اللبان العماني في ضيافة الياسمين الشامي

  • 12/11/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

زياد ميمان ** فاح عبق الياسمين الدمشقي وازدان برائحة البخور واللبان العُماني الذي حلَّ ضيفاً على الشام حاملاً معه أصالة وعراقة الماضي... هو يوم عُماني في الشام لا بل ثمانية أيام حطَّ فيها وفد من سلطنة عُمان رحاله في مدينة الياسمين دمشق، وذلك في إطار تعاون ثقافي بين الجمهورية العربية السورية وسلطنة عُمان. الوفد العُماني برئاسة سعادة الأمين العام للمتحف الوطني جمال بن حسن الموسوي، والوفد المرافق له من أخصائيين بالحفظ والصون، والتربية المتحفية، والتواصل والإعلام. من هنا كانت البداية حطت الطائرة رحالها على مدرج مطار دمشق الدولي يوم الأربعاء 27 أكتوبر 2021 الساعة السابعة مساءً ووصل الوفد وكان في استقباله الأستاذ محمد نظير عوض المدير العام للمديرية العامة للآثار والمتاحف السورية ونائبه الدكتور همام سعد وكاتب هذه الكلمات بحضور أعضاء من البعثة الدبلوماسية العُمانية بدمشق، وبعد أن انتهت إجراءات الدخول توجهنا إلى دمشق القديمة إلى منطقة القيمرية الشهيرة حيث الراحة النفسية لتكون إقامة الوفد ببيت دمشقي عريق هناك طيلة فترة وجوده في الشام، وهذا كان اختيار رئيس الوفد العُماني، ومعنا كانت القطع المتحفية العُمانية التي تمَّ نقلها إلى المتحف الوطني بدمشق حتى يتم تنسيقها في المعرض ليتم الإعلان عن موعد افتتاح المعرض يوم الإثنين 1/11/2021 في المتحف الوطني بدمشق. في اليوم الثاني بدء الوفد العُماني أعماله بالتعاون مع زملائهم ونظرائهم في المتحف الوطني بدمشق لوضع القطع المتحفية العُمانية في مكانها المُناسب لتغدو بأجمل صورة للزائر، واستمر العمل على هذا المنوال ثلاثة أيام متتالية تخللها لقاء الوفد العُماني مع معالي وزيرة الثقافة السورية الدكتورة لبانة مشوّح الموقرة، التي أبدت استعدادها لأي تعاون ورحبت كثيراً بفكرة إقامة هذا المعرض وتحدثت مع الوفد عن سُبل التعاون الثقافي بين البلدين وتطويره. الوفد في معلولا وصيدنايا لم تكن زيارة الوفد العُماني إلى سورية زيارة لتنسيق المعرض فقط بل كانت هناك محطات هامة، الأولى في زيارة لبلدتي معلولا وصيدنايا، والمحطة الثانية لمدينة حلب، والمحطة الثالثة مدينة معرة النعمان، أما زيارة معلولا وصيدنايا فكانت لما تشكلانه من إرث ثقافي وتاريخي وديني، فمعلولا فيها كهوف الإنسان القديم التي عاش فيها لفترة من الزمن، وفيها الفج الصخري المشهور، أما صيدنايا ففيها دير السيدة مريم (عليها السلام) وتتم زيارته من مُعظم الوفود التي تأتي إلى سورية. كانت الزيارة يوم الأحد 31 أكتوبر وكان يوماً ماطراً ومع هذا كانت الزيارة جميلة وممتعة ولم يشعر أحد منهم إلا بالراحة والطمأنينة لما يمتاز به المكان من هدوء ونقاء، وتركت تلك الزيارة عندهم انطباعاً جميلاً. افتتاح المعرض هذا اليوم كان استثنائياً فقد غصت القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق بالحضور وذلك احتفاءً بالوفد العُماني الزائر، واحتفاءً بهذا المعرض الثمين الذي يضم كنوزاً تحاكي التاريخ والحضارة العُمانية فضلاً عن وجود العديد من القطع الأثرية السورية الموجودة أساساً في المتحف مما زاد الجمال جمالاً في تمازج الفن والآثار والإبداع السوري والعُماني. لقد ضم المتحف الوطني بدمشق تراثاً عُمانياً في غاية الروعة والجمال يحتوي موروث الأجداد الذين تركوا بصماتهم واضحة في صنع هذا التاريخ. القاعة الشامية في المتحف الوطني يفوح منها عبق البخور العُماني إيذاناً ببدء فعاليات افتتاح المعرض بحضور معالي الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة السورية ومعالي الأستاذ محمد رامي مرتيني وزير السياحة السوري والدكتورة ديالا بركات وزيرة الدولة وعدد من السفراء وممثلين عن البعثات الدبلوماسية في سورية . سعادة الأمين العام للمتحف الوطني جمال بن حسن الموسوي وأعضاء السلك الدبلوماسي في سورية وممثلي البعثة الدبلوماسية العُمانية في دمشق وحشد غفير من الجمهور. كما تضمنت فعاليات المعرض التوقيع على ملحق للاتفاقية التي وقعت عام 2019م ليتم حفظ وصون 30 مقتنى أثرياً آخر تمثل مختلف الحقب التاريخية التي تعاقبت على سورية، وذلك على يد خبراء حفظ وصون عُمانيين، ولتعرض لاحقًا بالمتحف الوطني في مسقط ليتعرف زواره على الحضارة السورية. وفي تصريح للصحفيين قالت معالي وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوَح: "نحتضن اليوم أشقاء لنا من سلطنة عُمان من خلال عرض لقى ومقتنيات أثرية وتراثية من أرض عُمان الطيبة التي تشبه أرض سورية في تعاقب الحضارات عليها لإتاحة الفرصة لزوار متحف دمشق التعرف على الحضارة في هذا البلد". وتحدثت معالي وزيرة الثقافة الموقرة عن مخطوط البحار العُماني أحمد بن ماجد السعدي نادر الوجود الذي مددت فترة إعارته للجانب العُماني ليتسنى لأكبر عدد ممكن من الزوار والمواطنين الاطلاع عليه. وعن المعرض الذي يُقام للمرة الأولى في دمشق منذ بداية الأزمة السورية قال سعادة الأمين العام للمتحف الوطني جمال بن حسن الموسوي في تصريحات صحفية: "إن معرض وفعاليات "يوم عُمان" بدمشق، يعد أول مبادرة من نوعها تستضيفها الجمهورية العربية السورية الشقيقة منذ سنوات الأزمة وأن اختيار سلطنة عُمان لنيل هذا الشرف دليل على ما تتمتع به من ثقة ومكانة خاصة لدى القيادة السورية والشعب السوري الشقيق، وتجسيدًا لعمق المشاعر الأخوية المتجذرة بالتاريخ، ومواصلة تعزيز التعاون المشترك في المجالين الثقافي والمتحفي بين البلدين الشقيقين، والتعريف بالتجربة الحضارية العُمانية الضاربة في عمق التاريخ، وإبراز القواسم المشتركة التي جمعتنا منذ العصر الحديدي متمثلًا في مسالك اللبان التي امتدت من ظفار إلى تدمر وبصرى الشام وحلب وغيرها من حواضر الشام وصولًا إلى بيزنطة، وإلى قيام الحضارة الإسلامية التي استظلت بها عُمان وسوريا لتقدما نماذج حضارية متميزة خاصة بهما، وصولًا للعلاقات الثنائية المتميزة في وقتنا الحالي". ويضيف الأمين العام للمتحف الوطني العماني "إن المعرض يُسلط الضوء على محطات بارزة في تاريخ عُمان عبر العصور منذ بزوغ فجر حضارة مجان في الألفية الثالثة قبل الميلاد التي اشتهرت بصهر النحاس، وبناء السفن العابرة للبحار، مرورًا بحضارة الواحات في العصر الحديدي التي ظهرت خلالها براعة الهندسة العُمانية من خلال شق منظومات الري، أو الأفلاج، لتزدهر معها الأنماط الزراعية ونشوء حضارة أرض اللبان، وأضحت ملتقى للتجار من حضارات ما بين النهرين ووادي السند، ومصر الفرعونية، لتمتد لاحقًا إلى الشام ومنها إلى بيزنطة، وصولًا إلى إسلام أهل عُمان خلال العهد النبوي الشريف، لتؤسس عُمان نموذجها الفريد في الحكم الرشيد بعيدًا عن مركزية كلّ من الخلافة الأموية والخلافة العباسية، لتصبح صحار حاضرة بارزة على طول طريق الحرير البحري الرابط بين مشرق ومغرب حضارات العالم القديم، وإلى عهد الإمبراطورية العُمانية التي تأسست في القرن السابع عشر الميلادي إبان عهد الأئمة اليعاربة لتبلغ أوج اتساعها خلال القرن التاسع عشر الميلادي إبان عهد البوسعيد وعاصمتها زنجبار، إذ أسهمت التجارة الممتدة عبر الأزمنة وتواصل العُماني مع غيره، مؤثرًا فيه ومتأثرًا به في صياغة أشكال اللقى الأثرية المكتشفة في عُمان". حلب وزيارة قصيرة في اليوم التالي لافتتاح المعرض بدمشق يتوجه الوفد العُماني إلى مدينة حلب لزيارتها والتعرف عليها عن قرب فهي المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة (اليونيسكو) لما تحويه من أوابد أثرية هامة، ومنها بيت أجقباش الذي يتم تأهيله حالياً بدعم من المتحف الوطني بسلطنة عُمان. وبيت أحقباش هو أحد القصور الحلبية العريقة، بني في القرن الثامن عشر للميلاد، امتاز بضخامة بنائه وروعة تصميمه، إلى جانب فنائه الشهير والمزخرف بزخارف تعود إلى العصر المملوكي، ولكنه ونظرا للأحداث السورية تعرض لعمليات دمار وخراب أدت إلى تدمير جزء كبير منه ويتم الآن ترميمه. الرحلة إلى حلب كانت يوم الثلاثاء 2/11/2021م، ليحل الوفد العُماني في ضيافة سعادة حسين دياب، محافظ حلب، حيث انطلق الوفد صباحاً حاملاً معه الحرص على المعرفة والتعرف على تلك المدينة العريقة التي تحدثت عنها كتب التاريخ عبر مختلف العصور، حلب التي تعرضت آثارها للكثير من التدمير لكن عجلة عودة الإعمار تدور فيها بسرعة وهذا ما لمسه الوفد العُماني خلال تلك الزيارة التي استمرت ليوم ونصف مع أنها قصيرة لكنها كانت كفيلة بأن يأخذ الإخوة العُمانيون صورة عن الواقع الذي وصلت له عاصمة الصناعة السورية. العودة من حلب كانت في اليوم التالي مرورًا بمعرة النعمان العريقة، للوقوف على متحفها الفريد، والذي يضم أحد أهم مقتنيات الفسيفساء البيزنطية على مستوى العالم، والتي لم تسلم هي من عبث يد الإرهاب بها، وبعدها وصل الوفد إلى دمشق في الساعة الرابعة مساءً وكان ذلك يوم الأربعاء 3/11/2021 لتبدأ بعدها قصة وداع دمشق والتجهيز للسفر في يوم الخميس 4/11/2021 من مطار دمشق الدولي. وفي الساعة السابعة صباحاً توجهنا من منطقة القيمرية بدمشق القديمة إلى مطار دمشق الدولي لتوديع الضيوف لتنتهي هنا رحلة الوفد العُماني الذي ترك عندنا أمانة وهي اللقى الأثرية العُمانية التي يضمها المتحف الوطني بدمشق لتبقى ستة أشهر في معرض مفتوح أمام الزوار للتعرف على حضارة وتاريخ هذا البلد الشقيق وكم تربطنا به علاقة محبة وتعاون. ** مسؤول العلاقات والتعاون الدولي بوزارة الثقافة السورية

مشاركة :