جدل بشأن النظام السياسي المرتقب اقتراحه في تونس

  • 12/21/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فتحت تصريحات لأعضاء بارزين في الحملة التفسيرية للرئيس التونسي قيس سعيّد بشأن ضرورة تطبيق نظام الحكم القاعدي خلال المرحلة المقبلة لإدارة البلاد، الباب أمام جدل واسع حول إمكانية تنفيذ النظام المذكور والطريقة التي سيتم بموجبها إدخال الإصلاحات السياسية والدستورية في تونس، خاصة وأن أول محطة في خارطة الطريق التي وضعها الرئيس سعيّد اقتربت، وهي بدء استشارة إلكترونية وتعيين لجنة لصياغة تلك الإصلاحات. تونس - تصاعد في تونس خلال الساعات الماضية الجدل بشأن النظام السياسي الذي من المرتقب أن تصوغه لجنة تأليف مقترحات الإصلاحات السياسية في البلاد، التي من المرتقب أن يكشف الرئيس قيس سعيّد النقاب عن تركيبتها في الأيام المقبلة عبر مرسوم رئاسي. جاء هذا الجدل في أعقاب تصريحات لأعضاء بارزين في الحملة الانتخابية للرئيس سعيّد، على غرار رضا شهاب المكي الذي قال إنه سيتم اعتماد النظام القاعدي (من المحلي إلى المركزي) كنظام حكم في المرحلة المقبلة، وهو نظام لم يشر إليه سعيّد في أي من خطاباته بعد توليه السلطة في البلاد، لكنه سبق أن تطرق إليه في الحملة الانتخابية خلال حوار مع صحيفة محلية. ولم تستطع الأحزاب السياسية والأطراف الفاعلة في المشهد التونسي إلى حد الآن هضم فكرة النظام القاعدي الذي ترى أنه سيلغي وجودها، حيث سبق لقيادات حزبية أن رفضته، علاوة على رفضه من قبل منظمات نقابية وازنة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بنفوذ واسع وتمر علاقاته مع الرئيس سعيّد بفترة فتور. وقال المكي، عضو الحملة الانتخابية للرئيس سعيّد، في تصريحات لإذاعة محلية إن “مشروع البناء القاعدي يعتبر خيارا مثاليا للمرحلة المقبلة، ولكن يتم رفضه لأنه لن يسمح للفاسدين بالارتقاء سياسيا مجددا”. وأضاف أن “هذا النظام لا يحبه كثيرون لأنه يسمح بإنصاف المهمشين”، في إشارة صريحة إلى الديمقراطية المباشرة التي يمثلها النظام القاعدي أو المجالسي، والتي ستحل محل الديمقراطية التمثيلية التي كرّست المحاصصة الحزبية في البلاد، والتي ما فتئ الرئيس سعيّد يندد بها. بثينة بن كريديس: الرئيس سعيّد لن يفرض النظام القاعدي على التونسيين والنظام القاعدي أو المجالسي يجسده تنظيم انتخابات مباشرة في العمادات، وهي أصغر التقسيمات الإدارية لتونس، ليتم تصعيد ممثل عن كل عمادة إلى مجلس محلي في إطار المعتمدية (الولاية تتكون من معتمديات) يتم من داخله اختيار ممثل في البرلمان، ولأن عدد المعتمديات في تونس يبلغ 265 فإن هذا العدد هو الذي سيتكون منه مجلس الشعب، إلى جانب ممثلين عن الجاليات التونسية بالخارج. ويرى جانب من المناوئين للرئيس سعيّد في النظام القاعدي مشروعا لضرب مركزية السلطة، بينما يعتبره آخرون بابا لدكتاتورية الأغلبية. ويرى شق آخر أنه من الصعب نجاح التجربة في مجتمعات تعاني من الانقسام الثقافي والقبلي والعشائري والمناطقي، ومن التباينات الطبقية والثقافية. ويتم، بحسب المروجين لهذا النظام، تنظيم الانتخابات بالاقتراع على الأفراد في دورتين وفي أصغر الدوائر، أي العمادة، وعلى المرشّحين أن يكونوا من سكان العمادة وليسوا من خارجها. وتتكفل المجالس المحلية بالتخطيط لمشاريع التنمية المحلية وتتمتع بصلاحيات واسعة تسمح لها بمراقبة السلطات التنفيذية بالمنطقة، وتتمتّع بصلاحية التدخل للتدقيق عند الضرورة. كما للناخبين في كل عمادة الحقّ في سحب الثّقة من نائبهم إن خان وعوده، عن طريق عريضة يتم تقديمها من طرف نسبة معيّنة منهم. وفي مرحلة أولى يتم اختيار عضو من كل مجلس محلي عن طريق قرعة ليجلس في المجلس الجهوي للولاية، وبذلك يصبح هناك 24 مجلسا جهويا بحسب عدد الولايات في تونس (24 ولاية). وفي مرحلة ثانية يقع اختيار عضو ثان من كل مجلس محلي عن طريق القرعة، لتمثيل المعتمدية في مجلس نواب الشّعب. واعتبرت بثينة بن كريديس، عضو الحملة التفسيرية للرئيس سعيّد، أن “رئيس الجمهورية لن يفرض النظام القاعدي على التونسيين، ستكون هناك استشارة ونقاشات بشأن النظام المقبل والإصلاحات الدستورية التي سيتم القيام بها”. هشام الحاجي: سعيّد يتجه لتطبيق نظامه القاعدي وهو ما قد يؤجج التوتر وأضافت بن كريديس في تصريح لـ”العرب” أن “النظام القاعدي فيه نقاط قوة تمس مباشرة حياة الناس وواقعهم المعيشي، على غرار المشاريع التنموية التي ستطرحها المجالس المحلية وغيرها من المشاكل التي يعاني منها التونسيون، والتي ستحلها تلك المجالس، ومع ذلك فإن الباب مفتوح اليوم أمام النقاش، فبالإمكان أن نأخذ النقاط الإيجابية المطروحة لأن النظام القاعدي لن يوضع في الدستور، هناك إصلاحات تمس القانون الانتخابي والدستور وقد تتماشى مع أي نظام سواء كان قاعديا أو غيره”. وتابعت أن “هناك تغييرات ستطرأ على القانون الانتخابي أيضا، حيث سيتم اعتماد اقتراع على الأفراد لأن الاقتراع النسبي لم يثبت نجاحه، وأيضا هناك إمكانية سحب الثقة من الأعضاء الذين لم يوفوا بوعودهم، لذلك علينا تغيير المفهوم من النظام القاعدي إلى التأسيس الجديد”. لكن هذه الرؤية تواجه معارضة داخلية من قبل الأحزاب السياسية والنخب، التي تحذر من أنها قد تؤدي إلى تفكك الدولة أصلا. وقال المحلل السياسي هشام الحاجي إن “الرئيس سعيّد يمضي مباشرة نحو تطبيق برنامجه السياسي، وما تصاعد الحديث عن هذا النظام في وقت نستعد فيه لبدء استشارة إلكترونية حوله إلا دليل على أنه يتوجه نحو تطبيق رؤيته للنظام السياسي”. وأضاف الحاجي في تصريح لـ”العرب” أن “محاولة تطبيق النظام القاعدي قد تؤجج التوتر السياسي في تونس، رغم أن الرئيس سعيّد لم يتطرق إلى هذا في وقت سابق، لكن لا أعتقد أن المقربين منه يتحدثون عن ذلك من فراغ، وأعتقد أنه من الصعب تطبيقه لأن القوى الفاعلة داخليا والقوى الوطنية ترفضه، وخارجيا لا ينظر الشركاء الداعمون لتونس أيضا بعين الرضا إلى هذا التوجه، خاصة أنه يذكرهم بتجربة سابقة عاشتها ليبيا في سياق الجماهيرية”. وتأتي هذه التطورات في وقت تستعد فيه تونس لبدء الاستشارة الإلكترونية في الأول من يناير القادم، حسب الرزنامة التي وضعها الرئيس سعيّد. ومن المتوقع أيضا أن يكشف في الأيام المقبلة عن تركيبة اللجنة المعنية بصياغة الإصلاحات السياسية من خلال مراسيم رئاسية. وقال الاثنين أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري المقرب من الرئيس سعيّد، إن “رئيس الجمهورية سيصدر مراسيم في الأيام المقبلة وستتضح معها الصورة، أي انحراف بالمسار ستتضمنه تلك المراسيم حتما”. وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه تونس مسارا سياسيا انتقاليا دشنه الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو، حيث فعّل الفصل الثمانين من الدستور الذي جمّد بمقتضاه أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وأقال الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي.

مشاركة :