عمون - قالت الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان، الدكتورة عبلة عماوي، إن التقدم في تهيئة البيئة الملائمة لاستثمار الفرصة السكانية في الأردن، التي من المتوقع أن تصل ذروتها العام 2040، بطيء. وأوضحت، أن الفرصة السكانية تظهر عندما يبدأ معدل نمو الفئة السكانية في أعمار القوى البشرية 15- 64 عاما، بالتفوق بشكل كبير على معدل نمو فئة المعالين في الأعمار دون سن 15 و 65 عاما فأكثر، حيث من المتوقع في العام 2040 أن ترتفع نسبة السكان في سن العمل إلى67.7 بالمئة، وينخفض معدل الإعالة إلى47.7 فرد معال لكل 100 فرد في أعمار القوى البشرية، وفقا لوثيقة الفرصة السكانية في الأردن. وقالت إن المجلس يرصد التقدم في استثمار مرحلة التحول الديموغرافي في الأردن بشكل دوري، حيث يتم قياس مستوى التقدم في تحقيق سياسات الفرصة السكانية من خلال مصفوفة من المؤشرات توفرها الخطة الوطنية لرصد ومتابعة التقدم في سياسات الفرصة السكانية، حيث تشير هذه التقارير الدورية إلى أن الاستثمار بالفرصة السكانية في الأردن بطيء الوتيرة. واضافت ان حقيق هذه السياسات بفعالية، يتطلب وضع قيم مستهدفة بعيدة المدى للمؤشرات حسب كل سياسة من السياسات في ضوء الإسقاطات السكانية وفق سيناريو الفرصة السكانية، ومعالجة بعض القضايا الهامة والمتعلقة بسياسات الصحة والصحة الإنجابية، والوصول إلى معدل الانجاب المرجو ومدى مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل الفعلية. واشارت الى انه وعلى الرغم من تحقيق الأردن إنجازات كبيرة في مجال التعليم، إلا أن هناك ضرورة للتركيز على تحسين نوعية التعليم وجودته في مختلف المراحل التعليمية، مستعرضة ابرز التحديات التي تؤثر على تحقيق واستثمار الفرصة السكانية والمتمثلة بضعف استيعاب الخرجين الجدد في سوق العمل، وضعف مصادر وآليات التمويل لدعم وتحفيز المشاريع الريادية المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر. وبينت انه من التحديات أيضا، ضعف إقبال الأردنيين على العمل المهني والتقني، وتدني مشاركة المرأة في سوق العمل، وعدم مقدرة الاقتصاد على مواكبة الزيادة السكانية. أما التحديات على المستوى الخارجي، فتتمثل في حالة عدم الاستقرار في ظل التقلبات السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، التي تؤثر سلبا على المناخ الاستثماري أو على حجم الاستثمارات العربية والأجنبية في الأردن على المديين القريب والمتوسط، فضلا عن التداعيات والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها جائحة كورونا على جميع القطاعات وعلى كافة أبعاد التنمية. وعزت عماوي هذا البطء إلى مجموعة من المؤشرات، أهمها، تراجع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، حيث انخفض خلال الفترة 2014 -2020، من 3.4 بالمئة عام 2014 إلى 2 بالمئة عام 2019، وإلى -1.6 بالمئة عام 2020. وأشارت الى ارتفاع معدلات البطالة، حيث ارتفعت معدلات البطالة بين الأردنيين خلال الفترة 2007 - 2020 بين الذكور من 10.3 بالمئة إلى 21.2 بالمئة، وبين الإناث من 25.6 بالمئة عام 2007 إلى 30.7 بالمئة عام 2020، فضلا عن اتجاه معدلات المشاركة الاقتصادية للانخفاض بشكل عام في الفترة 2007 - 2020، لكل من الذكور والإناث. وبحسب مؤشرات العمالة والبطالة للسكان فوق سن 15 سنة لكل الجنسيات من واقع مسح قوة العمل لعام 2020 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، فقد بلغت نسبة المشتغلين من السكان 15 سنة فاكثر 50.5 بالمئة للذكور، مقابل 10.9بالمئة للإناث، وبلغ معدل البطالة بين حملة مؤهل علمي بكالوريوس فأكثر 22.1 بالمئة للذكور، مقابل 35 بالمئة للإناث. ولفتت عماوي الى استمرار الفجوة الكبيرة بين الذكور والإناث في المشاركة الاقتصادية خلال الفترة 2007 - 2020، فقد بلغ عام 2020 معدل المشاركة الاقتصادية للإناث 14.2 بالمئة مقابل 53.6 بالمئة للذكور؛ علما أن ترتيب الأردن في الفجوة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية حسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2021 جاء في المركز 133 من بين 156 دولة. وتحدثت عماوي عن تذبذب أعداد خريجي التدريب المهني والتلمذة المهنية والتعليم التقني، موضحة ان أعداد الخريجين من التعليم التقني انخفضت خلال الفترة 2014 - 2020 بنسبة 11 بالمئة، كما تذبذبت أعداد الخريجين من مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتشغيل والتدريب للفترة ذاتها. ونجد أن الاتجاه العام هو انخفاض في أعداد الخريجين ما بين عامي 2014 و2020، فقد انخفضت بنسبة 18.4 بالمئة، واتجهت أعداد الطلبة الملتحقين ببرنامج التلمذة المهنية في مدارس المملكة إلى الانخفاض خلال الفترة 2014 -2018، ثم اتجهت إلى الارتفاع للفترة 2019- 2020. ومن المؤشرات أيضا، ضعف المستوى التعليمي للمشتغلين الأردنيين في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث أن 50 بالمئة من المشتغلين الأردنيين هم من حملة مؤهل علمي أقل من الثانوية العامة، بالإضافة إلى تراجع نسبة النمو في إجمالي إنتاجية العمال وإجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج في الأردن، اذ كانت سالبة منذ العام 2010، وفقا لورقة منتدى الاستراتيجيات الأردني بعنوان "الإنتاجية في الأردن" بالاستناد الى تقرير أصدرته منظمة كونفرنس بورد حول الإنتاجية في مختلف دول العالم. وفيما يتعلق بمؤشر رأس المال البشري، أشارت عماوي، إلى أن الأردن حل بالمرتبة 89 عالميا و 8 عربيا على المؤشر الكلي لرأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي عام 2020، وبدرجة كلية تعادل 0.55، بمعنى أن الأطفال الذين يولدون اليوم في الأردن ستشكل إنتاجيتهم ما نسبته 55 بالمئة مقارنة بما يمكن إنتاجه في حال حصولهم على رعاية صحية وتعليمية متكاملة وعالية الجودة. واوضحت انه وبالاعتماد على رصد ومتابعة مدى التقدم في تحقق واستثمار سياسات الفرصة السكانية للأعوام 2018 - 2019، يمكن إبراز أهم المؤشرات التي سجلت تقدما في تنفيذ سياسات استثمار الفرصة السكانية، حيث "حققت نسب الالتحاق بالتعليم في المراحل ما قبل المرحلة الأساسية (رياض الأطفال) إلى نهاية التعليم الأساسي والثانوي، النسب المستهدفة لها لعامي 2018 و 2019". واكدت ان ترتيب الأردن قد تحسن في كل من مؤشر ممارسة الأعمال من 103 عام 2017 إلى 95 عام 2018، و 90 عام 2019، وكذلك مؤشر التنافسية التكنولوجية العالمي (آي أم دي) من 56 عام 2017، إلى 52 عام 2018 والى 50 عام 2019. وأرجعت أسباب التحسن في ترتيب الأردن، إلى العديد من القرارات والإصلاحات والإجراءات المؤسسية التي قامت بها الحكومة، كإعادة هندسة الإجراءات وأتمتها في الوزارات والمؤسسات المرتبطة بالاستثمار والنشاط الاقتصادي، والتوجه نحو الحكومة الإلكترونية بالإضافة الى عدد من الإصلاحات المالية. ومن المؤشرات التي سجلت تقدما في تنفيذ سياسات استثمار الفرصة السكانية ايضا، الزيادة في عدد المشاريع متناهية الصغر التي تم دعمها من خلال برنامج تعزيز الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية (إرادة) من 550 مشروعا عام2017 إلى 650 مشروعا عام 2018 و 700 مشروع عام 2019 . كما زادت عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تم دعمها من قبل المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية (جيدكو)، من 100 مشروع عام 2017 إلى 132 عام 2018 و114 في 2019، بينما بلغ عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة الممولة من صندوق التنمية والتشغيل 2261 مشروعا عام 2018 و 3798 مشروعا عام 2019. وفي إطار خدمات البنى التحتية تم تحقيق القيم المستهدفة لعام 2019 من نسب وصول الكهرباء 100 بالمئة، ووصول المياه 94 بالمئة، ووصول الصرف الصحي إلى 69 بالمئة. وبلغ ايضا نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 4223 دولار عام 2019، في حين بلغ 4054 عام 2015. واكدت ان الأردن تقدم 9 مرتبات في مؤشر التنافسية العالمي 2021 عن عام 2020، حيث أظهر الكتاب السنوي للتنافسية 2021 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الادارية، أن الاردن تقدم إلى المرتبة 49 من أصل 64 دولة مشاركة، وكان التقدم كبيرا مقارنة مع عام 2020 في مؤشر كفاءة الاعمال بواقع 13 درجة، إلى جانب التقدم في مؤشر الكفاءة الحكومية بواقع 10 درجات عن عام 2020، وتحسن الاردن في مؤشر البنية التحتية، وتقدم بواقع 3 درجات عن العام الماضي. وأوضحت عماوي، أن عوائد الاستثمار الأمثل للفرصة السكانية، سيعود على الأردن بالعديد من المنافع على مختلف المستويات، فعلى المستويين الديموغرافي والصحي، سيتجه حجم الأسرة نحو التناقص، فضلا عن انخفاض معدلات إعالة الأطفال وكبار السن ومعدل الإعالة الكلي، وارتفاع نسبة السكان في سن العمل، وارتفاع العمر المتوقع عند الولادة واستمرار الأصحاء للعمل سنوات أطول من الأجيال السابقة. وعلى المستوى الاقتصادي، سيكون هناك إحداث نقلة في النمو الاقتصادي من خلال ارتفاع قدرة الفرد والمجتمع على الادخار، ما يتيح توجيه مخصصات استثمارية أكبر للعناية بالمواطن، وفي كافة المجالات الصحية والتعليمية لتخفيض الفقر. كما سيؤدي إلى تحرك نسبة عالية من المدخرات داخل الاقتصاد، ويزداد حجم الاستثمار المتاح للشركات والمصانع، فضلا عن تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي والقدرة التنافسية والابتكار والإبداع، وارتفاع القدرة الشرائية، وتوجيه مدخرات الدولة إلى تنمية القطاعات الإنتاجية بدلا من إنفاقها على الخدمات الاستهلاكية المتزايدة. وعلى المستوى الاجتماعي، ستصبح الأسر صغيرة الحجم، وبالتالي تزداد فرص الإناث في التعليم، كما سيرتفع سن الزواج وتنجب النساء عدد أقل من الأطفال وتتحسن صحتهن، وترتفع نسبة الإناث في القوى العاملة، وتتغير أدوار الإناث نحو مزيد من المشاركة في الحياة العامة، وتحسين نوعية حياة المواطنين عامة. واستعرضت التبعات السلبية في حال عدم استثمار الفرصة السكانية بالأردن، حيث ستؤدي إلى عبء اقتصادي يتمثل بارتفاع نسب العاطلين عن العمل خاصة بين القادمين الجدد إلى سوق العمل، والدفع باتجاه المزيد من الهجرة، كما أن البطالة لمدة طويلة يمكن أن تؤدي إلى اختفاء الاهتمام بالاستثمار في المزيد من الدراسة في المدارس، وتأخر تشكيل الأسرة ومظاهر المواطنة السلبية. واضافت ان من التبعات الاخرى، حدوث نمو اقتصادي بطيء، وارتفاع معدلات الفقر ولأجيال قادمة، وتفاوت توزيع الدخل، وتقلص القدرة الادخارية لارتفاع الإعالة، وحدوث تضخم كبير وارتفاع في تكلفة الإنتاج والأسعار، وظهور التنافس غير الإيجابي على فرص العمل المحدودة، وانتشار المحسوبية والنعرات الطائفية وضياع حقوق الآخرين، وتوجه الحكومة تحت ضغط محدودية فرص العمل في القطاع الخاص والقطاع الأهلي لإعادة فتح باب التوظيف في الدوائر الحكومية وبالتالي العودة إلى الترهل الحكومي وازدياد المديونية الوطنية العامة. كما يؤدي عدم استثمار وقت الأفراد في مرحلة النشاط الاقتصادي إلى وصولهم إلى مرحلة الشيخوخة مثقلين بالمشاكل النفسية والاجتماعية، ما يشكل عبئا كبيرا على الدولة لرعايتهم والإنفاق عليهم، وزيادة حجم الإنفاق في مجال القطاعات الخدمية العامة (الصحة والتعليم) على حساب الاستثمار في القطاعات الإنتاجية. واشارت الى حدوث اضطرابات اجتماعية يمكن أن يكون لها أثر سلبي على النمو ومناخ الاستثمار كارتفاع حالات عمالة الأطفال، والتفكك الأسري، والأطفال المعرضين للخطر والطلاق والتسرب المدرسي والعنف الأسري بكافة أشكاله، والجهل والإدمان على الكحول والمخدرات والعنف والتطرف والإرهاب وجرائم النصب والاحتيال والجرائم المالية والتسول. وأوصت عماوي أهمية الوصول إلى اقتصاد متطور وتحسين جودة التعليم، والمواءمة بين مخرجات سوق العمل والتعليم والاستثمار في المشاريع الصغيرة والريادة والتشجيع على العمل المهني والتقني والاستثمار برأس المال البشري وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتشجيع الاستثمار الأجنبي والوطني وتبسيط إجراءات جلب الاستثمار وزيادة مشاركة المرأة الاقتصادية وأهمية تحسين خدمات الصحة الجنسية والانجابية. (بترا - وفاء زيناتية)
مشاركة :