رؤية المملكة 2030 لم تكن رؤية تقليدية في تحقيق أهدافها، فعندما وضعت الصين رؤيتها في 1979 في التحول إلى دولة صناعية، اعتمدت على الميزة النسبية في اليد العاملة الرخيصة، وساعدها في ذلك أن جعلها العالم بيت الصناعة العالمي من أجل تحقيق الرفاهية للعالم، لكن الصين تحصر نفسها بهذه الميزة، بل اتجهت نحو توطين التقنية، ثم إلى مرحلة توليد التقنية، الذي أزعج الولايات المتحدة في أن الصين خرجت عن الإطار المرسوم لها في دور تحقيق الرفاهية للعالم، وأصبحت منافسا للولايات المتحدة بشكل خاص تنافسها على القيادة. لا تمتلك السعودية مثل تلك الميزة، لكنها تمتلك ميزات نسبية أخرى أكثر أهمية، تمكنها من التحول في الفترة التي حددتها الرؤية في 2030، مثل توفر النفط والصناعات البتروكيماوية، والموقع اللوجستي المتوسط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، القريبة من قناة السويس، والتي يمر بها 13 في المائة من التجارة العالمية، والتي ستصبح من أكثر المراكز اللوجستية تقدما في العالم من الناحية التقنية، وبأول نظام بيئي متكامل لسلسلة التوريد والموانئ في العالم. ما يوفر مستويات إنتاجية عالمية مع انبعاثات كربونية صفرية، وتمتلك استثمارات ضخمة بجانب تمتعها باستقرار سياسي، وانفتاحها على العالم بعدما تمكنت من تحقيق الحوكمة والشفافية المتمثلة في مكافحة الفساد والبيروقراطية الذي قادته الدولة على جميع المستويات بجانب قيادة إصلاحات اجتماعية. جاء إنشاء نيوم أوكساجون حافزا للنمو والتنوع لتحقيق مستهدفات 2030، وبحكم موقعها ستشارك في مجال التجارة الإقليمية، بجانب تدفقات التجارة العالمية في المنطقة، وستشهد أوكساجون تحولا جذريا في رؤية العالم لمراكز التصنيع. ما يعني أن السعودية رائدة التغيير في العالم، حيث ترتبط المصانع في أوكساجون بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق قفزة نوعية لهذه الحقبة من الثورة الصناعية الرابعة، حتى تصبح ميزة تنافسية، وتتحول المدينة إلى بيئة جاهزة لجذب الاستثمارات العالمية، خصوصا وأن المدينة تستفيد من ذا لاين التي تم إطلاقها في يناير 2021، والتي في طور استكمال مراحل مشروع المدينة الإدراكية المعرفية الشاملة التي تحافظ على 95 في المائة من البيئة الطبيعية. تشكل المدينة الصناعية في نيوم القابلة للتوسع، والتي تشمل أكبر هيكل عائم في العالم، مركزا للصناعات النظيفة والمتقدمة، وإنشاء اقتصاد دائري حقيقي مبني على البحث والابتكار، وإنشاء أكبر مشروع هيدروجين أخضر في العالم في مشروع ثلاثي مشترك، وكذلك أكبر مصنع لبناء وحدات معيارية في العالم وأكثرها تقدما، إضافة إلى بناء أكبر مركز بيانات فائق النطاق في المنطقة، وهي مشاريع مشتركة مع شركات عالمية، التي تعتمد على سبعة قطاعات صناعية تتمحور في الطاقة المستدامة، والتنقل المستقل، وابتكار حلول للمياه، والإنتاج الغذائي المستدام، والصحة والرفاهية، والتقنية والتصنيع الرقمي، وطرق البناء الحديثة، مع الحرص المستمر على الابتكار والعمل بالتقنية الجديدة، تستند إلى التوظيف الكامل، من أجل أن تتكامل عناصر الثورة الرابعة في مدينة أوكساجون لتحقيق المملكة مكانة راسخة لتصبح مركزا عالميا مع تدفق التجارة العالمية من خلالها. ويمكنها من خلال مشروعات نيوم الصناعية أن تكون المنتج لكل الصناعات البديلة للصناعات من شرق آسيا بالتحالف الاستراتيجي مع مصر والأردن والمصدر لها عبر قناة السويس أو ميناء نويبع، وبشكل خاص تصدير المنتجات حيث هناك صناعات كثيرة مثل صناعة الأدوية والطاقة وتحلية المياه وغيرها من الصناعات الأخرى في مدينة واحدة إلى إفريقيا التي يمكن أن تكون سوقا لمدينة نيوم الصناعية التي تتمتع بتبادل تجاري بدون جمارك وشحن بري ينافس الشحن البحري. وستتحول المدينة الصناعية إلى محور العمل العالمي ومنصة للتدفقات العالمية، وتؤسس مفهوما عالميا جديدا لعلاقة الصناعة بالبيئة، وتمثل قاعدة جديدة لتوفير البنية التحتية للصناعات المستقبلية التي من شأنها أن تجذب الشركات العالمية، وتتحول إلى مدينة الحلم المعتمدة على التقنية والابتكار لتكون نموذجا مبتكرا للمدن الصناعية الحديثة التي ستصبح رافدا مهما لنهضة صناعة الوطن ومولدة للفرص الوظيفية، لمنافسة المراكز العالمية القائمة. ستحدث مدينة أوكساجون ثورة في مجال الاعتماد على الطاقة المتجددة التي أصبحت اتجاها عالميا، وتصفير نسبة الانبعاثات الكربونية بما يجعلها نموذجا مهما يحتذى به في العالم كله، ومحط أنظار المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وهي تعد أحد أهم المشروعات العملاقة في السعودية التي تعكس ترسيخ مفهوم الاقتصاد الأزرق عبر الاعتماد على البحار لتحقيق التنمية المستدامة، وهي فكرة جديدة ومبتكرة، فإنها نموذجا يحتذى به في أنحاء العالم، وفي ظل تبادل الاتهامات بين الدول الصناعية، لكن ليست هناك حلول على الأرض سوى السعودية. وهي قادرة على تحسين بيئة التصدير تحقيقا لتطلعات رؤية المملكة وصولا لرفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، رغم أن الصادرات غير النفطية تضاعفت من 109.6 مليار ريال عام 2009 إلى 229.2 مليار ريال عام 2019 إلى 358 مليار ريال في 2020. رغم ذلك لم تسد الفجوة التي أحدثها انخفاض إيرادات صادرات النفط من 1.26 تريليون ريال عام 2012 إلى 751.8 مليار ريال في 2019 ونحو 409.65 مليار ريال في 11 شهر من عام 2020، أي أن هناك عجزاً نحو 800 مليار ريال بين عامي 2012 و2020، لكن حاولت الدولة تعويضها عبر مصادر أخرى، حتى تمكنت من توفير 358 مليار ريال في 2020، كما حققت الرؤية خلال خمسة أعوام وعلى الرغم من الظروف العالمية الصعبة جذب استثمارات أجنبية بنحو 862 مليار ريال لتبلغ قيمتها 2.01 تريليون ريال في 2020 مقابل 840.2 مليار ريال بنهاية 2015 قبل الرؤية، فرؤية المملكة قاطرة التحول لتنويع مصادر الدخل.
مشاركة :