«امسك لي واقطع لك!»

  • 11/11/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

دار حديث مع أحد الأصدقاء حول مصلحة العمل وتضاربه مع المصالح الشخصية، وكان حديثه نابعا من القلب وبنبرة يشوبها شيء من الحزن والتأثر بمسألة انتشار المصالح الشخصية وكونها أصبحت فوق المصلحة العامة. وقد عبر عن ذلك بكلمة ربما اشتهرت في بعض الأوساط وهي: «What’s in it for Me» بمعنى وما الفائدة بالنسبة لي؟! إن كل المؤسسات والشركات والقطاعات العامة والخاصة والهيئات تقوم على أساس نظام إداري. هذا النظام الإداري كُتب وصيغ خلال تجارب ودراسات وأرقام وإحصائيات حدثت عبر سنوات طويلة متراكمة، ولكن يظل دائما هناك مجال للتطوير والتغيير والتحسين؛ لأن ذلك من سنن الحياة حيث لا يوجد نظام إداري كامل 100%. وهناك عدة عوامل تؤثر على فعالية الأنظمة، منها الموارد البشرية والمالية، والتخطيط وصرامة التنفيذ. ولكن في المقابل هناك معوقات لهذا النظام تختلف في درجة تأثيرها عليه إيجابا وسلبا، وأشدها خطرا وأقواها تأثيرا، والذي أريد أن أركز عليه أكثر، وأعتبره أيضا واحداً من القواصم لكل الأنظمة والقوانين مهما كانت قوية وفعالة هو تقديم المنفعة والمصلحة الشخصية على النظام، وبمعنى أكثر وضوحا أن الإنسان لا يقوم بالعمل الموكل إليه إلا إذا كانت هناك له فيه مصلحة ومنفعة شخصية له أو لأحد من معارفه أو أقاربه، فهو يعمل ببطارية مكتوب عليها باللهجة العامية امسك لي واقطع لك. القضية الأخرى التي أريد أن أشير إليها أن مبدأ المصلحة الشخصية لا يؤثر بشكل فوري ومباشر، بل هو كالسوسة ينخر في الطبقة الداخلية لبيئة العمل من حيث لا نشعر، وتزداد المصيبة سوءاً حين نتعامل معها على أنها حالات شاذة وفردية هنا وهناك، ثم نكتشف أن سرطان المنفعة الشخصية قد انتشر في كل أجزاء القطاع الخاص والعام، وبعد ذلك نضطر إلى أن نضع ضوابط أكثر وقوانين أشد لتصبح المسألة مجرد ترقيع لخروق أكبر. ولذلك تجدنا نصحو ونسمع من فترة إلى أخرى عن طوام كبيرة مزعجة، والسبب هو من عند أنفسنا وليس من النظام الذي جعلناه شماعة لتقصرينا وأخطائنا؛ لأننا كنا نغض الطرف عن تلك القضايا والإشكاليات. وقد سقطت إحدى الشركات العالمية مع بداية القرن الواحد والعشرين سقوطا مدويا بسبب المصالح الشخصية، وطالت أيضا مكتباً للمراجعة الحسابية الذي كان يفترض أن يكتشف مثل تلك التجاوزات، وقد كان يعد من الأفضل عالميا، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن المصالح الشخصية قد يكون أثرها أشد قوة وتكون من الأسباب الرئيسية على المدى الطويل بسقوط مدن قوية مثل روما، اشبيلية وغرناطة وغيرها، فكيف بقطاعات وشركات ومؤسسات؟!. ولذلك كان عليه الصلاة والسلام صارما وواضحا كل الوضوح في قضية تداخل المصالح الشخصية مع النظام، فقد استعمل رجلا لجمع الزكاة، فقال ذلك الرجل: يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهديَ لي، فرد عليه الصلاة والسلام: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيهدى لك أم لا، ثم ألقى خطبة للناس عامة عشية بعد الصلاة عن هذه القضية لأهميتها للمجتمع ككل وللأجيال من بعده؛ وذلك من أجل قطع الطريق على النفوس منذ البداية وحتى لا يستفحل الأمر وينتشر ثم يصعب تداركه. المنفعة الشخصية لبيئة العمل والنظام هي كالسرطان للجسد -حمانا الله وإياكم منه- إذا لم نعالجه مبكرا وبصرامة، فسوف ينتشر لينخر الجسم من داخل ثم لا ينفع الترقيع ولا الندم!

مشاركة :