وسط تحذيرات من المحللين والمعلقين الغربيين من خطر الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصل الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، يوم 7/12. مباشرة عبر مكالمة فيديو مع نظيره الروسي، «فلاديمير بوتين»، فيما بدا أنه محاولة أخيرة لتجنب مواجهة عسكرية واسعة النطاق. وفي إطار هذا الواقع، حشدت موسكو بالفعل عشرات الآلاف من الجنود على حدودها الشاسعة مع أوكرانيا. في مقابل ذلك، هددت الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الخانقة على روسيا إذا اختارت الهجوم، فيما لم يستبعدوا تمامًا الخيارات العسكرية، كما أعلنوا التزامهم المشترك بحماية السيادة الوطنية لأوكرانيا. وعليه، فإن المخاطر والعواقب المحتملة للحسابات الخاطئة من كلا الجانبين ستكون هائلة. وفي حين يقتصر هذا الخلاف الجيوسياسي في المقام الأول على أوروبا، فإن أي صراع يشمل روسيا والغرب سيكون له تداعيات دولية بلا شك، وعلى الأرجح سينتقل إلى المسارح الأخرى التي يوجد فيها الجانبان، بما في ذلك الشرق الأوسط. وفي الواقع، وصلت التوترات بين الغرب وروسيا بشأن أوكرانيا إلى أعلى مستوياتها، منذ أن ضمت الأخيرة شبه جزيرة القرم عام 2014. وانفصلت الجماعات الموالية لروسيا في العديد من المقاطعات الشرقية عن السلطة في كييف. وفي فصل جديد من النزاعات السياسية بين أوكرانيا وروسيا، اتهمت الولايات المتحدة موسكو بحشد 175 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا استعدادًا لغزوها. وفي ردها على هذا التهديد، قدمت واشنطن دعمًا كبيرًا لأوكرانيا. وأكد وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكن» مجددًا «دعم بلاده الثابت لسيادة أوكرانيا» في مواجهة «العدوان الروسي». ومع ذلك، وبحسب «هولي إليات»، من قناة «سي إن بي سي»، فإن كييف «ليست عضوًا في الناتو، والتحالف العسكري غير ملزم بالدفاع عنها»؛ لذلك، «فإنه من غير المؤكد إلى أي مدى قد تذهب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحمايتها». وفي خضم هذه السيناريوهات، جرت المكالمة السابق الإشارة إليها، عبر خط مؤمن بعيدا عن العامة، ووصفها «ديفيد سانجر»، و«ميخائيل كرولي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بأنها كانت «متوترة، لكن تخللها بعض الفكاهة»، حيث شهدت إصدار بايدن تحذيرات قوية لبوتين من أن العدوان على أوكرانيا سيقابله ردود فعل حازمة من الغرب، خصوصا على المستوى الاقتصادي. رغم ذلك، وبحسب «بيتر ديكنسون»، من «المجلس الأطلسي»، فإن «الجميع لن يكونوا راضين عن اللهجة الغالبة على المكالمة بين الرئيسين»، بالنظر إلى «القلق الكبير داخل المجتمع عبر الأطلسي من أن تحذيرات بايدن لا تعكس خطورة الموقف، ويمكن تفسيرها على أنها ضوء أخضر لتصعيد عسكري من قبل الكرملين. وعلى الرغم من محاولة إظهار أن المكالمة قللت من حدة التوترات بين البلدين، من خلال نشر مقتطفات مرحة منها، إلا أنها لم تشهد تراجع أي من الجانبين عن مواقفهما؛ وعليه، أوضح «جوناثان ماركوس»، من «معهد الاستراتيجية والأمن»، أن الكرملين لا يزال يستعد لحل عسكري سواء حدث أم لا». من جانبهم، يسعى الروس إلى الحصول على ضمانات ثابتة وملزمة من جانب الغرب بعدم توسيع الناتو ليشمل أوكرانيا، وهو أمر يُعتبر «خطًا أحمر» بالنسبة لموسكو. ووصفت «أندريا تيلور»، المسؤولة السابقة في «مجلس الأمن القومي» الأمريكي؛ تصرفات بوتين بأنها «تنبع من ثقافة السيطرة والاحتواء، والتي تقوم على ثني الأوكرانيين عن تضييق الخناق على الانفصاليين الموالين لروسيا. ومع ذلك، حذر «مكسيم ساموروكوف»، من «مركز كارنيجي»، من أن الرئيس الروسي أصبح الآن «أكثر صراحة بشأن ما يريده في أوكرانيا، والمدى الذي هو على استعداد للذهاب إليه من أجل تحقيق هدفه». وبناءً على ذلك، بعد الاجتماع الافتراضي، أصدر الكرملين بيانًا يوجه اللوم إلى الناتو بشأن «المحاولات الخطيرة للسيطرة على الأراضي الأوكرانية وزيادة قدراته العسكرية». ومع تعرض المكانة العالمية للرئيس الأمريكي، «بايدن» لانتكاسة؛ جراء العديد من الأخطاء على صعيد السياسة الخارجية خلال عام 2021. وعلى الأخص الانسحاب من أفغانستان، وكارثة اتفاقية الدفاع «أوكوس»، بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا؛ فإن رد واشنطن على الإجراءات الروسية يتم مراقبته من كثب وتحليله من قبل الخبراء. ووفقًا لما قاله «ماكس سيدون»، و«كاترينا مانسون»، من صحيفة «فاينانشال تايمز»، كان فريق بايدن يأمل في «ثني بوتين عن الغزو من خلال التحذيرات اللاحقة بالعقوبات الشديدة»، وكذلك من خلال «العمل مع الحلفاء على حزمة غير مسبوقة من العقوبات المالية»، فضلاً عن «تطوير خيارات عسكرية لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها بأسلحة إضافية». وعلى الرغم من أن روسيا تخضع بالفعل لعقوبات غربية صارمة، فإن تصعيد هذا الأمر إلى ما وصفته شبكة «سي إن إن» بـ«لجوء واشنطن لخطط محتملة، تشمل الخيار النووي»؛ من أجل عزل روسيا عن منظومة المراسلة المصرفية «سويفت»، الذي تعتمد عليه الاقتصادات الرائدة. غير أن الأهم من ذلك بالنسبة إلى إدارة بايدن، أن القوى الغربية الأخرى المؤثرة قد دعمت المحاولات التي قادتها واشنطن لثني بوتين. وأشار «سيدون»، و«مانسون»، إلى أن الدول الغربية الكبرى، «قدمت جبهة موحدة»، حيث أجرى الرئيس الأمريكي مشاورات مع نظرائه في كل من المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، قبل الاجتماع، وقدم تفاصيل الردود المحتملة على الغزو الروسي لأوكرانيا. ووفقًا للبيت الأبيض، تم الاتفاق على تبني الغرب استراتيجية مشتركة من أجل «إلحاق ضرر كبير وشديد بالاقتصاد الروسي»، في حال أقدمت موسكو على غزو أوكرانيا. مع إعلان فرنسا كذلك «تصميمها على احترام سيادة أوكرانيا، والتزامها بالعمل من أجل الحفاظ على السلام والأمن في أوروبا»، وتأكيد رئيس وزراء المملكة المتحدة، «بوريس جونسون»، أن بريطانيا «ستستمر في الأخذ بجميع الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية الموجودة تحت تصرفها لمنع أي عدوان روسي ضد أوكرانيا». وعلى الرغم من ذلك، هناك عوامل أو متغيرات أخرى أيضًا قد تعرقل المساعي الروسية الرامية إلى غزو أوكرانيا. وصرح مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، «جيك سوليفان»، أن خط أنابيب «نورد ستريم 2»، الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا يمثل نقطة «نفوذ» لواشنطن والعديد من حلفائها؛ لأنه «إذا كان بوتين يريد أن يرى تدفق الغاز من خلال ذلك الخط حقًا، فقد لا يرغب في المخاطرة بغزو أوكرانيا في الوقت الراهن». لكن مع ذلك، حذر، موسكو من أن «الأشياء والتدابير الضرورية التي لم تفعلها واشنطن في 2014. نحن مستعدون للقيام بها الآن». وفي حين أن هذه الأزمة هي «أوروبية» في المقام الأول؛ فإن تصعيد التوترات أو احتدام الصراع بين كل من روسيا والولايات المتحدة والقوى الأوروبية، سيثير بلا شك الكثير من المخاوف خارج نطاق القارة العجوز من أن آثار أي مواجهة محتملة. وعلى سبيل المثال، ففي منطقة الشرق الأوسط، حيث تتمتع كل من موسكو من جانب، وواشنطن والدول الأوروبية من جانب آخر بوجود لا بأس به، سيكون خطر انتشار تداعيات هذا الصراع أو هذه المواجهة في المنطقة مرتفعًا، لا سيما بالنظر إلى أن الخصمين قد انحازا بالفعل إلى طرفين متعارضين في الحرب الأهلية السورية. بالإضافة إلى ذلك، أشارت «آنا بورشيفسكايا»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إلى أن مشاركة بوتين في سوريا جاءت كـ«نتيجة منطقية» لـ«أهداف أوسع لردع وإضعاف القوى الغربية، ولا سيما في ضوء سياساتها الخارجية المتخبطة». وبالمثل، أكد «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن «الروس لديهم استراتيجية محددة لإضعاف الغرب»، وأن تلك الاستراتيجية «يبدأ تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط»، وهو الأمر الذي يوضح مدى القدرة الروسية على تصعيد الصراع مع الدول الأوروبية ليكون بمثابة صراع عالمي بمعنى الكلمة. علاوة على ذلك، يمكن الجزم أن الروس جزء لا يتجزأ من نجاح المحادثات النووية الإيرانية التي تم إحياؤها في فيينا، والتي تهدف إلى إقناع طهران بالعودة إلى شروط «الاتفاق النووي»، لعام 2015. وعلى الرغم من أن موسكو لم تلعب دورًا تقدميًا في هذه المحادثات، بصفتها الداعم الجيوسياسي الرئيسي لإيران من بين الوفود الحاضرة؛ فإن احتمالية رفض الروس التعاون مع نظرائهم الغربيين قد تنبئ بانهيار مشروع العودة إلى الاتفاق بأكمله. ومن شأن حدوث مثل هذا السيناريو أن يزيد من قوة ما وصفته «بورشيفسكايا»، بـ«العلاقة بين روسيا وإيران والأسد» في المنطقة. وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وخلافه، قد تكون الدول التي أقامت علاقات مع كل من واشنطن، وموسكو، بما في ذلك دول الخليج في موقف محفوف بالمخاطر. وفي حين أن العديد من حلفاء كلتا الدولتين في منطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية يعتمدون عليهما في مجالات التعاون الأمني والدفاعي، فقد أقاموا أيضًا علاقات اقتصادية وتكنولوجية معهما في الوقت ذاته. وعلى سبيل المثال، واصلت «موسكو»، في السنوات الأخيرة محاولة بناء علاقات ودية لها في آسيا، بعد أن وقعت سلسلة من الاتفاقات التجارية مع الهند في السادس من ديسمبر 2021. على العموم، فإنه في حين أن المكالمة بين «بوتين»، و«بايدن»، قد لا تكون مؤثرة بشكل يمكن من خلالها تجنب وقوع صراع مسلح أو تصعيد للتوترات، فإن اللهجة الحادة التي اعتمدها الأخير نيابة عن الدول الغربية، تنبئ بوقوع تداعيات لا يحمد عقباها من جانب واشنطن وحلفائها الأوروبيين حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا. وعليه، لا يمكن تجاهل التحديات الأمنية الدولية لهذه القضية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمنطقة ذات أهمية استراتيجية، مثل الشرق الأوسط، يتمتع بها جميع الأطراف المشتركة في هذا الصراع بوجود عسكري وسياسي واقتصادي، الأمر الذي يجعل الآفاق تبدو قاتمة.
مشاركة :