علي شندب يكتب: لبنان بين الاندفاعة السعودية والعودة الأمريكية

  • 12/20/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كما شكلت “قمّة العُلا” الخليجية في السعودية، المدماك الأساسي في صرح المصالحة المصرية الخليجية مع قطر، شكلت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في الرياض، المدماك ما فوق الأساسي في خارطة الطريق الإستراتيجية لتحويل صيغة المجلس من “التعاون” إلى “الاتحاد”. إنها الصيغة التي تعكس “الخليج العربي الجديد” والتي ستطوي صفحة “مجلس التعاون لدول الخليج العربي” لتحل محلها صيغة “الاتحاد الخليجي” بالتنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، بعدما عمّدت موقفها بإعلان “وقوفها صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس”، كما جاء في “إعلان الرياض”. قمة الرياض التي ترأسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بدت أشبه بحائط صدّ ونقطة تحوّل بارزة وسط تعقيدات اللحظة الإقليمية والدولية التي تجهد فيها فرق التفاوض في قاعات فيينا محاولة تخصيب إتفاق نووي جديد، يمنع إيران من ولوج العتبة النووية. ممّا لا شك فيه أن جولة بن سلمان الخليجية بلورت مفاصل ومرتكزات البيان الختامي للقمة الخليجية. وبهذا المعنى بدا إعلان الرياض المطوّل في فقراته خالياً من الحشو الإنشائي لصالح القرارات الإجرائية. سيما أنه وضع على عاتق قادة دول الخليج مسؤوليات استثنائية على المستويات التكاملية اقتصادياً وسياسياً، والأهم أمنياً وعسكرياً وذلك بهدف جبه التحديات والتهديدات التي تستهدف دول الخليج العربي لتقويض بنيانها الاجتماعي والسياسي فضلاً عن مرتكزاتها الدفاعية، وما التمرين التعبوي الخليجي (أمن الخليج العربي 3)  في يناير المقبل في الرياض إلّا تعبير عن إدراك قادة الخليج عمق التهديدات التي تستهتدف بلادهم تارة بالكابتغون والمخدرات، وطوراً بالصواريخ والمُسيرات. وعلى غرار موقفها من قمة العُلا، كان موقف طهران من قمة الرياض التي أدانت أدوار إيران التخريبية في المنطقة، إذ سارعت الخارجية الإيرانية إلى تأكيد “رفض طهران أي تدخل من الدول الخليجية في برامجها النووية والصاروخية والعسكرية”، كما جدّدت دعوتها “الدول الخليجية لإعادة النظر في رؤيتها للقضايا الإقليمية واستبدال الاتهامات بالتعاون”. إعلان الرياض، أتى بعد أيام قليلة على “إعلان جدة” الصادر عن القمة التي ضمّت وليّ العهد السعودي والرئيس الفرنسي، والتي تخلّلها مهاتفة مشتركة مع رئيس الحكومة اللبنانية بهدف كسر الجليد وإيقاف تدحرج العقوبات السعودية الخليجية ضد لبنان على خلفية ظاهرها تصريحات جورج قرداحي العبثية، والتي راكمها تصريحات مسيئة لمسؤولي جمعية الوفاق البحرانية (الذين يحظون بحماية ورعاية حزب الله) ضد حكومة البحرين من بيروت. وهو الإعلان الذي تضمّن خارطة طريق فرنسية سعودية مشتركة للتعامل مع لبنان بهدف إنقاذه من محنته الجهنميّة العميقة. إعلان جدّة إذًا، بات بنداً أساسياً من إعلان الرياض الذي تطالب إحدى فقراته لبنان بـ”اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على كل مؤسّساته ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه التنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية”. وقد باتت الفقرة اللبنانية في إعلان الرياض، وقبله في إعلان جدة، وما بينهما، خلال جولة وليّ العهد السعودي الخليجية، بمثابة استراتيجية خليجية واضحة لكيفية التعامل مع الواقع اللبناني الذي يمرّ بأزمة غير مسبوقة في تاريخه. إنها الفقرة التي نجح بن سلمان فيها على نحو لافت في تصحيح وإعادة ضبط بوصلة ومسارات إيمانويل ماكرون الذي بدا في حراكه العراقي واللبناني بالتنسيق مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي أشبه بتاجر شنطة أو محرّر عقود للشركات الفرنسية المتغوّلة على مبادئ وقيم الجمهورية توسلاً للفوز بكرسي الجمهورية مرة أخرى. طبيعي جداً أن يشعر حزب الله بالضيق جرّاء التحولات العميقة في موقف ماكرون منه. لكنّ الحزب يقارب هذه المسألة بحذر شديد وغضب مكبوت، مشابه تماماً للغضب غير المكبوت من ابتهاج نجيب ميقاتي بمكالمة ولي العهد السعودي. فباريس هي الرئة شبه الوحيدة التي توفر للحزب تنفساً تواصلياً يحول حتى هذه اللحظة دون تصنيفه بإجماع دولي تنظيماً إرهابياً. ولهذا فالحزب الذي سمح باستقالة قرداحي إكراماً لعيون ماكرون، يعرف كيف يُمسك بعنق تعطيل الحكومة من خلال تمسكه بقبع المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وهو التعطيل الذي يستهدف ضمناً وأساساً تعطيل جميع مندرجات خارطة الطريق السعودية الفرنسية، وأيضاً الإستراتيجية السعودية الخليجية تجاه لبنان. وسط هذه التطورات المفصلية، تمايزت الإمارات بحركة دبلوماسية أمنية من خارج السياق لمستشار الأمن الوطني باتجاه تركيا وإيران. أما الحركة الاختراقية اللافتة فكانت بزيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد الى دمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشّار الأسد، دونما تسجيل اعتراض الولايات المتحدة الاستباقي أو تشجيعها. زيارة فسرت في لحظة الاتفاق مع اسرائيل ورواج نظرية السلام الإبراهيمي، وكأنها تشكل كاسحة الألغام ونقطة البداية الخليجية والسعودية خاصة لتدشين التطبيع مع الحكم في سوريا. لكن عبارة “التطبيع” رُذلت وأُقصيت من إعلان الرياض الذي تضمّن فقرة خاصة حول فلسطين أكد فيها قادة دول الخليج “دعمهم لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”. إنها الفقرة / الشرط الذي سبق لسفير السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي التأكيد على أن بلاده “على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل اذا طبقت والتزمت المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية عام 2002″، في قمة بيروت. وكصلية إسنادية موازية، برز موقف لافت للسعودية حيال التطبيع مع النظام السوري أطلقه أيضاً السفير المعلمي من نيويورك وفيه “أن النظام السوري هو أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله الإرهابي، زعيم الإرهاب في المنطقة والمنظمات الطائفية القادمة من الشرق”. ومن كلام المعلمي هذا، تتجحّظ أكثر وبوضوح شديد، خطوط الإستراتيجية السعودية وشروطها تجاه سوريا المشابهة لشروطها اللبنانية. ليتبيّن أن لجم حزب الله وكبح جماح حركته من جانب دمشق في سوريا وعبر الحدود، فضلاً عن الإصلاحات الدستورية والسياسية، هو القطبة غير المخفية في انطلاق قطار التطبيع مع سوريا وإعادتها إلى مقعدها في الجامعة العربية. بالاضافة لما تقدم، برز موقف أمريكي لافت يقول “وجود حزب الله في الحكومة يعيقنا”. موقف يذكر بالمقاربة الترامبية للبنان والتي أطلقها مايك بومبييو وتقول بضرورة “تشكيل حكومة بعيداً عن حزب الله”. ففي بيان للبيت الأبيض أكدت الولايات المتحدة “وجود تنسيق كامل مع فرنسا بشأن لبنان”. إنّه التنسيق المكمّل لخارطة الطريق السعودية الفرنسية. وإذ أشار بيان البيت الأبيض إلى “أن واشنطن لا تريد رؤية دولة فاشلة في الشرق الأوسط وهناك مؤشرات على أن لبنان يسير نحو الفشل”، فقد لوّحت واشنطن بإمكانية “فرض عقوبات على السياسيين الفاشلين في البلاد”. بيان البيت الأبيض هذا، ترجمه نجيب ميقاتي بالقول “هناك مظلة خارجية وداخلية تحمي عمل الحكومة، وهناك قرار دولي بعدم سقوط لبنان”. وربّ سائل يسأل، هل بإمكان العقوبات الأمريكية وحدها (كتلك المفروضة على حلفاء حزب الله كبعض وزراء تيار المردة وحركة أمل، يوسف فنيانوس، غازي زعيتر وعلي حسن خليل المطلوبين للمناسبة من قبل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، أو الوزير السابق للخارجية والاتصالات والطاقة، صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المصنّف فاسداً وفق مندرجات قانون ماغنيتسكي العالمي)، الحيلولة دون انهيار لبنان وتحوّله الى دولة فاشلة، يفاضل مواطنوها بين الموت غرقاً تحت قوارب الموت في أعالي البحار، أو الموت في جهنم الجوع والإفقار الممنهج الذي صنعته منظومة الفساد والنيترانيوم والكابتغون، كما بشرهم بها الرئيس عون. أم تشكل زيارة أمين عام الأمم المتحدة انطونيو جوتيريش “التضامنية مع لبنان”، فرصة اللحظة الأخيرة لحثّ القوى السياسية على الشروع الفوري في تنفيذ الإصلاحات وبسط سلطة الدولة على الأرض وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخصوصا القرارت 1559 و1680 و1701 وقبل فوات الأوان؟. للبحث بقية..

مشاركة :