الشراكة العسكرية لمواجهة الإرهاب ضرورة استراتيجية من مصلحة الميليشيات والفصائل الشيعية المسلحة إبقاء العراق في حالة تأزم دائم لكي لا يستقر وتبقى الحكومة في حالة ضعف وعجز غير قادرة على مواجهتها ونزع سلاحها. أين الحكومة من الاعتداءات المتكررة على العراقيين لم يكن إصرار سلطات إقليم كردستان على تطبيق المادة 140 الدستورية المهمة التي تعالج أعقد مشكلة تاريخية بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين حركات التحرر الكردية على مدار العشرات من السنيين، إلا لكي لا تصل الحالة إلى ما وصلت إليه الآن من تدهور في العلاقات بين بغداد وأربيل التي أخذت شكلا عدائيا خطيرا، وصل إلى حد التقاطع والتصادم ولم يعد ينفع معها لا الاتفاقات الترقيعية ولا التوافقات السياسية ولا الوطنية ولا الوفود الكثيرة المتبادلة. والأخطر أن الشعب الكردي يئس تماما من قيام بغداد بإيجاد أي حل جذري لقضايا جوهرية عالقة بين الطرفين، ولم يعد يتحمل المزيد من التجاهل والتهرب من الإيفاء باستحقاقاته الدستورية، حتى وصل به اليأس والإحباط إلى ذروته عندما أيقن أن التعايش مع هؤلاء في وطن واحد مستحيل، فقرر أن ينفصل عن العراق ويتحرر من تبعيته الثقيلة ويتجه إلى إجراء استفتاء جماهيري في السادس عشر من أكتوبر عام 2017، ورغم رفض المجتمع الدولي لنتائج الاستفتاء، أصر على إتمام العملية التي بلغت نسبة المشاركة فيها 93 في المئة. ولم تقف القوى الدولية الكبرى عند حد رفض خيار الشعب الكردي في ممارسة حقه المشروع بصورة ديمقراطية، بل عاقبته بأن أعطت الضوء الأخضر لرئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي بتحريك القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي لاجتياح المناطق الكردية المتنازع عليها، وهي منطقة واسعة (51 في المئة من مساحة إقليم كردستان)، ومن ضمنها مدينة كركوك الغنية بالنفط. هذا الاجتياح الواسع ترك فراغا أمنيا هو الخط الفاصل بين القوات الحكومية وقوات البيشمركة، ليجد تنظيم داعش الإرهابي في هذا الفراغ الذي تصل مساحته في بعض المناطق إلى 40 كيلومترا، مكانا مثاليا لإقامة قواعده العسكرية التي ينطلق منها لشن هجماته الليلية على القوات العسكرية الحكومية والبيشمركة على حد سواء. ولكن ما أثار الانتباه أن التنظيم الإرهابي قد كثف من هجماته على قوات البيشمركة في ضواحي مدينة كركوك ومخمور في الآونة الأخيرة، وقام بقتل عدد من أفرادها وأغار على بعض القرى الكردية الآهلة بالسكان وأضرم النار فيها بوحشية. وعزا بعض المراقبين هذا التصعيد الإرهابي المفاجئ بقرب موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق (آخر شهر ديسمبر 2021)، فكلما اقترب هذا الموعد تصاعدت حدة الهجمات التي تعجز القوات العراقية عن مواجهتها، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى طلب المساعدة والدعم من القوات الأميركية لمواجهة الخطر، كما فعلت حكومة نوري المالكي عام 2011 عندما طلبت من الأميركيين سحب قواتهم من العراق، ثم رجعت عام 2014 لتطالبهم بالعودة بعد أن غزت قوات داعش العراق واستولت على ثلث مساحته، واحتلت مدينة الموصل ومدن سنية أخرى، وزحفت نحو بغداد العاصمة وكادت تدخلها لولا الدعم الأميركي السريع. ويرى مراقبون آخرون أن من يقوم بالهجمات داخل الأراضي المتنازع عليها هم من عناصر النظام البعثي السابق، بالتعاون والتنسيق مع داعش، لإخلاء المنطقة من الكرد وتعريبها. وهذا ما أشار إليه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني عندما قال “إن جزءاً من الهجمات المستمرة لداعش على المناطق المتنازع عليها يهدف إلى إخلاء وإحداث تغيير ديموغرافي فيها”. فيما يرى البعض الآخر أن من مصلحة الميليشيات والفصائل الشيعية المسلحة إبقاء العراق في حالة تأزم دائم، وإثارة الاضطرابات والفوضى الدموية، لكي لا يستقر وتبقى الحكومة في حالة ضعف وعجز، غير قادرة على مواجهتها ونزع سلاحها. وهي تقف بالمرصاد لكل محاولة تؤدي إلى تقوية حكومة مصطفى الكاظمي والتطبيع مع إقليم كردستان ووضع آلية مشتركة بين البيشمركة والجيش العراقي. وستبقى العلاقة بين بغداد وأربيل متأزمة مادامت حكومة الكاظمي تسيرها إملاءات الطائفيين والشوفينيين المتغلغلين في مراكز القرار، وتتجاهل تطبيق المادة 140 المهمة ليست للكرد فقط بل للعراق بأكمله. والعجيب في أمر هذه الحكومة الأضعف من بين كل الحكومات التي توالت على الحكم منذ 2005، أنها تقف ساكنة ولا تتحرك إزاء الاعتداءات اليومية لهذا التنظيم الإرهابي على العراقيين.. وإن كانوا من الكرد، وتتجاهل نداءات القادة الكرد المطالبة بضرورة “سد الفراغات والثغرات الأمنية، من أجل مواجهة العدو المشترك، داعش، الذي يهدد الأمن والاستقرار في كل البلد“، بحسب رئيس الإقليم، وخاصة في هذا الوقت الحرج الذي أعلن فيه “التحالف الدولي أن مهمته القتالية في العراق قد انتهت”. محمد واني كاتب كردي عراقي
مشاركة :