تونس - عاد الحديث عن تغيير النظام السياسي في تونس، بعدما هدأت العاصفة التي خلفتها تصريحات الرئيس الباجي قايد السبسي سبتمبر الماضي. وقال السبسي حينئذ إن “الوقت حان لتقييم المنظومة السياسية الحالية وتدارك نقائصها، وتجاوز المطبات التي تضمّنها الدستور”، معتبرا أنّ النظام السياسي المعتمد شلّ العمل الحكومي أو يكاد، وأن “طابعه الهجين لا يساعد الحكومة على القيام بواجباتها في تسيير الدولة”. ورجّحت مصادر إعلامية محلية أن يعلن السبسي خلال عيد الاستقلال يوم 20 مارس عن مبادرة تشريعية هدفها تغيير النظام السياسي عبر تنقيح الدستور. وقطعت تونس منذ إسقاط نظام الرئيـس الأسبق زين العابدين بن علي سنة 2011 مع النظام الرئاسي الذي حكم البلاد طيلة ستة عقود. وينص الدستور المنظم للسلطات العمومية بين عامي 2011 و2013 على وجوب انتهاج نظام شبه برلماني تواصل اعتماده بصفة دستورية عقب المصادقة على دستور الجمهورية الثانية في عام 2014. الشاهد: لسنا حكومة تصريف أعمال تونس - دافع رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، الأربعاء، عن حكومته التي طالتها انتقادات من الاتحاد العام التونسي للشغل واعتبرها حكومة تصريف أعمال. جاء ذلك في حديث الشاهد للإعلام، على هامش زيارة قام بها إلى مدينة سوسة لتدشين الدائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية، وإعطاء إشارة انطلاق مشروع محطة تحلية مياه البحر بمنطقة سيدي عبدالحميد. والثلاثاء، قال أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في حوار لإذاعة “موزاييك” الخاصة إن “الحكومة اليوم تعاني العديد من المكبلات.. وهي تعتبر بذلك حكومة تصريف أعمال”. وقال الشاهد في تصريحاته “الاتحاد العام التونسي للشغل أول من يعلم أننا لسنا حكومة تصريف أعمال”. وأضاف أن حكومته “طرحت إصلاحات جوهرية في ما يتعلق بقطاع الوظيفة العمومية والمؤسسات الحكومية”. ولم ينف الشاهد في سياق متصل “وجود تعطيل في إنجاز هذه الإصلاحات، وهو ما يؤثر سلبا في صورة تونس لدى الخارج”. وتابع “اليوم هناك عودة إلى مؤسسات الاقتصاد المنتج بالبلاد ومنها قطاع السّياحة والنسيج والصناعات المعملية”. وكان الاتحاد قد دعا إلى إجراء تعديل وزاري جزئي أو شامل، وهو ما علق عليه الشاهد بالقول “إنّ التعديل الوزاري من صلاحيات رئيس الحكومة”. واتفق الموقعون على وثيقة قرطاج، الثلاثاء، على تشكيل لجنة خبراء تعنى بتحديد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية خلال الفترة المقبلة. ويجابه النظام السياسي الحالي في تونس بالكثير من الانتقادات من قبل العديد من الأطراف السياسية التي ترى فيه مكبّلا للسلطة ولا يمنح الفائز بالانتخابات شرعية الحكم ومن ثمة تحمّل المسؤوليات السياسية. إلا أن أطرافا سياسية أخرى ترفض فكرة تغيير النظام السياسي بتعلّة أن تجربة النظام شبه البرلماني لم تستكمل مراحلها بعد. وأكّد عبدالعزيز القطي القيادي بحزب نداء تونس لـ“العرب”، أن مسألة اقتراح رئيس الجمهورية لتغيير النظام السياسي في البلاد ليست مفاجئة أو وليدة اليوم، وأنه تم التطرّق في اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج الثلاثاء الفارط إلى مسألة مآزق النظام السياسي الحالي. وشدّد عبدالعزيز القطي على أنه من بين أعمال اللجنة التي تم الاتفاق على تشكيلها بين كل الموقعين على وثيقة قرطاج، التفكير في السبل القانونية والدستورية لتغيير النظام السياسي من شبه برلماني إلى رئاسي. ولاحظ القيادي بحزب نداء تونس أن البلاد جرّبت النظام شبه البرلماني ولم تنجح في ذلك، داعيا إلى “ضرورة العودة للنظام الرئاسي بغاية تمكين أي طرف فائز في الانتخابات من الحكم بصلاحيات واسعة ومن ثم تحميله مسؤوليات الفشل أو النجاح”. وشدّد القطي على أن تغيير النظام السياسي سيمنح فرصة للأحزاب لتطبيق برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اللجوء إلى مسألة التوافقات، مثلما حصل في انتخابات عام 2014 بسبب النظام السياسي الذي لا يمكّن الحزب الفائز بالانتخابات من الحكم. ولا تعتبر رغبة حزب نداء تونس في تغيير النظام السياسي جديدة بل تم التطرّق إليها سابقا في أحد اجتماعات هيئته السياسية في مارس 2017، حيث دعا المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي كوادر الحزب إلى التفكير في لجنة قانونية تعد مبادرة تشريعية لتغيير النظام الرئاسي. وتصطدم مساعي الحزب الحاكم والسبسي لتغيير النظام السياسي بجبهة رفض واسعة من قبل أحزاب المعارضة ومن طرف شريك الحكم حركة النهضة الرافضة بصفة قطعية العودة إلى تجربة النظام الرئاسي في تونس. وقال عماد الخميري الناطق الرسمي لحركة النهضة حول هذا الجدل الجديد لـ“العرب” إن الحركة لم تنظر بعد في مسألة تغيير النظام السياسي وأنها ستناقش المسألة ومن ثم تصدر موقفا واضحا بشأنه. وفي المقابل، أكّد محمّد بن سالم القيادي بحركة النّهضة أن حزبه لا يرى أن الانكباب أو الاجتماع للنظر في مسألة النظام السياسي من الأولويات الحارقة. وأشار بن سالم إلى أنه في حال تقديم رئيس الجمهورية لمبادرة تهدف لتغيير النظام السياسي فإنه سيكون من أشدّ المعارضين لها. وتابع “لماذا العجلة في تقييم نظام سياسي لم نستكمل تجربته ونحكم عليه في فترة قصيرة لا تتجاوز بضع سنوات والحال أن الدول الديمقراطية لا تفكّر بالتغيير إلا بعد تجربة النظم السياسية ومنحها فرصة تُقارب العقد من الزمن أو أكثر؟”. وأكّد أن “السعي إلى العودة بتونس إلى النظام الرئاسي لا هدف له سوى الحنين إلى الماضي وإلى الاستبداد والاستفراد بالرأي، باعتبار أن تجربتي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي أثبتتا مدى دكتاتورية النظام الرئاسي وتغوله”. وبنفس تصوّرات حركة النهضة ترفض قيادات أكثر الأحزاب معارضة للسلطة ومنها الجبهة الشعبية فكرة تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي، وتعتبر ذلك انقلابا على الدستور ومحاولات للعودة إلى حكم الحزب الواحد. وبدوره كان رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة قد أكّد في حوار سابق لـ“العرب” أنه لا يمكن تغيير أي شيء أو أي منظومة إذا لم يتم استكمال تجربتها، كاشفا أنه ليس من مساندي مراجعة النظام السياسي لأنه لا يمثل مشكلة في البلاد الغارقة تحديدا في المحسوبية وعدم الكفاءة وغياب الشجاعة السياسية لدى من يحكم. ولا يمنع الدستور التونسي تقديم مبادرة تشريعية لتغيير النظام السياسي، إذ يتيح في الفصلين 143 و144 من الباب الثامن “لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء البرلمان حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر”.
مشاركة :