تحقيق وتصوير : شيماء الموت حضارة تشع بالتراث ، تنبثق الأهازيج منها عذوبةً لمائها فتصبح الدانة والدرة ، وكل منزل هو حكاية وطن عرف الأصالة وبدأ بسعفةٍ لتكون سقفه ثم إلى ما نحن عليه ، ونرى هذا من خلال التجسيدات والنماذج العمرانية التي توجد في القرية التراثية بقرية عسكر في المحافظة الجنوبية ، لقد تم إنشاء هذه القرية من قبل وزارة الإعلام منذ حوالي السنتين وأصبحت الآن تستقبل الزوار .. تهتم القرية بتجسيد أهم المعالم في البحرين إلى جانب العديد من الأنشطة والفعاليات المختلفة. زوايا الحنين عندما تدخل للقرية التراثية ستدخلها من تجسيدٍ لباب البحرين ، ستشعر بأنك تدخل بحرينًا مختلفة بزمانها و واحدة بالانتماء الذي ستشعر به .. كأنك تمشي في قرية من ذلك الزمان ، تنعطف في « زرانيقها « حتى يصبح الحنين عنوانها ؛ فمن عاش في ذلك الزمان ستأخذه الذكريات للحنين وأيام الصبا ، ومن لم يعشها سيأخذه حنينٌ خفي لبساطة المكان والفرجان القديمة ودار أجداده .. كل زاوية تحمل عنوان العيشة الهانئة البسيطة والغير مكلفة. الروح البحرينية تدخل البيوت التي لا يختلي واحدُ منهم من الحوش والسطح والنباتات ، غرف عديدة ومن أجملها غرفة العرسان الذي يتطلب السرير درجًا لصعوده وصندوق كبير به صرة العرسان ، غرفة الضيوف الذين يجلسون على الأرض مستندين على مخدات ، وغرفة تضم مهد طفلٍ صغير حتى تبدأ أهزوجة « نام يا وليدي نومةٍ هنية ، نومة الغزلان في البرية لولو لولو « بصوت أمٍ تهز سرير طفلها في عقلك ، أثناء تنقلي رأيت امرأة كبيرة في السن تجلس على كرسي متحرك تجرها ابنتها التي قالت « أمي اشتغلت ثلاثين سنة في متحف البحرين « ما إن قالت هذا حتى تم الاحتفاء بها و اطلاعها على المكان .. كانت رائحة ماء الورد تستقر في أنفي من قوتها وهذا ما أعطى للمكان طابع الروح البحرينية في أدق التفاصيل ، والإضاءة التي تم تشغيلها ليلًا بواسطة الفوانيس كانت آسرة و واقعية. دمج الأطفال للأطفال نصيب كبير من فعاليات القرية التراثية ، فكما أن الماضي عاشه الأولين فهو إرثٌ لهذا الجيل الذي يجب أن يعرفه جيدًا ، فنرى الأطفال يقومون بخوض عدة تجارب مثل صنع الفخار وتلوينه ، استخراج اللؤلؤ من المحار ، ركوب الخيل ، الرسم على الوجه والحناء ، والأهم من كل هذا فهم يتجولون في القرية بأكملها يكتشفون ماضيهم الجميل ، والجدير بالذكر بأن في كل منزل أو تجسيد في القرية يوجد مرشدون يعرفونك بالمكان وتفاصيله والأدوات وهذا شيء قيم جدًا للأطفال بالخصوص . دعم المشاريع البحرينية بداية دخولي للقرية اعتقدت بأنها ستكون عبارة عن معالم قديمة للمشاهدة فقط ، ولكن تفاجأت بالعديد من المحلات والمشاريع البحرينية المشاركة ، فبجانب رؤية هذه القرية الجميلة يمكنك الشراء أيضًا من محلات الملابس ، الحلوى، الألعاب ، الأحجار الكريمة ، الأدوات المنزلية والإكسسوارات . ما يجعل القرية التراثية وجهة متكاملة أيضًا وجود المطاعم البحرينية المختلفة. الفعاليات المختلفة أخذتني وشدتني العديد من الأصوات العديدة، عندما اتجهت لاتجاهٍ ما كان هناك مجموعة من الأشخاص يقومون بفن « العرضة « وهو فن موسيقي وغنائي كانت تقوم به القبائل بالسابق تعبيرًا عن الفرح و الافتخار بصولاتهم ، ويتم لبس اللباس العربي وحمل السيف فيه ، وأقامته الفرقة الشعبية في القرية عند خيمة وأجواء بدوية وحطبٍ ونار لتُعاش الأجواء . وفي الجانب الآخر توجد « الفريسة « وهي رأس فرس يتم صناعته من الخشب ويتم تغطيه بقماش مزين للرقص في الأعراس فيها. وجهة سياحية الأماكن التراثية والتي تمثل هوية كل بلد هي وجهة كل سائح ، والقرية التراثية تضم معالم وفعاليات وتعريفات وافية للتراث البحريني ، فلقد رأيت العديد من السواح الأجانب من مختلف البلدان وحتى أخوتنا من الخليج العربي ، وهذه نقطة تثري الواجهة السياحية في البحرين وتنشر التراث العريق الذي لدينا لمختلف الدول بأحسن الصور و أجملها. أهم المعالم أنتَ تدخل البحرين قديمًا ، فباب البحرين وهو من أهم معالم البحرين في العاصمة المنامة أول تجسيد ستراه ؛ لأنه بوابة الدخول للقرية ،وعندما تمشي قليلًا سترى على يسارك مركز الشرطة بحلته القديمة ، وأفراد الشرطة والحرس يقفون على بابه بملابسهم الرسمية في السابق بجانب سيارتهم ،وبداخل المركز هناك عدة نسخ لأشكال الجواز البحريني ومراحل تغيره ، وهذا الأمر ينطبق على لوحات السيارات والشارات التي توضع على كتف الشرطي أيضًا . وما أدهشني وجود تجسيد لأول مدرسة نظامية في البحرين وهي مدرسة الهداية الخليفية التي تم إنشائها في العام١٩١٩ م ، وبداخل المدرسة لوحات لأهم إنجازات مملكة البحرين في التعليم ، والأمر الذي أعجبني وجود صف دراسي بكراسيه القديمة والسبورة والطبشور وهذا ما يجعلك تشعر بأنك ركبت آلة الزمن وعدت للوراء لتعيش الماضي . كذلك هناك تجسيدٌ لمستشفى يحتوي على أسرّة عليهم مرضى وبجانبهم العديد من الأدوات والآلات الطبية القديمة . تقول فنّية المختبر زهراء شاكر « بأن جميع هذه الآلات تغيرت الآن و أصبحت أكثر تطورًا ، باستثناء عدّاد المختبر الذي يُستعمل لعدّ كريات الدم البيضاء فهو نفسه للآن ، ومن الجميل رؤية الآلات الطبية كيف كانت قديمًا « . ستسمع صوت مذياع ينطلق من مكانٍ ما حتى تمشي وتصل إلى « قهوة بو خلف « التي يمكنك أن تشرب « الجاي والجاي حليب» فيها . ومنارة المسجد الذي يمكن للزوار الصلاة فيه ستكون جلية لناظرك بطولها وهيبتها . تكنلوجيا العصر من الجميل أن تستشعر عيش الماضي ولكن تسهيلات الحاضر لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فيمكنك دفع تذكرة الدخول عن طريق البطاقة البنكية ، وبجانب أغلب المنازل و المحلات « كود» يمكنك مسحه بالهاتف حتى تحصل على حساب المحل بكل سهولة ، كما أنه يمكنك الدفع في المحلات عن طريق « بنفت بي» وهذه أيسر الطرق في الدفع المالي الآن. قبلة الأعمال الفنية من المدعاة للفخر أن تكون مملكة البحرين القبلة الأولى لتصوير الأعمال الفنية التراثية ، فالقرية التراثية تم تصوير عدة مسلسلات كويتية فيها وتم تصوير برنامج المسابقات البحريني « السارية» الذي قدموه كل من حسن محمد ، نيلة جناحي ، و الفنانة سلوى بخيت ، ومن المسلسلات التي تم تصويرها مسلسل النجمة الكبيرة الكويتية حياة الفهد « مارجريت» ، وكذلك المسلسل الذي لاقى نجاحًا جماهيرًا عاليًا « كف و دفوف « للفنانة القديرة هدى حسين ، ومسلسل « دار غريب» الذي قام ببطولته عدة فنانين كعبد المحسن النمر و عبدالله بو شهري ، كما تم تصوير المسلسل الكوميدي « لعبة السعادة « الذي سيعرض في العام المقبل من بطولة خالد البريكي ونخبة من الفنانين . جميع هذه المسلسلات التي تم تصويرها على أراضي البحرين وتحديدًا في القرية التراثية دليلٌ على أن المرفقات التي تم عملها منشأً للإبداع وأرضًا خصبة للاستثمار الفني والاقتصادي للمملكة.
مشاركة :