«كفاح» يوثق إرادة وعزيمة «المنصور»

  • 12/20/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا أتمالك نفسي في كل مرة أشاهد فيلم (كفاح)، أو أُعيد سيرة بطله «عليان المنصور» من الإعجاب بذلك الشاب العصامي، صاحب الإصرار والإرادة والعزيمة، بعد أن تحدَّى ظروفه، وتغلَّب على ما سبَّبه له ذلك الحادث المروري من إعاقة، وإن كانت قد منعت رجليه من التحرك والمشي، إلا أنها بالقطع لم تمنع روحه الوثَّابة من التحليق في سماوات الإعجاز والإنجاز، وتسطير اسمه في سجل مَن استطاعوا تطويع المستحيل، وكتبوا بأحرف من نور سيرة انتزعت التقدير وحازت أعلى درجاته، بعد أن حققوا إنجازات لافتة لم يستطع تحقيقها أقرانهم من الأصحاء، الذين استسلموا للفشل، وأدمنوا العيش على هامش الحياة. ومن وجهة نظري لا يتمثل الإنجاز الذي حققه «عليان» على مجرد تأليف وإنتاج الفيلم، أو ما فعله عقب شفائه وخروجه من المستشفى، بل إن أكبر إنجازاته هي القدرة على الشفاء، فقد أشار الأطباء الاستشاريون الذين أشرفوا على علاجه إلى أن حالته ميؤوس منها -حسب المعايير الطبية- وأنه لن يستطيع على الإطلاق الاستغناء عن جهاز التنفس الصناعي. لكن الشاب صاحب الإرادة القوية، يُؤكِّد أنه بينما كان غائباً عن الوعي، كانت قواه الداخلية تُناديه بأن يتحدَّى الظروف، وأن يتنفَّس كبقية خلق الله، لذلك بذل مجهوداً كبيراً حتى تمكَّن من تحقيق ذلك الهدف، مما ساعد بدرجةٍ كبيرة على تحسُّن حالته بعد أن وصل الدم المشبع بالأوكسجين إلى بقية أعضاء جسده، مما أثار دهشة الأطباء والطاقم الطبي الذي كان يقوم على حالته، والذين تعاطفوا معه، وبذلوا كل الممكن لمساعدته والأخذ بيده. ذلك الشاب المدهش يُشكِّل من وجهة نظري، نموذجاً على الإرادة الصلبة، ودليلاً حياً على أن الإنسان إذا تعلَّقت نفسه بالثريا لنالها، فقد وهبه الله عزيمة لا تنكسر، وقدرة لا تُضاهى، وهو ما يتجلَّى في إصراره على الشفاء، وبلوغ العافية، حتى وهو غائب عن الوعي، فروحه المثابرة الصابرة رفضت الاستسلام، وظلت حية يقظة متّقدة تُطالبه بالنهوض، وتدعوه إلى عدم ترك اليأس يتسرَّب إلى قلبه. كثيرون هم أصحاب الهمم العالية من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ الذين سجلوا أسماءهم في سجل الشرف والفخر، وحققوا أعلى مراتب النجاح والتفوق، وتحفل سيرة هذه البلاد المباركة بنماذج كثيرة لم يستطع المرض أن يفت من عضدها، أو يلغي قدرتها على العطاء والإسهام في نهضة بلادهم. ونلحظ جميعاً أن غالبية إخواننا وأخواتنا من أصحاب الإعاقات الجسدية، يتمتعون بإرادة فولاذية وتصميم وقوة لا يملكها غيرهم، حباً في المنافسة وإثبات الذات أمام الآخرين، ويُؤكِّد مختصون أن الملكات والقدرات التي يملكها هؤلاء؛ تفوق ما لدى الأصحاء، لأن الله رب العالمين بعدله وحكمته يمنحهم قدرات إضافية، بدلاً عن التي افتقدوها. وفي مجتمعنا السعودي النبيل الذي نشأ على القيم العربية الأصيلة من نخوةٍ وشجاعة ومروءة، وتعاليم إسلامية نابعة من مكارم الأخلاق، فإن ذوي الهمم العالية يجدون أعلى درجات التكريم، وتتم معاملتهم بتميُّز، حيث تكون لهم الأولوية والتفضيل على الآخرين إذا ما تساوا في القدرات عند أي معاينة أو منافسة، كما تتوفّر لهم مداخل العيش الكريم التي تعينهم على اكتساب قوتهم بكرامةٍ وعزة، وأوجبت الدولة على مؤسسات التعليم العام استيعابهم في الفصول الدراسية العامة إذا كانت ظروفهم تسمح بذلك، وشجَّعت شركات القطاع الخاص على استيعابهم، وتوفير أجواء العمل التي تتناسب مع ظروفهم. كما تبذل القيادة الحكيمة جهوداً ضخمة لمساعدة هذه الفئة الغالية على الجميع، ووضعت من الضوابط والأنظمة ما يحمي حقوق أفرادها ويمنع تجاهلهم أو التعامل معهم بدونية، إيماناً بأن الله اصطفاهم واختارهم لامتحان عسير، ليس استضعافاً لهم، فهو الحكم العدل الذي لا يظلم عباده، وإنما لحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، ولكن المؤكد أنه ادخر لهم الخير العميم في الدار الآخرة. ولا أجد ما أختم به مقالي عن هذه الفئة العزيزة سوى الإشارة للتعريف الذي وصل منتهى الرقي لمفهوم الإعاقة، والذي يتبنَّاه صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، أمير منطقة نجران، عندما وصف «المعاق فعلياً» بأنه (هو الصحيح فكرياً وبدنياً، لكنه غير مفيد لمجتمعه، ولا يملك القدرة أو الرغبة في العمل والإنتاج. أما «ذوو الاحتياجات الخاصة» فقد تجاوزوا بعزمهم وهممهم كل التحديات، وأصبحوا ركائز نافعة في المجتمع). هذا الفهم المتحضر المتقدم يؤكد حرص الدولة على مساعدة هذه الفئة، وتمكينها من خدمة وطنها، ويرسل لها رسالة طمأنة بأن الدولة على أعلى مستوياتها تقف معهم وتشد من أزرهم وتحرص على مصالحهم، ولا تتأخر أو تتوانى في إزالة كافة ما يعترض طريقهم، أو يحول دونهم ودون مراقي الإبداع والعطاء والإنجاز.

مشاركة :