يحق لك أن تستريح، أن تتوقف عند محطة ما وتجلس على كرسيك لتشاهد بكثير من المتعة والراحة النفسية ما تقدمه لك. يحق لك أن تختار محطة تحرص على تقديم الأفضل لك، تتعب في بحثها عن الجديد ولا يكون الجديد في مفهومها هو الإثارة وافتعال الأحداث وتدني المستوى الإعلامي.. إنما جديدها في سلوك نهج مختلف، الانفتاح على العالم العربي أكثر من السابق، الحرص على قيم معينة دون التخلي عن المتعة. المقصود بالحديث هنا محطة أبوظبي، فهذه القناة لم تعد خليجية ولا إماراتية فقط، بل عرفت كيف تتحول إلى عربية تنافس بقوة أهم القنوات الفضائية في العالم العربي. ابنة مؤسسة أبوظبي للإعلام غامرت بتغيير جلدها ونجحت في اختياراتها، دون أن تتخلى عن هويتها ولا عن برامجها المحلية. من حسن اختياراتها برنامج أراب كاستينغ الذي يعتبر من برامج المواهب، لكنه يغرد خارج السرب لكونه الوحيد المعني باختيار موهوبين في التمثيل من مختلف الدول العربية. هو البرنامج الوحيد الذي ابتعد عن الغناء والرقص، ليقدم لنا شباباً يعشقون التمثيل ويرغبون في تحقيق أحلامهم والوقوف أمام الشاشة والجمهور. صحيح أننا شاهدنا قبله برنامج نجمة العرب إنتاج روتانا، لكن هذا الأخير يعتبر برنامجاً مفصلاً على مقاس النجمة نبيلة عبيد، والهدف منه كان محصوراً بإيجاد من تستطيع تجسيد أدوار هذه النجمة وكأنها عملية بحث عن مشروع ممثلة يمكنها أن تكون خليفة نبيلة عبيد. وهنا علامة تعجب كبيرة من الرغبة في حصر البرنامج والموهبة في إطار ضيق، وإيجاد فتاة أو حتى شاب يمكنه أن يخلف نجماً ما، والمفروض أن النجم لا يتكرر. لا يشغلنا أين يتم تصوير أراب كاستينغ ولماذا يتم عرضه على أكثر من قناة عربية وليس حصرياً، فالأهم أنه يفتح أبواباً جديدة أمام مواهب فنية مختلفة، فالوسط الغنائي يعاني تخمة، وحاله لا تسر مع تراجع نوعية الأصوات والكلمات والألحان والإنتاج.. والعالم العربي يحتاج إلى وجوه شابة في التمثيل خصوصاً بعدما كشف لنا أراب كاستينغ أن دولنا غنية بالمواهب، وهناك من هم أقرب إلى الاحتراف من شدة ولعهم بالتمثيل وقوة موهبتهم التي تحتاج فقط إلى من يصقلها ويوجهها. وإذا كنا وصلنا إلى مستوى كل يغني على ليلاه، ففي التمثيل الأمور ما زالت أكثر انضباطاً وصعوبة ورقياً خصوصاً في دول يشق فيها النجوم دروبهم بصعوبة وبجهود كبيرة. نجح أراب كاستينغ في لفت أنظارنا، وجعلنا نرتبط به وننتظر نجومه وموهوبيه وأيضاً المقدمين الرائعين وسام بريدي وأسيل عمران. جذب الجمهور لأنه خرج عن سكة الغناء، وقدم مواهب حقيقية بأسلوب مهني راق. لجنة التحكيم تضم نجوماً محبوبين: كارمن لبس وغادة عبد الرازق وباسل خياط وقصي خولي. الإخراج للمبدع باسم كريستو والديكور واللوحات.. كلها عوامل تكشف عن السخاء في الإنتاج، وتشكل برنامجاً مرغوباً جماهيرياً. كشف أراب كاستينغ عن قدرات لجنة التحكيم، فصحيح أنهم أثبتوا حرفيتهم وتميزهم على مدى سنوات، لكن حكمهم على شباب موهوبين يكشف وجهاً آخر، فهم يتكلمون ويبررون أسباب القبول والرفض، فندرك عمق رؤيتهم. ومنذ بدء التصفيات أصبحت المهمة أصعب حيث يحكم النجوم على المتنافسين بعد مرورهم في مراحل تدريب على أيدي مخرجين وممثلين معروفين، ويمكن للملاحظات أن تمس المخرج المدرِّب الذي اختار للمتسابق دوراً لا يليق به أو لا يظهر حقيقة قدراته. ما نأخذه على البرنامج هو خلو لجنة التحكيم من أي مخرج معروف وأحد أساتذة التمثيل. لا يكفي أن يكون الإشراف للمخرج حاتم علي، وأن يزور المتسابقين النجمة الكبيرة نضال الأشقر والكاتب شكري أنيس فاخوري وغيرهما.. مهم أيضاً وجود أمثال هؤلاء ضمن لجنة التحكيم. فهل هناك ما يمنع أن تتسع طاولة التحكيم لشخصين إضافيين؟ ولماذا لا تضم اللجنة أحد نجوم التمثيل الخليجيين المحبوبين؟ كما أن بعض النصوص الضعيفة تقدم الموهوبين (وهم ما زالوا في مرحلة الاختبار لا الاختيار)، بشكل سيء وتضعف رصيدهم أو تقلل من فرص فوزهم مقابل من حصل على نص قوي وقصة مهمة يجتهد لتقديمها بكل طاقته. أراب كاستينغ فك طوق برامج المواهب وتميّز، مع نقاط ضعف قليلة يمكن التحكم بها ليقول المخرج كلمته في المتسابقين، ويكون موجوداً خلف الكواليس وعلى المنصة، خصوصاً أن المخرج هو سيد المسرح والاستوديو ومايسترو أي عمل، ويدير ويوجّه ويغيّر النص أحياناً، وعينه كالصقر تلتقط القوة والضعف عن بعد لدى أي ممثل. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :