صناعة المدافئ مهنة متوارثة انطلقت منذ حوالي القرن في العديد من المناطق الجبلية اللبنانية المعروفة بشتائها القاسي وقد تعاقب عليها الكثير من الحرفيين الذين حافظوا على طابعها القديم بالرغم من دخولها عالم التقنيات والتكنولوجيا المتطورة . وقال شوقي دلال مدير محترف بالفن التشكيلي في لبنان لوكالة أنباء (( شينخوا)) إن العمل في هذه الصناعة بدأ يدويا عبر المطرقة والسندان والمقدح ومقص الصفيح والمسمار وكان يتم انجازه بالتعاون بين العديد من أفراد العائلات. وأوضح دلال بأن هذه الصناعة حاليا انتشرت في العديد من القرى والمدن الجبلية اللبنانية في حين تربعت بلدة راشيا الوادي بشرق لبنان على عرش تطويرها عبر إقامة عدة مصانع حديثة تجاوز عددها العشرة من أصل 32 مصنعا موزعا على باقي المناطق اللبنانية. وقال حسين الشامي صاحب مصنع مدافئ في مدينة النبطية بجنوب لبنان لـ ((شينخوا)) بأن مصنعه ينجز سنويا حوالي 5 آلاف مدفأة تعمل على الديزل والحطب، مشيرا إلى أنه عمل على تطوير انتاجه عبر إدخال تقنية حديثة من شأنها التوفير في استهلاك الوقود ورفع قدرة دائرة التدفئة . وذكر أنه أمضى حوالي 40 عاما في هذه الصناعة التي ورثها عن والده بحيث بات مصنعه يوفر العمل لعشرات الأسر . من جهته يفخر الشيخ جمال أبو أبراهيم بمصنعه المعروف ب (مصنع جبل الشيخ) في بلدته راشيا الوادي بشرق لبنان الغربي والمزود بأفضل المعدات والتقنيات الحديثة التي رفعت من قدرته الإنتاجية لتتجاوز 450 الف مدفأة في العام. أبو إبراهيم وخلال دراسته تصاميم جديدة لتطوير صناعة المدافيء ومنها ثلاثية التشغيل التي تعمل على الحطب والديزل والكهرباء، أشار لـ ((شينخوا)) إلى أن بلدة راشيا تتربع لبنانيا على عرش صناعة وتطوير مختلف أنواع المدافيء مت حيث الانتاج والمتانة والجودة والأسعار. وأضاف "هذه الميزات التي نحرص عليها فتحت أمام انتاجنا العديد من الأسواق المختلفة بالمناطق اللبنانية ،إضافة للأسواق الخارجية، حيث نعمل على تصدير قسم من الأنتاج إلى بعض الدول العربية وخاصة الأردن وسوريا. وتابع "كنا قد أبرمنا عدة عقود مع الكثير من الجهات الدولية المانحة التي تعنى بمساعدة النازحين السوريين لتزويدها بالمدافيء التي تقدم في مخيمات لبنان"، إضافة إلى تلك القائمة في الأردن وتركيا والتي تستوعب سنويا حوالي 80 ألف مدفأة. وقال "نعمل على صناعة مدافيء خاصة بحسب أذواق أو طلبات الزبائن الذين يرغبون مثلا أن يكون شكلها على شكل باخرة أو طائرة أو قلعة أثرية". وأضاف "تتنوع المدافئ بين العاملة على الحطب أو الديزل أوالغاز أوالكهرباء وأسعارها تبدأ من 30 إلى 3 آلاف دولار أمريكي وذلك بحسب الحجم ونوعية وسماكة الصفيح ، كما نعمل على تأمين الصيانة وقطع الغيار لمبيعاتنا إينما وجدت". وأشار إلى أن انتاج المدافيء في راشيا كان بلغ قبل الأزمة الأقتصادية التي تضرب لبنان نحو 450 ألف مدفأة لكنه انخفض هذا العام بنسبة 65%. وأعاد الانخفاض في الانتاج إلى "الأرتفاع الجنوني" للمواد الأولية المستوردة وخاصة الصفيح، إضافة لتدني القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين تآكلت مداخيلهم في ظل الأنهيار النقدي والتدهور المعيشي الحاصل في لبنان. ويعاني لبنان منذ العام 2019 من أزمات مالية واقتصادية وصحية ومن تدهور معيشي متصاعد وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وتآكل المداخيل والمدخرات، إضافة إلى تصاعد البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية. من جهته أكد زاهر منصور العامل في صناعة المدافيء منذ حوالي 20 عاما لـ ((شينخوا)) أن هذه الصناعة شهدت خلال ربع القرن الماضي تحولات متعددة حسنت نوعيتها ورفعت من قدرتها في منافسة المدافئ المستوردة من الخارج لا سيما التركية منها ،عبر مواكبة كل ما هو جديد مما توصلت اليه تكنولوجيا التدفئة. وأشار منصور إلى ازدياد الطلب غير المسبوق هذا العام على مدافيء الحطب بسبب التقنين في التيار الكهربائي وارتفاع فواتير المولدات الخاصىة وأسعار مادة الديزل. وذكر أنه استحدث قسما خاصا في مصنعه لإعادة ترميم وإصلاح المدافئ القديمة بعدما باتت نسبة كبيرة من المواطنين عاجزة عن شراء مدفأة جديدة بسبب انتشار الفقر والعوز في البلاد. وأشار إلى أن وقود الحطب أقل تكلفة من الديزل بنسبة حوالي 40% كما أنه الأفضل بيئيا من ناحية التلوث. وأوضح المواطن سلام رافع من بلدة القرعون الجبلية وهو رب عائلة مؤلفة من 7 أفراد لـ ((شينخوا)) أن مدفاة الحطب تبقى الأفضل لمواجهة البرد و الصقيع والثلوج. ولفت إلى أن تكلفة التدفئة على الحطب أدنى من الديزل لكنها تبقى مع ذلك مشكلة لأصحاب الدخل المحدود، بحيث تتراوح كلفة تدفئة منزل عائلي واحد بين 600 وألف دولار أمريكي. وتشكل الصناعة اللبنانية قرابة 18 % من الناتج المحلي كما أنها تستوعب حوالي 240 الف عامل أي 26 % من اليد العاملة اللبنانية. ■
مشاركة :