مواقع التواصل.. تنازل بالمجان عن الخصوصية

  • 11/13/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إنهم في منزلك، على مائدة طعامك، أعينهم تترقبك، يشاركونك أسرارك ولحظات سعادتك وإخفاقك، يسترقون النظر لأولادك وربما يحسدونك على نعم الله، قد يسلبونك صور زوجتك أو ابنتك، أو يستغلون خلافاتك الأسرية لتحقيق مصالحهم الشخصية والشعور بالشماتة، يعلمون أوقات نومك واستيقاظك، ساعات عملك وإجازاتك، يعرفون تفاصيل حياتك ويومياتك التي تقدمها أنت بيدك من دون مانع، ولما لا، وقد فتحت لهم أنت باب منزلك على مصراعيه وسمحت لهم بالدخول بعد أن قدمت لهم نسخة من المفتاح مغلفة بماء الذهب، لتفقد بعدها خصوصيتك على باب مواقع التواصل الاجتماعي. سناب شات، تويتر، فيس بوك، إنستغرام، واتس آب، مواقع أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة كل شخص فينا، ورغم أن البعض اعتبرها منصات خاصة لعرض مواهبهم وأفكارهم، أو ساحة لاكتساب ثقافات ومعرفة أخبار وأحداث محلية وعالمية، إلا أنها سلبتنا بإرادتنا أسرارنا وخصوصيتنا التي أصبحت صفحات مفتوحة ومحفوظة على هذه المواقع، سألنا بعض الخبراء، رواد هذه المواقع عن أسباب هذه الظاهرة، وكان الموضوع التالي. ميادة محمود أحد مستخدمي فيس بوك قالت: لا أرى مشكلة أن أشارك صديقاتي وأهلي صوري وأماكن رحلاتي، فهم يفعلون الأمر نفسه، خاصة أنني لا أقبل إضافة أي شخص لا أعرفه على صفحتي، فكل زوار صفحتي هم أهلي وصديقات الدراسة، وهذه الصفحات اسمها تواصل اجتماعي، فما المانع أن أنشر لحظاتي الاجتماعية الحلوة مع من أحب. اعترض محمد عبد الله على هذا الكلام، مؤكداً أن الأمر لا ينتهي أو يتوقف لأن البنت لا تقبل إضافة الغرباء، لأن هناك شروطاً خصوصية تجعل الصور موجودة على شبكة الإنترنت، وهناك العديد من الصور التي تم سحبها وتركيبها بطرق مبتذلة عرضت البنات والزوجات للعديد من المشكلات، كما أن هناك هكرا يستطيعون تصفح ما يريدون من مواقع وصفحات، لذلك فقد رفضت أن تضع زوجتي أي صور شخصية لنا أو معلومات عن أماكن تواجدنا على صفحتها. هيثم محمود مدرس قال:أعتقد أن الخوف الأكبر سيكون على البنات، ورغم أنني أنشر صوري وأماكن سهراتي وكل ماله علاقة بفرقتي الرياضية وهواياتي إلا أنني أرفض أن تضع خطيبتي صورها على هذه الصفحات، لأسباب كثيرة: أنا رجل غيور ولا أحب أن يشاهد الجميع صوراً عائلية وخاصة بنا، ولا أحب أن تنشر هي معلومات عن أماكن تواجدها، لأن هذا الأمر قد يعرضها للخطر. شيماء مجدي اعتادت أن تضع يومياً صوراً لها أثناء الذهاب للعمل أو تناول الفطور، قيادتها للسيارة، وغيرها من التفاصيل عن حياتها الشخصية وعندما سألناها عن السبب قالت: هذه حرية شخصية وأنا لا أنشر صوراً فاضحة أو معلومات قد تضر أحداً، أنا أحب أن أشارك صديقاتي أخباري بكل بساطة، ولا أرى في الأمر انتهاكاً لخصوصيتي، وإن كان الأمر كذلك، فأنا أقدم من خصوصيتي ما أريد لرواد صفحتي، وهم في الأساس أصحابي وأهلي. عن تجربتها الشخصية مع وسائل التواصل الاجتماعي قالت نعيمة شاهد، منذ أن صممت صفحاتي علىإنستغرام وفيس بوك وأنا أنشر العديد من يومياتي مع صديقاتي وفي عملي، وعندما تمت خطبتي نشرت الخبر، وتبعته بالعديد من صور الحفل، ومن ثم صور مع خطيبي، وبعد ستة أشهر من الخطوبة تركت خطيبي، ولكن للأسف كانت الصور قد انتشرت، مما سبب لي إحراجاً فيما بعد، مع أي شخص يريد الارتباط بي. تقليد أعمى أصبحت ظاهرة استعراض الفتيات لأنفسهن على مواقع التواصل الاجتماعي منتشرة بشكل كبير بدون ضوابط أو أحكام، فتحولت الظاهرة لفتنة جديدة، بهذه الكلمات، عبر الكاتب سلطان حميد الجسمي مستشار الأمم المتحدة لبرنامج الغذاء العالمي، عن رفضه لهذه الظاهرة، وأضاف: أصبحنا نلحظ فتيات عربيات مسلمات يقعن في التقليد الأعمى للغرب، فترى الواحدة منهن تضع لنفسها صور (سيلفي) مع حركات غريبة ومثيرة، متجاهلة بذلك الزي المحتشم الذي ترتديه، أو تصور مقاطع فيديو ساخرة تتخللها تعابير مخلة بالآداب، ناسية تماماً أن هذا المقطع سيشاهده الملايين من الشباب، وستفقد بذلك احترامها وقيمها الدينية، كما أنها تخلق نوعاً من الفتنة بين الشباب وتُغير نظرة الآخرين للصورة الحقيقية للفتيات العرب والمسلمات.. وأضاف، مثلاً في بعض مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الإنستغرام وسناب شات، أصبحت بعض الفتيات مشهورات من خلال مقاطع الفيديو التي تظهر فيها كعارضات أزياء أو ممثلات أو مغنيات بطرق ساخرة في إطار التسلية والبهجة على حسب اعتقادهن، وإذا علق أحد المتابعين على هذا الأمر منتقداً حركاتها أو أسلوبها مطالباَ بضرورة احترام دينها وعادات وتقاليد مجتمعها العربي المسلم، ترد قائلة هذه حريتي الشخصية ولا أحد يستطيع أن يتدخل فيما ألبس أو أفعل، ولا أسمح لأحد أن يتدخل في خصوصياتي، كيف تقولين خصوصياتك، وأنت من نشر الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليدخل كل البيوت في جميع بقاع العالم، عن أي خصوصية تتكلمين ؟ اتفقت المستشارة الأسرية عائشة الحويدي رئيس اللجنة النسائية بجمعية الشارقة الخيرية، مع هذا الكلام وأضافت: أصبحنا نعري بيوتنا ونكشف أسرارنا بلا حياء أو خجل، والأصعب أن الأمر أصبح سهلاً على الأهالي والشباب، بكبسة زر يفشي أسراره وينشر صوره للجميع، لم يعد هناك أمر اسمه خاص أو عائلي لدى البعض. وأكدت الحويدي أن من تنشر خلافاتها الزوجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن تكتب تعليقاً من شأنه أن يجعل كل رواد صفحتها يعلمون أنها على خلاف مع زوجها لا تحصل سوى على راحة مؤقتة، إذا كانت تعتبر هذا نوعاً من الفضفضة، علماً بأن هذه الراحة سيتبعها العديد من المشكلات الزوجية أو العائلية، سواء من الزوج نفسه أو من الأهالي الذين يحتفظون بعادات وتقاليد يرفضون أن تخترقها مواقع التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي، من ناحية أخرى فهناك من سيشعر بالشماتة والسعادة بسبب هذه الخلافات، أما من تفعل العكس، وتمدح زوجها مثلاً، أو تتحدث عن لحظات سعيدة في حياتها مع أسرتها، فهي من الممكن أن تعرض نفسها لعين الحسد، وهذا حدث بالفعل، فقد نشرت زوجة صور كتب كتابها بحسن نية وشاركت الناس فرحتها، إلا أنها بعد أيام قليلة طلقت من زوجها. نحن لا نمنع أو نعيب التواصل عبر هذه المواقع لكن لكل شيء في الحياة وجهان، وعلينا أن نستغل الجانب الجيد ونعي أننا لدينا أسر وأطفال يكبرون، وهذه المواد المنشورة مسجلة على مواقع الإنترنت، وبإمكانهم الاطلاع عليها ومعرفتها. نتائج مسيئة علق سعيد بالليث الطنيجي، مستشار أسري وتربوي ومدرب تنمية بشرية على هذه الظاهرة قائلاً: للأسف بيوتنا أصبحت معراة، والأمر انتشر كالنار في الهشيم، الجميع يترك اللحظات الحلوة التي يعيشها، ليلتقط صور طاولة الطعام أو رحلة خاصة ليضعها على مواقع التواصل، ويقدم نشرة إخبارية عن يومه لكل من يوجد على صفحته، قضينا بأنفسنا على خصوصياتنا، فزادت الخلافات الأسرية والتفكك الأسري وأصبحت مواقع التواصل سبباً مباشراً للتنافر الاجتماعي، فهذه زوجة تطلب الطلاق لأن زوجها ينشر كل تفاصيل حياتهما على فيس بوك، وهناك بيوت تتعرض للسرقة، لأن أصحابها كتبوا أنهم في رحلة خارجية، وأصبح نشر اليوميات أشبه بالمرض النفسي، والعادة التي من الصعب الإقلاع عنها، مما سبب العديد من حوادث السرقة المنزلية. وأشار الطنيجي إلى أن هناك من ينشر خلافاته الزوجية بقصد أو من دون قصد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبعدها يتم تداول الأمر بشكل علني بين حاسد وحاقد، وبين مضار من هذا الاستخدام السيئ، كذلك قد يكون الأمر عكسياً عند نشر صور للأبناء أو الأزواج، ويكون مستفزاً لمن لا يملك هذه النعم، لذلك علينا مراعاة مثل هذه الأمور بشكل إنساني، خاصة أن هذه الوظائف ليست السبب الرئيسي في إطلاق هذه المواقع التي نوافق جميعاً على شروط الاشتراك فيها على عجلة من دون أن نقرأ هذه الشروط التي تحتم إرسال صورنا الخاصة والعامة التي نضعها على صفحاتنا للموقع الرئيسي، قبل أن تنشر حتى على صفحاتنا، وهذه مصيبة كبرى، لأن هناك العديد من الفتيات يقمن بنشر صور خاصة أو يقمن بتصوير بوضع مشاهد مصورة وشخصية، بحسن نية لكن الأمر نتائجه سيئة للغاية. أما الإعلامي في حكومة الشارقة إسلام الشيوي، وهو أحد أهم مستخدمي مواقع التواصل في نشر الأخبار المهمة، فقال: نحن الآن نجد أن اختلافات كثيرة في الممارسات الخاصة بهذه المواقع من قبل مستخدميها، فبعد أن كانت هذه الممارسات لإبراز وتقديم بعض الآراء والأخبار والتعليقات الإيجابية، فضلاً عن التواصل مع شريحة كبيرة سواء من الأهل والأصدقاء، بحيث نختصر المسافات، أصبحت هذه المواقع الآن تؤدي أدواراً ليس لها علاقة بماهية التواصل الاجتماعي، بل أصبحت بلا معنى، بحيث نشاهد صوراً ملتقطة من قبل مستخدمي المواقع المتعددة للتواصل سواء تويتر، إنستغرام، توينر، سناب شات، تتناول أدق التفاصيل الاعتيادية التي ليس لها أي فائدة سوى التواجد على هذه الصفحات، من حيث احتساء كوب شاي أو تناول قطعة بسكويت، أو وجبة في فندق، أو حتى لون ساعة جديدة أو متابعة قناة تليفزيونية، ونشر تفاصيل أشبه بمضيعة لوقت المستخدم والمتابع، حتى بات التواصل بلا جدوى أو معنى. قلة تقدير للذات دراسة أجريت في جامعة ألبيرت في بنسيلفانيا، أكدت أن الأشخاص الذين يفتقرون للثقة وتقدير الذات في علاقاتهم الشخصية، يميلون لنشر محتويات متعلقة بالمشاعر على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. وأجرى الباحثون اختبار على مجموعة من الأشخاص المرتبطين بعلاقات عاطفية تترواح مدتها من شهر، حتى 30 عاماً، وتم اختبارهم من ناحية سلوكياتهم على فيس بوك المتعلقة بارتباطهم، كالتفاعل مع شريك الحياة، أو نشر معلومات، وعلى الوجه الآخر تم اختبارهم من ناحية شخصياتهم كالعصبية والسعادة والانفتاح والضمير، وكانت نتيجة الدراسة، أن الأشخاص الأكثر انطوائية هم أكثر من ينشرون محتويات عن علاقتهم العاطفية. ويضيف الباحثون أن هؤلاء الأشخاص فاقدو الثقة في أنفسهم، قد يستخدمون موقع فيس بوك للتباهي بعلاقتهم أمام الآخرين، ولتتبع شركاء حياتهم ومراقبتهم، ويكونون أكثر غيرة على شركاء حياتهم. وفي دراسة أخرى يعتقد الباحثون أن الأشخاص الذين يكثرون من نشر المحتويات على موقع فيس بوك يودون الاندماج والتفاعل أكثر مع الآخرين. استقلالية بلا محاسبة تحدث د. أحمد فلاح العموش عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، رافضاً هذه الظاهرة، وهذا الاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: قد يسعى الناس لنشر معلوماتهم حباً منهم للظهور والبروز وللتباهي أحياناً أيضاً، والكثير من الأشخاص، وصلوا لدرجة من اللامبالاة تجاه خصوصياتهم نتيجة النشاط الروتيني أو الفراغ الذي قد يملأه الإنسان في مشاركة معلوماته وصوره عبر مواقع التواصل، المجتمعات الافتراضية أفقدتنا الخصوصية والأسرار العائلية، كان الفرد في المجتمعات العربية، العربية سابقاً، يحافظ على خصوصيته ويربطها بمفاهيم الروابط الأسرية والاجتماعية، لكن مع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل سلبي، أصبح لكل إنسان خصوصية منفردة واستقلالية لا أحد يحاسبه عليها، لأنها في عالم افتراضي خاص به، حتى من الممكن أن تكون لأفراد الأسرة الواحدة خصوصيات لا يعرفها أعضاء الأسرة الآخرين، لكنها متاحة للغرباء، فتصبح مواقع التواصل مصدراً لتعرف أخبار أعضاء الأسرة الواحدة ببعضهم البعض. وأضاف العموش أننا فقدنا الشعور الجماعي فبعد أن كنا نصور الجماعة في اللحظات الحلوة، أصبحنا نتركها لنأخذ سيلفي، الذي يدل من اسمه على الأنانية، ومن ثم ننشره للناس، الفرد كان له علاقة بالآخر فتحول الأمر لعلاقته بنفسه ونشر صور وأخبار وأحداث لا تعني أحداً، بل قد تكون الخيط الأول لإثارة المشكلات وقد يستخدمها البعض في الابتزاز الإلكتروني خاصة صور الأطفال والسيدات، وللأسف ما يحدث ويقدم عبر هذه المواقع من نشر صورة فستان جديد، أو سيارة آخر موديل، أو تناول الطعام في مكان ما أصبح أمراً مستفزاً للبعض، وقد يخلق نوعاً من الكراهية والحقد بين الأصدقاء والعائلات، لذلك لابد من حسن الاستخدام وإعادة الأمر لأصله واستخدامها بطريقة جيدة، حتى لو كنا سننشر أخباراً عائلية، فالأمر لا يتطلب نشر أدقها، حفاظاً على خصوصية وعادات وتقاليد نشأنا عليها.

مشاركة :