في خطوة جديدة تبتغي من خلالها مصالحة تاريخية أكبر مع الجزائر، تتجه باريس إلى رفع السرية عن أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة حول حرب الجزائر. الأمن الفرنسي عند تفريقه بالقوة لمظاهرة في باريس مناهضة لحرب الجزائر في عام 1961. أعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو عن قرب رفع السرية عن أرشيف "التحقيقات القضائية" للحرب الجزائرية (1954-1962) بعد حوالى 60 عاما بينما تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة منذ أشهر . وقالت باشلو لمحطة "بي اف ام تي في" اليوم الجمعة (10 ديسمبر/ كانون الأول 2021): "أفتح قبل 15 عاما أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة حول حرب الجزائر". وجاءت هذه التصريحات بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية. وأضافت "أريد ذلك بخصوص هذه المسألة - المزعجة والمثيرة للغضب وفيها مزورون للتاريخ يعملون - أن نكون قادرين على مواجهتها. لا يمكن بناء رواية تاريخية على كذب". وتابعت الوزيرة أن "التزوير هو الذي يجلب كل الأخطاء والمشكلات وكل الكراهية. في اللحظة التي تطرح فيها الحقائق على الطاولة ويتم الاعتراف بها وتحليلها، من تلك اللحظة فقط يمكننا أن نبني تاريخا آخر ومصالحة". وقالت باشلو "لدينا أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر ولا يمكن إعادة بنائها إلا بناء على الحقيقة". وردّاً على سؤال عن تداعيات هذا القرار لا سيما التأكيد المقبل لحدوث أعمال تعذيب ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، قالت روزلين باشلو "من مصلحة البلاد الاعتراف بها". يأتي هذا الإعلان في إطار سياسة مصالحة الذاكرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعترف عام 2018 بأن اختفاء عالم الرياضيات والناشط الشيوعي موريس أودان في 1957 في العاصمة الجزائرية كان من فعل الجيش الفرنسي ووعد عائلته بإمكانية الوصول إلى الأرشيف. وفي 9 آذار/مارس 2021، ومع مواصلة سياسة "الخطوات الصغيرة"، أعلن الرئيس الفرنسي عن تسهيل الوصول إلى الأرشيفات السرية التي يزيد عمرها عن 50 عاما، ما أتاح تقصير فترات الانتظار. "إشارة مهمة" وبني ذلك القرار على التوصيات الواردة في تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول مسألة الذاكرة بين الجزائر وفرنسا والذي دعا البلدين إلى فتح وتبادل الأرشيفات الحساسة حول فترة الاستعمار. كما جاءت استجابة لطلب أكاديميين يشكون من عقبات أمام حرية الاطلاع على وثائق تاريخية. في تصريح لوكالة فرانس برس، قال المندوب الوزاري الفرنسي لمنطقة البحر المتوسط كريم أملال إنه "في ما يتعلق بالجزائر، هذه إشارة مهمة ترسلها فرنسا، رغم أن سياسة الذاكرة جزء من عملية فرنسية-فرنسية لإثبات الحقائق". وأضاف هذا العضو في لجنة "الذاكرة والحقيقة" التي يرأسها بنجامان ستورا "هناك طلب قوي للغاية من المؤرخين لرفع السرية عن الوثائق التي تغطيها سرية الدفاع. والفكرة الأساسية هي منحهم إمكانية القيام بعملهم". بدورهم، طالب مؤرخون جزائريون في نيسان/أبريل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بفتح الأرشيف الوطني لتلك الفترة، لكن طلبهم لا يزال معلقا. وقال المؤرخ الجزائري عمار مهند عامر على قناة "تي في 5 موند" إن "المطالبة بفتح الأرشيف تعود إلى ما لا يقل عن عشر سنوات". وبعد ستين عاما على انتهاء حرب الجزائر، ما زالت الجروح مفتوحة لدى الجانبين رغم الاجراءات الرمزية عبر السنين من فرنسا التي تستبعد إعلان "الندم" أو طلب "الاعتذار". وقد أثار ماكرون غضب الجزائر في تشرين الأول/أكتوبر باتهامه النظام "السياسي العسكري" الجزائري بإقامة "ريع للذاكرة" حول حرب الاستقلال وفرنسا، بحسب تصريحات له أوردتها صحيفة "لوموند" الفرنسية. واستدعت الجزائر اثر نشر التصريحات سفيرها في باريس وحظرت عبور الطائرات العسكرية الفرنسية فوق أراضيها للوصول إلى منطقة الساحل الإفريقي. ع.ا/و.ب (أ ف ب )
مشاركة :