أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله في السر والعلن. وقال فضيلته : "إن بر الوالدين هو باب من أبواب الجنة مشرع للإحسان إليهما ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف والبذل وخفض جناح الذل لهما بالرحمة ، ولا براءة من اللؤم والسوء لمن تهاون فيه، وإنه لا أقبح فيه بين الناس من حور بعد كور، ولا من نقض بعد غزل، ولا أشد مضاضة فيه من نكران تجاه جميل، ولا غدر تجاه وفاء، ولا غلظة تجاه رحمة، ولا عقوق تجاه بر، بل إنه لا أخسر من امرئ يفتح له باب من أبواب الجنة فيأبى ولوجه بمحض إرادته، بل يقف دونه مستنكفا ثم يستدير ليجعله وراءه ظهريا، نائيا بنفسه عن ولوج ما فيه سر فلاحه وسعادته في دنياه وأخراه. وأوضح أن الأبوان هما للأولاد في مهامه دنياهم: كالشمس والقمر، بهما يستضيؤون دروبهم، ويؤونسون وحشتهم، ويستلهمون سلوتهم، فهما كما قال يوسف لأبيه عن رؤياه(يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)فكأن الأب شمس؛ لما يبذله من الكدح والكسب لولده في النهار، و كأن الأم قمر لما توليه من سهر له وشفقة عليه في الليل ، مؤكداً أن سعادة المرء في دنياه أن يدرك أبويه على قيد الحياة لينهل من معين برهما ويرتوي من كيزان حنانهما، ويستظل بفيء رضاهما، فهما جناحاه في جو الدنيا وزخرفها الفانية، وهما موئله الحاني حين تعترضه مواجع الحياة وأكدارها، فإن الشيب الذي يراه وخط أبويه إنما يلخص له قصة النعيم الذي يعيشه في حاضره، إنهما من شقيا ليسعد، ومن نصبا كي يستريح، إنهما ليسهران لأجل أن يرقد، ويخافان ليطمئن، وترتعد فرائصهما، ويحتبس دمعهما حين يخرج فلا يرتد إليهما الأمن إلا حين عودته. وأبان الدكتور الشريم إن الأبوان هما من يبكيان ليبتسم أولادهما، وهما من يحزنان ليفرح أولادهما، وهما من يشقيان ليسعد أولادهما، إنهما اللذان يجوعان ليشبعوا، ويعطشان ليرتووا، إنهما في الحقيقة كتلكم الشمعة التي تحترق حتى تذوب ليستضيء الأولاد باحتراقها، إنه قلب الأم والله جل وعلا يقول (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً) ، وغاية المشاعر الجياشة، والعواطف النابضة أن يفرغ قلب الأم وأن تبيض عين الأب لأجل أولادهما (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) ، وأشار فصيلته إلى إن الفؤاد إذا لامس شغافه بر الوالدين كان له حصنا منيعا من الكبر والغلظة والعقوق والنكران،فإن البر طبع متين طارد لخصال السوء والسفساف،فما رأى الناس بارا خبيث الطبع، ولا رأوا خبيثا ، وإن البر أمانة يحملها الأولاد على عاتقهم ما داموا أحياء ، فالبر لا يهرم ولا ينبغي له أن يهرم ، بل لا تزيده الأيام والسنون إلا جمالا وصلابة وتجددا،فبر الوالدين ينبغي أن يكون شابا لا يشيخ، وإن شاخ الآباء والأولاد، ولا ينبغي أن يكون عبئا ثقيلا يتقاسمه الأولاد بينهم تقاسما وظيفيا خروجا من المسؤولية وانسلالا من التبعة، وإنما البر في الحقيقة دِين ودَين، فهو سباق ديني أخروي يتلذذ به البار ليفضي به إلى باب من أبواب الجنة،وكذاك هو وفاء دين دنيوي يقضي به المرء ما في ذمته لوالديه من معروف،وإنه مهما قضى من ذلكم المعروف فلن يوفيهما حقهما بالغا ما بلغ من الجهد والبر . وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام أن العاق يعلم أنه بعقوقه هذا يعد مصرا على كبيرة من كبائر الذنوب التي قال النبي صل الله عليه وسلم عنها :(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالها ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا، فقال: ألا وقول الزور) ، وأن الجزاء من جنس العمل، وأنه كما يدين المرء يدان، وأن جزاء السيئة سيئة مثلها، وأن البر في أكثر الأحيان يلحق، والعقوق كذلك . وبين أن الأم ستظل أما والأب سيظل أبا مهما ارتفع ضجيج أولادهما، ومهما اتسع شقاقهم، واستفحل عقوقهم، فحقوق الوالدين لا تسقط بالتقادم، وعقوقهما لا يغسله ماء البحر، ولا كفارة للعقوق بعد التوبة الا البر والبر والبر لا غير ، مؤكداً على العاقون بالتوبة الخالصة والبر الصادق قبل فوات الأوان برحيلهما من هذه الدنيا،فإنهما لن يريا دموعكم التي ستذرفونها بعد أن تغادر روحهما جسديهما، ولن يشعرا بقبلاتكم لجثمانهما ولا بضمكم لهما ولا بتنهيداتكم لرحيلهما، فلا قيمة لشيء من ذلكم البتة ما داما لم يرياها منكم وهما على قيد الحياة،. وأكد فضيلته على أن بر الوالدين نتيجة لمقدمة سابقة من التربية الحسنة والعاطفة والعدل والبذل، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ليكونوا لكم في البر سواء ، والحذر من دعاء الأب أو الأم، فإنه لا يدعو أحد منهما على ولده إلا لعقوق عظيم ناله منه . وفي المدينة المنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن أهوال يوم القيامة والحساب ، موصيا المسلمين بتقوى الله عزوجل. وقال فضيلته : إن الدنيا قد آذنت بفراق وإن اليوم المضمار وغداً السباق ويوشك الناس أن يظعنوا وينتقلوا من دار التكليف و الفناء إلى دار الجزاء والبقاء فانتقلوا بخير الأعمال فإن الآبق من أبق إلى النار والسابق من سبق إلى الجنة، وتذكروا يوم المعاد والمآب والحساب ، وتذكروا القيامة وأهوالها وأحوالها والساعة وزلزالها وبلبالها ولا تلهينكم الدنيا عن اليوم الموعود، ولا تنسينكم اليوم المشهود، وتذكروا زلزلة الساعة يوم ترتج الأرض بأهلها رجاً وترجف بهم رجفاً وتتزلزل وتهتز وتنصدع وتضطرب بطولها وعرضها ويميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل ويولي الناس ذاهلين ذاهبين هاربين مدبرين ما لهم من أمر الله من عاصم . وأضاف : فإذا انقضى الأجل الذي قدره الله أنزل مطراً من السماء كأنه الطل تنبت به أجساد الخلائق في قبورها كما ينبت الحَبّ في الثرى بالماء , وتجتمع العظام البالية والأوصال المتقطعة والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة لفصل القضاء فإذا تكاملت الأجساد أمر الله صاحب الصور فينفخ في الصور نفخة البعث والنشور والقيام من الأجداث والقبور فيقوم الأموات أحياءً بعد ما كانوا عظاماً نخرة ورمماً بالية ينظرون إلى أهوال يوم القيامة . وتابع فضيلته : وإذا تجلى الحق تبارك وتعالى , للخلائق لفصل القضاء أشرقت الأرض وأضاءت بنور ربها ثم عرضت الأعمال ووضع الكتاب فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والصغير والكبير لا يترك ذنباً صغيراً ولا كبيراً ولا عملاً وإن صغر إلا أحصاه وتظهر المخبآت والضمائر والسرائر وترى كل أمة وأهل ملة جاثية على ركبها من هول يوم الحساب ويُدني الله العبد يوم القيامة فيقرره بذنوبه كلها. واختتم الشيخ البدير بالإشارة إلى أنه توضع الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير والشر فيثقل ميزان العبد أو يخف ويحكم الملك الحق بين عباده في أعمالهم جميعاً , ويقول الجبار جل جلاله من كان يعبد شيئاً فليتبعه , فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت , فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا , فيشار إليهم ألا تردون ؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار الهاوية الفظيعة الحامية .
مشاركة :