حضارة الإمبراطورية الرومانية والحضارة الفرعونية تبقيان إلى يومنا هذا شاهدين بارزين على قوة البنية التحتية التي تم إنشاؤها منذ أكثر من 4000 سنة. وهذا ما يؤكد أن كل حضارة قوية لا بد أن تقوم على أسس صحيحة من نهضة تطويرية ورقي عمراني وتأسيس قواعد صحيحة للبنية التحتية لكافة المدن والمناطق. وكل ذلك يأتي من منطلق التطوير والتخطيط العمراني الصحيح الذي يشمل تخطيط الشوارع والطرقات والمداخل والمخارج للمناطق وربطها بالمدن وتوفير البنى التحتية القوية التي تتسم بالديمومة والاستدامة. وفي هذا السياق، يبرز عامل مهم جدا هو الدراسات المسبقة المتعمقة والاستشرافية حول مختلف الاحتياجات، بما في ذلك التخطيطات المرورية الصحيحة، وهذا ما يسبق أي جهد لإنشاء الشوارع والطرقات وشبكات المجاري والإنارة في التوقيت الصحيح الذي يتزامن مع احتياجات وتصنيفات المنطقة وإنشائها.. فمثلا نلاحظ أن العقارات الواقعة في المناطق المأهولة والمتوافر فيها البنية التحتية تكون دائمًا مرغوبة وعليها طلب شديد وأسعارها أعلى من غيرها، لأن توافر البنى التحتية يمثل عاملا أساسيا في رقي المناطق وجمالها، ويمثل مصدرا مهما لراحة القاطنين ومرتادي المنطقة. انطلاقا من ذلك، يمكن القول إننا اليوم أمام تحدّ كبير يتعلق بالبنى التحتية، وخاصة بالنسبة لإدارة الطرق وإدارة الصرف الصحي بوزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني. فمن الأولويات المهمة جدًا التي يجب التركيز عيها عمل مسح ميداني وجدولة واضحة بموجب الميزانيات المتوافرة والمعلنة للعموم لجميع المناطق التي تعاني من عدم توافر خدمات كافية للبنية التحتية. ويجب أن يشمل ذلك التاريخ المتوقع لبناء الشوارع والطرقات وخدمات البنية التحتية المدفوعة من قاطنيها. ويجب التركيز على المناطق القديمة المتهالكة التي تفتقر إلى خدمات البنية التحتية.. فهناك مناطق تعاني حتى الآن من انعدام مثل هذه الخدمات وخاصة التي تكون فيها الشوارع والطرقات صخرية وخدمات البنية التحتية معدومة مثل منطقة قلالي وخليج توبلي مجمع 711 والحد والهملة مجمع 1010 ومقابة والجنبية مجمع 575 وغيرها من المناطق التي تم إنشاؤها حديثًا وبنيت فيها المباني والبيوت.. بل إن بعضها تم دفع رسوم بنيتها التحتية بالفعل من قبل القاطنين، ولكن في المقابل لا يجدون فيها الخدمات الأساسية، ليبدأ بعدها مسلسل تقديم المواطنين والمقيمين الشكاوى والالتماسات والمتابعات. السؤال هنا: لماذا لا يكون هناك استراتيجية شاملة وواضحة ومعلنة لجميع المناطق؟ بحيث يكون هناك جدولة متكاملة ومتفقة مع ميزانية الوزارة وفق الجداول الزمنية لعقود المقاولين، وبالتنظيم مع مجلس المناقصات، فإعلان مثل هذه الاستراتيجية المستقبلية لخدمات البنية التحتية بشكل واضح وشفاف يجعل الجميع على دراية واقتناع بان هناك هدفا واضحا وخطة موضوعة فيما يتعلق بالتنمية الحضرية والمستدامة. من جانب آخر، كثيرا ما يتم دفع رسوم خدمات البنية التحتية المتمثلة في 12 دينارا للمتر المربع، وعندما تكون المنطقة كاملة ومؤهلة ومبنية بنسبة تتجاوز 90%، وتكون مطابقة لجميع شروط إنشاء الشوارع والإنارة وشبكات الصرف الصحي -أعزكم الله- نواجه للأسف تحديا يتمثل في تأخر ترسية المناقصات على المقاول والبدء في تنفيذ الخدمات أحيانا لسنوات طويلة. وهذه الآلية يمكن تعديلها من خلال استراتيجية متقدمة حول تنظيم البنية التحتية وإنشائها. ختاما.. مازالت بشارة رسوم البنية التحتية بشارة خير ومبعث سعادة بالتطوير العمراني، ولكنها في نفس الوقت تمثل تحديا أمام المعنيين بتطوير نهج متكامل والتنسيق مع القطاعين العام والخاص لتحقيق الأهداف وتطوير مملكتنا الحبيبة للأفضل في قطاع خدمات البنية التحتية.
مشاركة :