نحن وإيران، من أوباما إلى ترامب ـ

  • 11/22/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن من يجالس أحد أعضاء الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب يقرأ القادم من الأيام بغير ما يقرؤه به كثيرون من السياسيين والمحللين والمعلقين الإيرانيين، والعرب أيضا. ومن الأمور التي ينبغي أن نعرفها، نحن العرب، قبل غيرنا، أن الآتي سيصب، في النهاية، بكل الاحتملات والحسابات والمقاييس، في صالح دولنا وشعوبنا، مهما اختلفنا في محبة ترامب أو كرهه. وعلى قاعدة عدو عدوي ليس عدوي، وصديق عدوي ليس صديقي، ينبغي لنا أن نفرق بين رئيس بياع كلام، وبين آخر سمسار عقارات يؤمن بالصفقات، ولا يجيد سوى حساب الربح والخسارة، صريح، مريح بصراحته، وحتى بذاءته الصادمة، فلا يتستر بالأخلاق الرفيعة والآدمية وهو لا يملك منها شرى نقير. إن الرجل مختلف عن باراك أوباما، وعن كثير من الرؤساء السابقين. إنه مصمم، بعزيمة مخيفة، ومثابرة غير عادية، على أن ينجح، ولا يُحبط "جماهيره" التي آمنت بقيادته، ونكايةً بـ "جماهير" منافسته الخاسرة. ومن مجالسة أيٍ ممن حوله يمكن التقاط المبدأ الوحيد الثابت والواضح والصريح والذي لا يشبه، في ثباته ووضوحه، أيا من الملفات الداخلية والخارجية الأخرى التي وعد بعلاجها، والتي يُحتمل أن يعدل أو يغير وجهات نظره فيها، هو فهمه، وفهم جميع من حوله، أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأميركي والأوروبي، معا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران. وباستعراض أسماء كبار المسؤولين في إدارته التي تم اعتمادها، أو التي في طريقها إلى الاعتماد، لا نجد واحدا يحمل رأيا مخففا حول ضرورة تغيير النظام في إيران، بكل الوسائل الممكنة. وعليه فلن يصبح مبررا ومفهوما إصرارُ بعضنا، خصوصا كبار سياسيينا وكتابنا وأجهزة إعلامنا على مواصلة الطعن في معاداة الرئيس الجديد، والسخرية منه، ونبش ماضيه، والترويج لما تفبركه فضائيات أميركية يخوض معه مدراؤها أو مالكوها معاركَ شخصيةً أو حزبية أو مالية ليس لنا فيها ناقة ولا جمل. مفهوم ومتوقع أن تنهض جبهة واسعة معارضة لرئاسة دونالد ترامب، لا أميركية فقط بل أوروبية ومكسيكية وكوبية وإيرانية وتركية وصينية وكورية ويابانية وأفريقية، وغيرها الكثير، ولكن من غير المفهوم ولا المتوقع أن نكون من أعضائها، لأن مصالحنا غير مصالحهم، وهمومنا غير همومهم، وحاجتنا العاجلة والآجلة غير حاجاتهم كلها. وحين تسمي هيلاري كلينتون خسارتها رئاسة أكبر دولة في العالم انقساما في المجتمع الأميركي، فهي تقول الحقيقة. فالأميركيون اليوم، شئنا أم أبينا، فريقان متعارضان تمام المعارضة؛ فريق يحمل صفات باراك أوباما، وفريق مملوء بالعنجهية وغرور القوة والتمسك بقيادة العالم، بـ "سمسرة" ترامب، وصراحته الصادمة، ولو كره الكارهون. ولعل هذا الانقسام في المجتمع الأميركي هو النعمة التي هيأها الله للعراق وسوريا واليمن ولبنان، لأنها بكل الاحتملات والحسابات سوف ترمي عن كاهل شعوبها شيئا ثقيلا من أذى إيران وهمجيتها وعدوانية مليشياتها ووكلائها الفاسدين المزورين، أجمعين. فالبيت الأبيض والكونغرس، وهما مجيران للجمهوريين، تعمدا أن يعلنا ألا لمواقفهما المُسبقة المعارضة لأي تساهل مع إيران، ولا لعدم الثقة بالرئيس الروسي الذي وصفه السيناتور الجمهوري، جون ماكين بأنه زعيم لا يمكن الوثوق به، وحذر ترامب من أن يُستغَفل بالسحر الروسي. ولكن الأكثر صراحة وتفصيلا للموقف الأميركي الجديد من إيران كان رودي جولياني، عمدة نيويورك الأسبق وأحد أقرب أصدقاء ترامب إليه، في حديث أدلى به لصحيفة وول ستريت جورنال، حيث قال: "إن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هي المملكة الإيرانية المذهبية التوسعية، حيث أصبح العراق دولة تابعة لتلك المملكة". "نحن الذين سلمنا العراق للإيرانيين، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه". "كما أن الطريقة التي خرجنا بها من العراق كانت أكبر خطأ في التاريخ الأميركي". "فبعد أن سلمنا العراق لإيران سلمناها سوريا أيضا". "نحن لم نكن حاضرين في المشهد عندما كانت داعش تنمو هناك". "لقد أصبح هناك شرق أوسط شمالي يضم إيران والعراق وسوريا واليمن، وآخر جنوبي يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهذا يعني أن حربا قد تندلع إن لم نقم باحتواء إيران ونكبح جماحها". وما إقدام الكونغرس الجمهوري على إقرار حزمة عقوبات جديدة لعشر سنوات، بالرغم من تهديدات إيرانية بالرد، وقبل تسلم الرئيس الجمهوري سلطاته، سوى أنه رسالة "تحذير" و"تنذير" لإيران وروسيا، بالتساوي. وقد ذهب جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة، وأحد المقربين من ترامب، والمرشح لمنصب مهم في الإدارة الجديدة، إلى أبعد من المعارضة الأميركية الثابتة للنظام الإيراني حين طالب، في لقاء صحفي نشرته صحيفة هافينغتون بوست الأميركية، بتغيير النظام في طهران، مؤكدا على أن "رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم". بعبارة أخرى. إن إيران أصبحت، في أعقاب الانقلاب الأميركي الأخير، مأزقا لبوتين، في علاقته بأميركا، ومأزقا لترامب، في تطلعه إلى علاقة "تفاهمية" مع روسيا. فلا بوتين يستطيع التضحية بإيران وبحجم التبادل التجاري العسكري معها ليكسب العلاقة التي يحتاجها مع أميركا، ولا الرئيس الأميركي يتحمل خسارة جماهيره التي انتخبته والتي رسخ في قناعاتها عداءَه المبدأي النهائي لإيران، إذا ما أقام علاقة مع رئيس روسي يدعم "العدو رقم واحد" له شخصيا، ولأعوانه ومؤيديه، ناهيك عن معارضيه الأميركيين الذين يتربصون به الدوائر، ويترقبون أخطاءه، على مدار الساعة. ورغم أن الولي الفقيه، علي خامنئي، تظاهر بأنه غير مكترث بنتائج انتخاب ترمب، إلا أن مستشاريه، جميعا، هددوا، ليس فقط بالانسحاب من الاتفاق النووي رداً على تمديد واشنطن للعقوبات على طهران، بل "بخيارات فنية سريعة إذا نقض الطرف المقابل الاتفاق النووي". ولكن الأكثر فهما لحقيقة التغيير الخطير في المواقف الأميركية، هو حسين موسويان، المفاوض النووي السابق المقرب من الرئيس الإيراني روحاني، حين كتب مقالا بصحيفة "إيران" الحكومية، أكد فيه أن "أوباما فتح الطريق أمام إيران لتصبح قوة إقليمية من خلال الاتفاق النووي"، و"علينا التعامل بحنكة مع إدارة ترمب"، "للحفاظ على هذا المكتسب الكبير". فهل بعد كل هذا تبقى لنا، نحن العرب، حجة وعذر لنواصل العناد، ونبقى نسير على حبل السياسة الدولية بعيون مغمضة، وعقول نائمة لا تريد أن تفيق؟ إبراهيم الزبيدي

مشاركة :