هل السينما العربية فى العديد من البلدان العربية صار لديها سقف أعلى من السينما المصرية فى استيعاب العديد من الأفكار التى نضعها فى قائمة الممنوعات أو فى الحدود الدنيا المكروهة؟الحقيقة هى نعم، أفلام تأتى من تونس والجزائر والمغرب ولبنان وفلسطين، وغيرها، تؤكد ذلك، وتؤكد أيضا أننا تراجعنا كثيرا عن الصدارة، بسبب قيد هلامى يضعه البعض أمامه تحت دعوى الأخلاق، على اعتبار أن الفن يرسخ القيم، التى تحض على مكارم الأخلاق، وأن الفن يجب أن يدعو لانتصار القيم الإيجابية، بينما وظيفة الفن الأساسية هى الجمال، وأن يقدم لنا، كجمهور، رسائل جمالية، وهو بالتالى لا يمكن أن يتبنى رسالة ضد الأخلاق إلا أنه، وفى نفس الوقت، لا يقدم رسائل ومواعظ حسنة عن مكارم الأخلاق.تراجعنا كثيرا فى السنوات الأخيرة عندما بدأ البعض، من أجل تحقيق مكاسب، يتصور أن الدولة تريدها أخلاقية، فيبدأ على الفور تقديم نفسه لمن يملكون خيوط الإنتاج فى البلد، على اعتبار أنه صاحب براءة اختراع الفضيلة.الكل يتحدث عن الأخلاق، والوجه الآخر لها تحميل الشاشات الذنب كله، فهى المسؤولة عن كل ما جرى أو يجرى فى الشارع من موبقات.الأمر ليست له علاقة بجرأة المشاهد فى السينما العربية، التى صار مسموحا بها رقابيا، بهامش أكبر من مصر، الأمر يخضع، فى الجانب الأكبر منه، للتناول، مثلا فى مهرجان قرطاج عرض فيلم (آدم) الفكرة هى البطل، المخرجة هى المغربية مريم توزانى، بدأ الفيلم مشواره مع المهرجانات فى قسم (نظرة ما) فى مهرجان (كان)، مايو الماضى، ثم اقتنصه مهرجان (الجونة) سبتمبر، وحصل على الجائزة البرونزية فى قائمة الأفضل.الفيلم كتبت له السيناريو أيضا مريم، الأبطال امرأتان واحدة عزباء مات زوجها ولديها طفلة أطلقت عليها اسم وردة، تيمنًا بالمطربة وردة، فهى لديها ذكريات مع أغانيها، خاصة (بتونس بيك)، وهى أغنية إيقاعية راقصة حققت نجاحا ضخما قبل أكثر من 15 عاما، أحسنت المخرجة توظيفها فى الأحداث.ملحوظة هامشية: يطبقون بدقة قانون الملكية الفكرية، ولقد علمت من كاتب الأغنية، عمر بطيشة، والملحن، صلاح الشرنوبى، أن القانون طبق، وكل الاستحقاقات المادية حصلا عليها، وهى معلومة طبعا خارج سياق الفيلم إلا أنها تؤكد ضرورة أن يلتزم السينمائى المصرى بتوريد تلك الحقوق لمستحقيها وبالحصول مسبقا على موافقة جمعية المؤلفين والملحنين كما فعلت المخرجة المغربية.سياسة الخطوة خطوة هى مفتاح قراءة الفيلم، تتمثل فى العلاقات المتشابكة فى السيناريو، الأم تعمل فى البيت تصنع مأكولات بسيطة تبيعها من الشباك فى منزلها ومنها تتكسب، وهى بعد رحيل زوجها خاصمت الحياة مكتفية بذكرياتها، المرأة الأخرى هى الحامل سفاحًا والتى تأتى إلى (الدار البيضاء) هربًا من تساؤلات الناس عن الأب المجهول، ولا تجد لها مأوى سوى هذا البيت، وتبدأ صاحبة البيت بمرحلة النفور، ثم تتعايش شيئًا فشيئًا مع تواجدها باعتبارها لا تتجاوز مجرد مبيت يوم واحد ثم تتحول إلى إقامة دائمة، وتسقط تماما مرحلة النفور، لتبدأ رحلتهما مع الألفة.المرأة الهاربة من أسئلة المتطفلين عن اسم الأب لا ترغب فى حمل طفل لا تريد الاعتراف به، لا يهم من هو أبوه، هى فقط لا تريده، ولا حتى تتحمس لكى تطلق عليه اسمًا حتى تقترح عليها الأم العزباء (آدم) أبوالبشرية، وتبدأ، طبقا لحالة الفيلم، سياسة الخطوة خطوة، حتى تتعرف على نفسها أيضا من خلال علاقتها بهذا الوليد، الذى صالح كل الأطراف على الدنيا.هل هو فيلم نسائى، المخرجة والكاتبة امرأة، والقضية نسائية وتتمحور عند المرأتين، الرجل حضوره هامشى، كما أنه، وبنسبة كبيرة، مدان.لا أرتاح لفكرة سينما المرأة لأن الوجه الآخر لها سينما الرجل، وحيث إن هناك غيابا للثانية، فإن هذا يعنى غياب الأولى.وفى الفن لا تنطبق تلك المعايير التى من الممكن أن نجد لها معنى فى المسابقات الرياضية، لكن فى الإبداع لا يمكن أن أقتنع بسينما مرأة وسينما رجل. والتفاصيل الدقيقة التى من الممكن أن تلمحها فى فيلم مريم توزانى (آدم) لا تعزيه لكونها امرأة، لكن لأنها مخرجة حساسة ومن الممكن لو كان نفس السيناريو فى يد مخرجة أخرى لشاهدنا فيلما بلا مشاعر.■ ■ ■بالأمس اقتربت من القضية الشائكة، خاصة فى المغرب العربى، وهى كتابة تعليق باللغة العربية المبسطة على الشريط السينمائى، مثلما حدث مع الفيلم العراقى (شارع حيفا) حيث حرص المخرج على ذلك.المتفرج المحترف يستطيع أن يجمع بين الاستماع للحوار ومتابعة الشريط السينمائى المكتوب بالعربية (المحايدة) التى يفهمها كل عربى، وهى فى النهاية لصالح الشريط السينمائى. عدد من الأفلام الناطقة بالإنجليزية فى المهرجانات الكبرى يتم كتابة شريط بالإنجليزية أسفل الشاشة لضمان وصول الكلمات للجمهور، خوفا من أن تؤدى اللهجة إلى مشاكل فى التلقى.الأمر يجب أن يتجاوز أى حساسية ممكنة فهو فى النهاية لصالح المبدع.
مشاركة :