ينزل رهان طويل الأمد في منزلة القلب من السياسة الخارجية للرئيس الأميركي، باراك أوباما. وخلاصة هذه السياسة هي التالية: وضع الأميركيين يدهم بيد أنظمة منبوذة (أو مفردة إفراد البعير) يؤدي مع مرور الوقت الى انفتاح هذه الأنظمة من غير الحاجة الى ثورة داخلية مضطربة أو لجوء اميركا الى قوة دموية. ولن تؤتى ثمار هذه السياسة قبل سنوات. واليوم، لا شك في أن الأنظمة التي أولاها أوباما الاهتمام استقبلت انفتاحه باستراتيجية مضادة. وتتوسل هذه الأنظمة بالمكاسب الاقتصادية المترتبة على سياسة اوباما الى ترسيخ أركان استبدادها، ولفظ آثار الانفتاح. فالدولارات الأميركية لن تبث الاضطراب في اوصال الأنظمة هذه بل ستشد عودها وتنقذها. ويبدو ان حسابات الديكتاتوريين في محلها. والدليل هو انتخابات الأحد الماضي في ميانمار (بورما). فالجنرالات الذين يمسكون بمقاليد البلاد نظموا انتخابات بنيتها تحفظ قوتهم. فالدستور يحظر تكليل زعيمة المعارضة، أونغ سان سو تشي، رئيسةً للبلاد، ويخص العسكر بربع مقاعد البرلمان. وزعم أوباما ان رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن ميانمار وزيارته هذا البلد مرتين هما وراء هذا الانفتاح الديموقراطي المحدود (الانتخابات). ولكن الجنرالات لا يشاركونه الرأي، ويرون ان النظام الانتخابي المقيد وتدفق الاستثمارات الأميركية والأوروبية يرجحان هيمنة العسكر على السياسة. ولم يقوّض رفض الجنرالات المبادرة الى اصلاحات دستورية قبل الانتخابات، العلاقات الاقتصادية الجديدة بالغرب. ويسير المرشد الأعلى الإيراني على خطى ميانمار. ففي الأيام الأخيرة، اعتقل رجلي اعمال الأول اميركي والثاني يحمل بطاقة «غرين كارد» اميركية. وإثر السماح للرئيس الإصلاحي حسن روحاني بالتفاوض على اتفاق نووي مع أوباما، وفي وقت ينتظر علي خامنئي والحرس الثوري الحصول على حوالى 100 بليون دولار، يشنون حملة على ما يسمونه «تغلغل» الغرب. وبادرت ايران الى اخذ مزيد من الرهائن الأميركيين: من سجن الصحافي في هذه المنشورة (واشنطن بوست)، جايسون رضائيان، ومواطنين يحملان الجنسية الأميركية والإيرانية، وصولاً الى اعتقال نزار زكا، وهو خبير في الإنترنت مستقر في اميركا، وسيامك نامازي، وهو ايراني اميركي دعا الى تحسين العلاقات بين البلدين. وغياب رد أميركي على عمليات الاعتقال هذه هو مؤشر الى أن موسم صيد الأميركيين في طهران سيتواصل. لكن خامنئي ليس من يوجه الضربة الأكبر الى أوباما. فراوول كاسترو، وهو اليوم في الرابعة والثمانين من العمر وحاكم كوبا الضعيفة والفقيرة، أفلح في تحويل استئناف العلاقات الكوبية - الأميركية الى علاقة من طرف واحد. فمنذ اعلان طي خمسين عاماً على تجميد العلاقات بين البلدين قبل 11 شهراً، خفف اوباما مرتين قيود السفر والاستثمار على كوبا. فارتفعت نسبة السياح 18 في المئة هذا العام، وتدفقت بلايين الدولارات إلى خزانة النظام الفارغة. وأوفد البيت الأبيض سسلسة مسؤولين بارزين الى هافانا، ومنهم وزيرة التجارة الأميركية بيني برتزكر. وزار نائب وزير الأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس، الشهر الماضي، الجنرال الذي يرأس جهاز كاسترو الأمني القمعي. لكن كاسترو لم يبادل الانفتاح الأميركي بما يعتد به، فيما خلا فتح السفارة الكوبية في واشنطن وإبرام اتفاق الخدمة الهاتفية الخليوية للتجول. ورد على دعوة المسؤولين الأميركيين الى احترام حقوق الإنسان بمفاقمة قمع المعارضة. وتشير اللجنة الكوبية المستقلة لحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية الى ان عدد المعتقلين السياسيين بلغ على الأقل 1093 معتقلاً في تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم. وهذه اعلى نسبة اعتقال في الاشهر الـ 16 المنصرمة. وتهرّب كاسترو من عروض شركات اعمال اميركية وقلّص حجم السلع المستوردة من اميركا تقليصاً كبيراً. ولم تبرم بريتزكر، وزيرة التجارة الأميركية، اي اتفاق تجاري خلال زيارتها الشهر الماضي. ويتوسل النظام الكوبي بارتفاع الاستثمارات الأميركية في البلاد الى استمالة عروض من دول اخرى. ففي وقت تراجعت نسبة استيراد السلع الغذائية الأميركية 44 في المئة في العام الحالي، ارتفعت السلع المستوردة من الصين 76 في المئة. ويبدو ان الإدارة الأميركية تنظر بعين الرضا الى ما يجري. فمستشار وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد ثورن ابلغ رويترز في هافانا ان وتيرة تحسن العلاقات في يد كوبا، وأن واشنطن لا تدعو هافانا الى ايلاء الأولوية لحقوق الإنسان. ويبدو ان كفة الديكتاتوريين تغلب على كفة واشنطن (الرخوة).
مشاركة :