«الجار قبل الدار» على عتبة الاندثار

  • 11/14/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الجار قبل الدار أصبح مفهوماً قديماً في عالم اليوم الإلكتروني، ونسق الحياة المعاصرة التي لم تعد تعنى بثقافة الجار ما أهلها لقرب الاندثار، وإن كانت لا تزال باقية في نفوس الأجيال السابقة الذين ظلوا يحرصون على حفظ حقوق الجار وإن كان غير مسلم، استجابة للفطرة السليمة، ولأوامر الدين التي حثّت على الاهتمام بحقوق الجار، ومن ضمنها تبادل الزيارات معه والإحسان إليه والسؤال عن حاله وصحته بشكل دائم. اليوم؛ ورغم تعدد المناسبات التي تستدعي تعزيز الأواصر بين الجيران وحفظ حقوقهم، مثل الأعياد الدينية والمناسبات الخاصة والوطنية، لم يعد أحد يهتم لأحد، ولم نعد نلحظ لتلك العلاقة الجميلة بين الجيران وجوداً إلاَّ على نطاق ضيق، إلى جانب وجود شيء منها في عدد من الأحياء القديمة الشعبية، أو في القرى على وجه الخصوص. البيان وفي استطلاع لعدد من الأشخاص، كشفت أن المجتمع الإماراتي لا يزال يحافظ على مستوى من العلاقة بما يجعل ثقافة الجار تحتفظ بقدر بسيط من الأهمية، وإن كان ليس من الممكن أن تقارن في الفترة الماضية التي كانت فيها العلاقة أكثر قوة وترابطا، ما يجعل التساؤل قائما في أسباب اختفاء ثقافة الجار وعدم الاقتداء بأوامر الدين بحفظ حقوقه؛ حتى سابع جار. المدينة المعاصرة جابر البلوشي بدأ حديثه بأن من أغرب ما في موضوع حق الجار، أن طرق العمران الحديث ونظام المدينة المعاصر، يعين أكثر على الاهتمام بحقوق الجار، إلا أن الجيران أصبحوا أكثر انكفاءً على الذات للأسف، مشيرا إلى أهمية الجيرة في جوانب مختلفة؛ إذ أن تعارف الجيران يعزز أمن الحي ويخلق علاقات إيجابية وتعاوناً ومودة لا تنقطع. وأوضح أن الجيران في الماضي كانوا يحافظون على محبة بعضهم البعض، ما ساهم في تربية نخبة من الشخصيات المجتمعية التي كانت لها بصمة في المجتمع، مشيرا إلى أنه كان هناك الكثير من المعاني والسلوكيات التي اكتسبها من العلاقة الطيبة بجيرانه وأبناء الفريج. ويتذكر العديد من الأمور البسيطة التي كانت تربط الجيران ببعضهم البعض حتى بدت العلاقة مع الجيران أقوى منها مع أسرهم الحقيقية، مضيفاً: كان الجيران يطلبون حاجاتهم البسيطة من بعضهم البعض، وكانت أمهات وآباء الفريج؛ أمهات وآباء الجميع حتى يومنا هذا، موضحا أن صفة حسن الجوار تراجعت تدريجيا لعدة أسباب خصوصا لدى كثير ممن يقطنون الشقق السكنية، وذلك يعود لاختلاف مفاهيم التربية وأيضا لمتغيرات الحياة العصرية التي ألهت الجميع عن التواصل، إلا عبر التقنية ووسائل التواصل الذكية. اختلاف الثقافات وأشارت خديجة الطنيجي إلى أن المجتمع بات متعدد الثقافات والجنسيات، حيث ان الأغلب موظفون ولديهم مصالح أو أعمال خاصة، والبعض منهم يفضل البقاء مع مواطنيه من الجنسية ذاتها، ولا يفضل الاختلاط بجيرانه، خوفا على ثقافته ربما؛ أو خشية من عدم التوافق مع الثقافات والعادات الأخرى. مشيرة إلى الانشغال بالحياة بسبب الضغوط اليومية وساعات العمل الطويلة التي أسهمت في إضعاف العلاقات الاجتماعية بين الجيران، وأصابتها بالفتور ما أثر بشكل سلبي وملحوظ على العلاقة بين بعضهم البعض، متمنية إيجاد برامج ووسائل لتفعيل التواصل مع الجيران، دون أن تنكر أن بعض المناطق لا تزال متمسكة بالعادات والتقاليد، لاسيما القرى والمناطق الصغيرة والقديمة. النظرة المادية واستعرض محمد البادي علاقات الجيران سابقاً خصوصاً ما يتعلق بحياته عندما كان صغيراً في فريج سدروه، إذ أن هناك عوامل مختلفة تؤثر على التواصل بين الجيران بشكل يختلف عما كان عليه قبل سنوات، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب أهمها سيطرة النظرة المادية وثقافة وطبيعة الحياة المعاصرة وتغير نمط الحياة وصعوبة ظروف المعيشة والتغيير الكبير في تربية الأجيال.. واختفاء العادات والتقاليد، وكل ذلك أضعف علاقات الجيرة، التي كانت منتشرة ومترسخة في المجتمعات القديمة. وأشار إلى أن اختلاط المفاهيم وغياب التمسك بالدين والعادات الأصيلة؛ فرض نوعاً من التخوف يحول دون بناء علاقات بين بالجيران، وترك انطباعات ومحاذير أثرت بشكل مباشر على قيم المجتمع وعلاقاته الاجتماعية. وأوضح أن من أهم الأسباب في توتر العلاقة بين الجيران؛ بعض الموروثات الاجتماعية التي لا تزال باقية وعالقة في أذهان البعض، خصوصاً في ما يتعلَّق بانتقاد الشكليات أكثر مثل المأكل والمشرب وبعض التصرفات. دور الأطفال وتناول عمر النعيمي موضوع الجار من زاوية التربية ودور الأطفال في ترسيخ هذه الظاهرة، منبهاً إلى أن الأطفال وحدهم هم من يحيون ثقافة الجار في أيامنا هذه، وما نشاهده لدى البعض من الوقوف في وجه أطفاله ومنعهم من الاختلاط بأطفال الجيران خطأ فادح مهما كان الدافع.. فالجيرة في الوقت الماضي تتجسد في العلاقات الطيبة بين أطفال الحي الذين كان يعيشون مع بعضهم البعض ويلعبون ويدخلون البيوت وقت ما يشاؤون ويكبرون على احترام عائلات الحي التي كانت بالنسبة لهم عائلتهم الكبيرة، فينشأ وفق هذه التربية؛ جيلٌ يقدس حق الجار ويصون أهله، غير أن ذلك اختلف بعد اختفاء هذه التربية الجميلة والقلوب النقية، وحلت محله الخشية والحذر من الناس والشك والريبة في التعامل معهم.

مشاركة :