بتوصيات وبروتوكولات والمعايير الدولية وطبقا لما وصت عليه المنظمات الدولية ومنها على سبيل المثال التعامل الإيجابي المثمر في جائحة كورونا كوفيد 19، واتخاذ مملكة البحرين كل التدابير الأممية المتبعة بهذا الشأن، الأمر الذي شهدت به وأشادت به منظمة الصحة العالمية. وكذا فإنه انطلاقا لما تؤمن به حكومة مملكة البحرين لأهمية أمن واستقرار المنطقة جاءت مشاركة مملكة البحرين في التحالف الدولي والإقليمي لأمن الملاحة البحرية وحماية الممرات البحرية بهدف تأمين الحماية لممرات التجارة والطاقة والإمداد، كون هذه الممرات ممرات دولية واستراتيجية حيوية مهمة. سادسا: إن حكومة مملكة البحرين أيدت وتؤيد مبادرات إحلال السلام والأمن في المنطقة ومساعي الدول مجتمعة لمكافحة الإرهاب المنظم وتمويله ويأتي على رأسها إدراج بعض المنظمات والتنظيمات وبعض الأفراد على قوائم الإرهاب. كما أن مملكة البحرين تشيد بمبادرات حل مشكلة الصحراء المغربية وإيجاد مخرج سياسي لهذه القضية وفق قرارات الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن، وفي ما يستدعي سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية. وأيدت مملكة البحرين مبادرة المملكة العربية السعودية الشقيقة لوقف إطلاق النار في الجمهورية اليمنية وإيجاد حل سياسي للأزمة وفق المبادرات الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ولا سيما القرار رقم 2216 وإنهاء المعاناة التي يتعرض لها الشعب اليمني الشقيق. (انظر كلمة مملكة البحرين أمام الأمم المتحدة الدورة 76). وفي إطار الاهتمام الدولي بقضايا تغير المناخ فقد سنت حكومة مملكة البحرين خططا محكمة لتقنين وخفض انبعاثات الكربون وإدراج الطاقة النظيفة ضمن عمليات مصادر الطاقة في مملكة البحرين. وجاءت مبادرة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة لتصب في صالح حلول أزمة المناخ من خلال مبادرتها الكريمة نحو (البحرين الخضراء) وخطط عمليات التشجير والتجميل لمملكة البحرين. سابعا: أسس صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه لفلسفة جديدة في السياسة الدولية العامة، إذ وضع منظومات ومفاهيم جديدة في الفكر السياسي الدولي المعاصر قوام هذه الفلسفة الجديدة مبدأ التعايش السلمي لبني البشر والقبول بالتعددية كخيار لازم وواقعي وكذا تعزيز قيم التسامح الديني والاعتدال بين الأديان للبشرية جمعاء. والحق أن هذه المفاهيم الجديدة لهي قيم سياسية رائدة وهي فعلا تستحق التأمل فيها بإمعان وتطبيقها على أرض الواقع. ونظير ما يؤمن به جلالته من هذه المبادئ السياسية الرائدة فقد أسس جلالته مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي كأول مركز من نوعه يضطلع بمهام ترسيخ قيم التسامح والإخاء العالمي، ونبذ الكراهية والعنف وإيجاد منظومة فكرية سياسية جامعة تحقق السلام العالمي لبني البشر عموما. واعتمد مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي والسلام إطلاق وسام الملك حمد للتعايش السلمي والسلام وهو سيمنح للشخصيات والمنظمات العالمية المشتغلة بالسلام والتعايش والمحققة لقيم الإخاء والتعاون والتعايش والسلام، وهذا الوسام سيحقق الغرض الذي أنشئ به هذا المركز العالمي، وهي فرصة للترويج لثقافة التسامح بين الأديان وتقبل الآخر والعيش المشترك بين التعددات الدينية، وتقبل الآخر بغية تحقيق التطلعات لفهم مشترك بين التعددات المختلفة، وإيجاد فرص موائمة للسلام والتعاون والإخاء الإنساني بين شعوب العالم والمجتمعات الإنسانية. بهذه التطلعات والمرئيات النبيلة من جلالته حفظه الله ورعاه فليس مبالغة إن قلنا إن جلالة الملك حمد هو (قائد السلام) في المنطقة نظير جهوده وإسهامه في سبيل نشر السلام العالمي وتحقيق قدر كبير من الحوار بين الأديان والعيش المشترك بين الثقافات المختلفة والاثنيات المتعددة. وعودة إلى لب حديثنا يذكر أن منتدى باريس للسلام نظم لأول مرة من 11 إلى 13 نوفمبر عام 2018، واعتبر مناسبة سنوية لعرض الرؤى والأفكار المختلفة والمبادرات لتحقيق تعاون دولي وسط التحديات المختلفة الإقليمية والدولية. ويهدف هذا المؤتمر السنوي المهم إلى تنظيم الجهود المشتركة والعمل الجماعي لمواجهة التحديات الراهنة، وكذا إحلال السلام العالمي عبر النهوض بالحوكمة العالمية وإيجاد السبل الكفيلة لإزالة التوترات الدولية. (انظر موقع إلكتروني الدبلوماسية الفرنسية). وكانت قد انعقدت الدورة الرابعة منه مؤخرا وعلى مدى يومين ويتمحور مواضيعه حول السلام والأمن والتنمية والبيئة والتكنولوجيا الرقمية المعاصرة والاقتصاد الشامل وغيرها من المواضيع ذات الأبعاد الاستراتيجية والسياسية. ويشارك فيه رؤساء الدول وممثلو حكومات العالم ورؤساء المنظمات العالمية والدولية ومنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي، وبرنامج الغذاء العالمي وشركات (مايكروسوفت ويوتيوب وجوجل)، ومنظمات مدنية عالمية غير حكومية ومؤسسات (ميلينداجيتس وجورج سوروس). وقد افتتحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس بحضور عدد لفيف من الرؤساء منهم عبدالفتاح السيسي والرئيس النيجيري محمد بوخاري ورئيسة وزراء بنجلاديش شيخة حسينة واجد، وبعض رؤساء الحكومات وممثلي الدول المشاركة. S-HAIDER64@hotmail.com
مشاركة :