يوسف أيها الصدّيق - اميمة الخميس

  • 12/4/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هناك اعتقاد شعبي يقارب اليقين بأن معظم الذين يبرعون في تفسير الأحلام يصدف أن يكون اسمهم (يوسف) ! وكأنهم خصوا بهذا الفتح امتدادا لأقدم المؤولين في الذاكرة الجمعية .. النبي يوسف عليه السلام. ليصبح الاسم حضورا قويا ورداء بل خلعة نادرة عندما يرتديها الشخص يمتلك طاقات خارقة ترفع عنه الحجب والستور، وفي وقتنا الحاضر هناك سوق كبيرة رائجة لمفسري الأحلام، بعد أن باتت الفضائيات والأقمار الصناعية هي الأوعية التي تحتضن وتروج لسوق الأحلام. وليس بنيتي هنا أن أحاكم السوق ورواده، أو أطلق عليهم أحكاما قيمية معيارية تنتصر للعلم المتعجرف على حساب إرث ثقافي عميق مع لغة الرؤى والأحلام. فالحلم هو من أبرز الخيوط التي تنسج بها ثقافتنا، وهو ذلك اليقين الملغز الذي يقع على البرزخ بين الغيب والشهادة ولغات ورموز متعددة ليس منها الأبجدية. ولكن ما يحدث الآن في سوق الأحلام يستحق التأمل فهناك التاجر الصادق والبائع المطفف والبهلوان مع لمسة من الشعوذة .. جميعهم يستثمرون في خوف البشر من الغامض والمجهول وضعفهم أمام معميات الكون وملغزات حياتهم. أمضيت الأسبوع الماضي أتنقل بين القنوات الفضائية التي تقدم المعبرين والمؤولين ومن يقدمون أنفسهم بالخاصة من أصحاب العلم اللدني، فوجدت هناك نشاطا فكريا ولغويا ثريا بالرموز والدلالات يستحق الاهتمام والمتابعة من اللغويين ودارسي علم الاجتماع كمخزون تراثي مقدس وفي نفس الوقت شعبي واجتماعي ثري . واستطعت أن أرصد ثلاثة أنواع من المعبرين :- - من يجعل التأويل لعبة لغوية جميلة تتراوح بين البدهية على سبيل المثال عندما سئل عن اثنين يدخلان الجامع فقال الجامع هو ترميز لغوي سيجمع بينكما بالحلال، وتصل إلى حد الطرفة عندما سئل عن تأويل حلم من رأى في جيب ثوبه (بكت سجائر مارلبورو) ففسره أنه مال سحت (مال+ بور) . - المفسر الآخر وهو يعتمد المدرسة السلفية النقلية المتحفظة وقوله عليه الصلاة والسلام (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ) فلا يسرفون بالمغامرات اللغوية ومصارعة الرموز ويكتفون بعدها بإجابات مقتضبة وقورة ويأمرون طالب التأويل بالتصدق والدعاء والتحصين. - النوع الثالث وهو الذي تجده قد تبنى دور الكاهن أو عراف القبيلة، فيحدثهم عن هيئة أشخاص، وعدد أيام، وإشارات ولمح وجميع تلك اللغة المبهمة المفتوحة على كل الاحتمالات التي يستعملها قارئو البخت . هذه النماذج الثلاثة هي أبرز ما يباع في سوق الأحلام المزدهرة على فضائياتنا، وهي جميعها تقع في عالم الحدس والانشغال باللعبة اللغوية والتكهنات الغنوصية في عالم العرفان. وليس هناك تطرق من قريب أو بعيد إلى عالم البرهان أو مدارس علم النفس الحديثة التي تأسس جزء كبير منها على فك مرمزات الأحلام. حتى أطباء علم النفس في الفضائيات لا يشيرون للنشاط الحلمي لدى البشر كعلم ! بل نجد أن غالبيتهم يميلون لمدارس علم النفس السلوكية التي لاتحفل بالأحلام . رغم أن الأب المؤسس لعلم النفس (فرويد) جعل منها رموزا يرسلها اللاوعي كي يعبر عن مأزقه الوجودي، وصراعه بين أعماقه البدائية المتوحشة واشتراطات المدنية والتحضر، بينما تلميذه (يونغ ) وسع دائرة هذه الرموز وجعلها تعبر عن اللاوعي الجمعي المشترك بين البشر، وأكد أن هذه الرموز تحاول أن تقاوم الفناء عبر كمونها في عالم الأحلام لتضمن استمرار تداولها عبر الأجيال. هذه المدارس لا يوجد لها دكاكين أو مسوقون في سوق الأحلام لدينا، وظل حقل الدلالات اللغوية وربطها بالمقدس الديني هو أبرز أساليب مقاربة الأحلام لاستقطاب الرواج والجماهيرية الشعبية. وكل سوق تقتات على عرض وطلب .. والمعروض من الخوف والجهل والكبت والاضطرابات النفسية كثير في السوق .. ومقدمو الترياق والحلول دوما جاهزون..

مشاركة :