يتقدم المستوى العسكري في إسرائيل لإدارة شؤون الأوضاع في الدولة، ويقدم نفسه بديلاً عن مؤسسات صنع القرار التقليدية لاعتبارات تتعلق بالأمن الاستراتيجي والتحديات والمخاطر التي تواجه الدولة في محيطها العربي والإقليمي بل وعلى المستوي الدولي، وهو ما برز في توجيه أجهزة المخابرات للقرار الإسرائيلي والخاص بالتهديدات التي تواجه الدولة لهذا ذهب رئيس مجلس الأمن القومي السابق «مائير بن شبات» والحالي «إيال حولتا» إلى واشنطن، كما طار وزير الدفاع الإسرائيلي «بيني جانتس» لواشنطن وذهب رئيس الموساد «دافيد بارنيع» في زيارات متتالية، وذلك لبحث التهديد الإيراني، وضرورة التعامل معه مع توضيح المخاطر التي يمكن أن تنشب في الإقليم حال توصل إيران إلى مرحلة العتبة النووية. والمعنى أن إسرائيل الأمنية تتحرك دفاعاً عن مقدرات الدولة الكبرى في مواجهة إيران وغيرها من التهديدات الأخرى في رسالة لا تغيب بأن المستوى السياسي عليه أن يتنحى دوره في إطار المواجهة خاصة مع سيل التقديرات التي تتعامل بها إسرائيل في إطار التأكيد على الخطر الإيراني، ما يتطلب التعامل عن قرب، ومحاولة تحجيمه، والوقوف أمام مخاطره، ولهذا فإن إسرائيل العسكرية لن تتوقف عند الحوارات السياسية التي يطلقها البعض بل ستقرر عند الضرورة القصوى الدخول في مواجهة وإسكات صوت السياسة والمطالبين بالإنصات للرؤية الأميركية في التمهل، أو على الأقل الانتظار لحين اتضاح الأمر، وهو ما قد يؤخر الاستعدادات الكبرى التي تجريها إسرائيل لتقرير مصير الخيار العسكري تجاه إيران بل والانخراط في نظام أمن جماعي شرق أوسطي يعمل فيه الجميع في مواجهة التهديدات الإقليمية الواردة سواء كان من إيران، أو من غيرها. الهدف الرئيسي لإسرائيل هو تطويع كل الأوضاع الراهنة للعمل العسكري لهذا لا تلمح في الفترات الصعبة التي تتأزم فيها الأوضاع سوى المستوى العسكري ليقرر المسار ويحدد التوجه.هذا المستوى العسكري هو من يقرر مصير القرار السياسي في الدولة، وهو ما وفر الأمن الصحي في أزمة كورونا، وهو يتابع أيضاً السياسات الإسرائيلية الصادرة أصلاً من المؤسسة العسكرية، والمتعلقة بالسياسة الراهنة مع «حزب الله» والفصائل الفلسطينية والأوضاع في الجنوب، وتطوير منظومة العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، وهو من يضع الخطط المستقبلي. والمعنى أن المستوى العسكري يسعى إلى توفير الأمن الاستباقي للدولة تخوفاً من حدوث توترات داخلية، أو سياسات إقليمية تؤثر على أمن الداخل، ولهذا تتحرك إسرائيل الاستراتيجية في مسارات متعددة ومن خلال شبكات معقدة تجمع أجهزة الأمن والمعلومات، وتتحرك عبر آليات من داخل الكنيست، وخارجه الأمر الذي يحيل إسرائيل بأكملها إلى دولة عسكرية قادرة على مواجهة أية صعوبات وعلى اعتبار أنها من تقرر وليس أي طرف آخر حتى ولو الحليف الأكبر ممثلاً في الولايات المتحدة وهو ما يفسر أن هناك مساحات من الاشتباك والتجاذب السياسي بين تل أبيب وواشنطن تسعي دائماً الإدارات الأميركية لمحاولة تقليل الفجوة، والعبور منها منعاً لصدامات داخل الكونجرس بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، على اعتبار أن إسرائيل قضية أمن قومي أميركي بالأساس، وليست قضية للخلاف الحزبي. الرسالة أن المستوى العسكري في إسرائيل سيظل قابضاً بقوة على مقاليد الأوضاع في الدولة، ومحركها الرئيسي خاصة أن القوى السياسية والحزبية لا تزال تعاني من أزمة حقيقية ممتدة، وبالتالي فإن الحل المؤقت الاتجاه العسكري لإدارة الدولة، وتقرير مصيرها بعيداً عن النمطية، ومراوغات القوى السياسية الفاشلة، والتركيز على حماية الدولة وأمنها القومي كأولوية في مواجهة أية تهديدات محتملة من القوى المعادية. * أكاديمي متخصص في القضايا الاستراتيجية والعلوم السياسية.
مشاركة :