قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بإلغاء الرقابة وعرض كل الأعمال الفنية طبقا للتصنيف العمرى سوف يلقى بظلاله على العالم العربى كله. لا أتصور سوى أن نظرية (الأوانى المستطرقة) ستفرض قانونها على الجميع. بداية، لم يعد اسمها رقابة، فى العالم تحمل اسم (تنظيم العروض)، وهذا يعنى أن كل المصنفات الفنية ستعرض كاملة مع الأخذ بعين الاعتبار تحديد الفئة العمرية. الدولة قبل نحو 7 سنوات فى عهد وزير الثقافة الأسبق د. جابر عصفور قررت تطبيق آلية التصنيف العمرى، بنفس الكوادر التى تعمل منذ عقود من موظفى الرقابة الذين توارثوا الممنوعات، بل أمعنوا فيها، وبعد كل تجربة لمصنف فنى يثير لغطًا فى الشارع أو تساؤلًا فى أحد الأجهزة، يزدادون تعنتًا. يجب أن نتلمس العذر لموظف يعلم جيدًا أنه من الممكن أن يتعرض للتأنيب أو الخصم أو حتى الفصل، لو سمح بتداول مصنف فنى تصاحبه تساؤلات، ولهذا ستكتشف أن قرار المنع يشكل بالنسبة له درعا واقية، فلن يسأله أحد لماذا منعت؟، ولكن كيف أبحت؟.. طوال زمن الرقابة، لم يتم أبدا مراجعة موظف رفض التصريح بعمل فنى، أقصى ما يحدث هو أن تتشكل لجنة أخرى وتبيح الممنوع. كان ينبغى أن يصاحب القرار الوزارى بإعمال قانون (التصنيف العمرى) قرار آخر أراه أساسيًا وحيويًا بإعادة تشكيل الرقابة لتحمل اسما يليق بهذا الزمن (تنظيم العروض)، مع إضافة متخصصين من أساتذة علم نفس واجتماع وخبراء فى الفنون من أجل تحديد مدى صلاحية الأعمال الفنية لتلك الفئة العمرية.. هل يملك الرقيب الحالى مرجعية تؤهله لأن يقول وهو مطمئن إن هذا يصلح فوق 16، وذاك لا يصلح إلا لمن تجاوز 21 مثلا؟!. الرقابة حاليا فى مأزق أكثر من صناع الأعمال الفنية، بعد أن وجدوا أنفسهم بين أكثر من جهة تفرض شروطها، وهم مضطرون لأخذ الضوء الأخضر مسبقا أخذا بالأحوط، الرقيب الحالى د. خالد عبدالجليل أستاذ مادة السيناريو بمعهد السينما، لا يمكن أن نحمّله مسؤولية متراكمة منذ عقود من الزمان، كما أنه فجأة وجد أمامه غولا اسمه (السوشيال ميديا)، يرسل إليه دائما إشارات تؤكد أنها تعبر عن توجه عميق فى الرأى العام الرافض لكذا وكيت، ويحمله مسؤولية إفساد الجيل لو لم يتدخل بالمنع والمصادرة.. ربما تسمح الدولة بعرض فكرة أو قضية، بينما الرأى العام لديه تحفظٌ ما، مثلا الرقابة توافق على القبلات وارتداء المايوه على الشاشة، بينما المجتمع هو الذى يرفض، وعدد من النجوم أيضا قرروا المزايدة فى الرفض من أجل اكتساب رضاء شريحة متحفظة من الجمهور. الرقيب الموظف فى النهاية ينتظر التعليمات، وتجارب الرقابة تؤكد أنه أول من يتم التضحية به لتهدئة الخواطر، لو كان هناك ثمة غضب، حتى لو كان مجهول المصدر فإن المطلوب أن يتحمل الرقيب المسؤولية. لا أعتقد أن قرار إلغاء الرقابة فى دولة الإمارات سوى أنه بداية لقرارات خليجية وعربية مماثلة، ومصر مؤكد ستعيد قريبًا تشكيل هذا الكيان الهلامى المسمى الرقابة.. مجرد أن يحمل هذا الاسم (رقابة)، فهذا يعنى أنه خارج الزمن. تفعيل قرار التصنيف العمرى وضم عدد من الكفاءات المتخصصين فى قواعد ومحددات التصنيف العمرى سيفرضان نفسيهما حتمًا، لنقرأ فى كتب التاريخ هذه المقولة: (كان يا ما كان فى سالف العصر والأوان كيان اسمه الرقابة). [email protected] المقال: نقلًا عن المصري اليوم.
مشاركة :