تشكل العباءة النسائية التقليدية رمزا دينياً وتراثياً بارزاً للوطن العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، وكذلك في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبعض البلدان الإسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا ويطلقون عليها (كبايا) مشتقه من كلمة (عباءة)، وهي مناطة بالبيئة الدينية والاجتماعية حيث إن المرأة يجب عليها ارتداؤها شرعاً في سن البلوغ إلا أن هناك الكثير من المناطق التي ترتدي فتياتها الصغيرات العباءة قبل سن البلوغ كتقليد ديني اجتماعي اعتادت عليه مجتمعاتهم منذ القدم. وظهرت العباءة السوداء منذ حقبة تاريخية طويلة تصل لأكثر من أربعة آلاف عام إلا أن بدايتها لم تكن بالشكل المعتاد؛ حيث ظهرت في بعض الحضارات كلباس واسع ذي أكمام طويلة وفضفاضة وتطريزات، ويطلق عليه غالباً (جلابية)، وانتشر هذا النوع من اللباس في بلاد ما بين النهرين. وعلى مر العقود أخذت العباءة أشكالاً عديدة وألوانا مختلفة وتطريزات متنوعة، وتميزت كل منطقة بزي عباءة معينة تعبر عن تراث البلاد وتقاليده في طريقة ارتداء النساء للعباءة وحشمتها وصاحب ارتداء العباءة ارتداء (الخمار) وهو ما يخمر به الرأس وتشده على الجيب وأيضاً (البرقع) ويسمى كذلك (نقاب)، وهو عبارة عن قطعة قماش سوداء توضع فوق الرأس على الخمار فوق الوجه لتغطيته بالكامل عدا العينين، وكذلك هناك (اللثام) وهو قطعة تغطي أسفل الوجه من الأنف وحتى الذقن وتسمح بكشف العينين والحاجبين والجبهة، ويعتبر البرقع بحد ذاته زياً تراثياً فريداً من نوعه اختصت به النساء العربيات البدويات ويعتبر نوعاً من أنواع الزينة؛ حيث زين البرقع قديماً بتطريزات وكذلك بجنيهات ذهبية وفضية تتدلى من أطرافه، كذلك النساء العربيات يرتدين مع العباءة المناديل والعصبة والشال، ومن الأزياء الشعبية التي ترتديها لتغطية جسدها أنواع أخرى مثل الدراعة والكوفية والجلباب والإزار والقمباز النسائي والجلابية والملاي، وهي عبارة عن قطعتين من القماش الأسود لتغطية الجزء الأعلى من الرأس والوجه والصدر وحتى الخصر، والجزء الثاني تسمى التنورة وهي قطعة قماش سوداء تغطي جسم المرأة من الخصر وحتى أطراف القدمين، وتكون واسعة ويغلب اللون الأسود على الأزياء النسائية في الماضي واللون الأسود في الزي النسائي دلالات كثيرة تعبر عن إخفاء معالم جسم المرأة وستره بلون غامق غير شفاف ولا يكشف جلد المرأة، وكذلك يعبر ارتداء النساء للعباءة السوداء على الحداد والحزن الذي يصاحب حياة النساء الأرامل منذ وفاة زوجها وحتى آخر عمرها، ولم تكن الفتيات الصغيرات يتميزن بلباس عباءة مختلفة عن النساء البالغات بل يرتدين ذات اللباس، وكانت النساء يتزينّ بصدرية مصنوعة من المخمل الأحمر تلبسها النساء فوق التنورة الطويلة، ولكي تحافظ المرأة على سترها وكامل حشمتها كن يرتدين السروال تحت الملابس الخارجية ويكون ضيقاً في الأطراف وواسعاً من أعلى ويحوي على نقشات وتطريزات وكشكشه، بالإضافة إلى زي يطلق عليه (ساكو) وهو شبيه بمالطو الرجل لكنه من قماش أرق ودون أزرار ترتديه المرأة فوق ملابسها الخارجية ويصنع أحياناً من المخمل. عبد الله الصالح أحد أصحاب محلات العباءات القدامى في المملكة ينوه إلى أن أصل العباءة كانت للرجل، ولم تكن نسائية كما ذكر التاريخ العربي. وكان منشأ العباءة النسائية من دولة العراق حيث اتخذتها المرأة لباساً يوضع على الرأس فوق الملابس الداخلية وتكون فضفاضة للغاية، وكانت ترفعها المرأة أثناء المشي لخصرها وترتدي على وجهها خماراً شفافاً، ورأت أنها أكثر راحة وحشمة وستراً لها، ثم انتقل زي العباءة من العراق عن طريق الترحال إلى منطقة الأحساء إلى أن وصلت إلى منطقة نجد. كما يذكر أن العصور الإسلامية ارتدت فيه النساء العباءات بألوان متعددة كما هو واضح في المسلسلات والأفلام التاريخية وكتب المؤرخين، وقد تطورت وتغيرت وتبدل شكلها بحسب كل منطقة وبحسب الأجيال المتعاقبة. يؤكد الصالح على المنظور المتعارف عليه في المجتمع حول العباءة كون عباءة المرأة الخليجية والسعودية على وجه الخصوص مصدراً مهماً وأساسياً في الحكم على مدى تدين المرأة والتزامها الديني، بل باتت العباءة تشكل فكراً مجتمعياً واسعاً حيث إن المرأة التي ترتدي العباءة وتضعها على الرأس تعد امرأة متدينة وملتزمة ومتحفظة وهي دليل الشرف والحشمة والستر والغيرة في حين أن المرأة التي تضع العباءة على كتفها فهي امرأة اختارت التحرر من القيود التي تراها قيوداً متزمتة أو قيوداً غير مرنة، فحبذت ارتداء شكلٍ من أشكال العباءة المريح أثناء المشي والحركة وممارسة النشاطات وغير المتكلف خاصة للفتيات الصغيرات. وأشارت إحدى مصممات العباءة التي عرفت بعلامة تجارية خاصة (ديزاين) أن هناك أنواعاً من العباءات المتكلفة للغاية وتصاميمها تتناسب مع مناسبات وأعراس وفرح، فهذه التصاميم من العباءة تحوي العديد من الاشكال والتطريزات فاقعة الألوان وكذلك تحوي اكسسوارات مصاحبة للتصاميم مثل اللؤلؤ الاصطناعي والأزرار والترتر والدانتيل والمخمل والحرير والشيفون والسلاسل بل باتت كثير من العباءات تصمم بشكل كامل من خامات دخيلة على العباءة التقليدية مثل أن تصمم بالكامل من قماش المخمل أو قماش الشيفون أو قماش الحرير أو قماش الكتان، ولم يعد القماش المختص بصناعة العباءة أساسياً لصنعها بل دخلت العديد من الأقمشة الثقيلة منها والخفيفة، وحتى الصوف دخل على العباءة التي صنفت بالعباءة الشتوية، وعلى الرغم من هذا إلا أن اللون الأسود لا يزال سيد الألوان للعباءة وهو المفضل لدى أغلب النساء، وقد دخلت العباءات الملونة بالكامل على المجتمع بشكل تدريجي حيث كانت البداية دخول الألوان القاتمة كالكحلي والبني والرمادي بعدها بدأت الألوان تكون أكثر جرأة فهناك العباءة البيضاء والصفراء والخضراء والزرقاء. وفي العصر الحديث أصبح شكل بعض تصاميم العباءات مقارباً جداً لأشكال الملابس العادية بحسب الموضة الدارجة، والتي يتبعها أغلب فتيات العصر الحديث، ويحرصن على مواكبة التطور والحداثة فقد تأخذ العباءة شكل القميص الطويل أو ما يسمى ( البالطو)، وقد تكون العباءة مصممة من قطعتين إحداها تنورة للجزء السفلي وقميص قصير للجزء العلوي، أو تكون عبارة عن خمار طويل فوق ثوب يشبه ثوب الرجل مع اختلاف اللون هذا بالإضافة الى القصات والكسرات المتعددة التي تميز كل عباءة عن الأخرى وتتناسب مع العديد من الأذواق وتتيح للنساء خيرات كثيرة وكل واحدة تختار ما يناسب ذوقها وما يناسب مجتمعها وما يناسب بيئتها. محمد ربيع الغامدي القاص والباحث في الموروث الشعبي قال إنه في عام 1960م في الطائف كانت العباءة منتشرة مع فوارق بسيطة وبعض النساء يغطين وجوههن والبعض لا تغطي إلى أن انتقلت إلى الباحة حيث لم يوجد امرأة في الباحة ترتدي العباءة بل كانت ترتدي جلابية أو ثوباً شامياً فضفاضاً وفوقه يُلبس رداء أبيض شبيه بالإحرام الذي يُلبس في الحج يغطي معالم البروز في المرأة. أما الرأس فكانت المرأة تشد بعصابة على رأسها لتلم شعرها تسمى (الصمادة) وتتلفع بالشيلة بقماش أسود، ويربط في أعلى الرأس بشيء يسمى (المعصب)، وتتلثم فقط في حال وجود غريب من خارج القرية. وفي عام 1963م بدأت أول بوادر ظهور العباءة بعدد محدود من النساء وكانت العباءة آنذاك مصدر تهكم وتندر من الناس جميعاً والعباءة السوداء أصلها شامية عراقية حيث الناس في العراق كانت تسير رجالاً ونساء مسيرات إلى العتبات المقدسة، وكانوا يحتاجون إلى ارتداء العباءة السوداء، ومن ثم انتقلت إلى نجد ثم إلى الحجاز حيث كانت النساء آنذاك يرتدين لباساً من الحرير الأبيض الفضفاض بالكامل، وهذا الزي موجود في المتاحف ثم انتقلت العباءة السوداء إلى كل الجزيرة العربية. أما البرقع فكانت نساء البادية يرتدينه. أما النقاب فهو يمني الأصل جاء مع التجار اليمنيين بعد أن فتحوا محلات أزياء وراق للنساء وتم تداوله في المجتمع وكان ذلك في عام 1970م. والدليل على وجود العباءة منذ قدم العصور الإسلامية بيت الشعر الشهير لميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبية زوجة الخليفة الأموي الأول ومؤسس الخلافة الأموية معاوية بن أبي سفيان ووالدة الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، وهي من أقدم الشاعرات العربيات والتي نسبت إليها قصيدة صاحبتها هي ميسون بنت جندل وإحدى أبيات القصيدة تقول: ولبس عباءة وتقـرّ عيني أحبُ إليّ من لبس الشفوف
مشاركة :