بورتريه لحبيب الصايغ - سعيد الكفراوي

  • 11/14/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تدهشني التجربة الشعرية لشاعر الأمارات الكبير حبيب الصايغ حين أقرأه، وأجوس في عالمه الزاخر بالأسرار، والمفاجآت، وأحاول بقدر سعيه نحو تأسيس معنى يخصه القبض على دلالاته التي دائما ما تحيلنى إلى حالة من الدهشة، وتجعلني في كل مرة أقرأ فيها دواوينه قادراً على احتمال ما يحدث حولي عن ذي قبل!. قصائد هذا الشاعر دائما ما تغرس في القلب الإحساس بقيمة الحرية، وتجسد معنى يتجاوز فيه الانسان فرديته، وتمزق ذاته، ومن ثم يساءل واقعه. شعر يفضى إلى التعرف على أفق، دائما ما يعكس صوره ورموزه عن: السلالة التي يفتح لها الترانيم التي تعيد سرد ما كان، والتي سكنت الوعى عبر الزمن، والأم هناك والجدود الماثلين على حافة البحر حيث العائلة، والصحراء والغد الذي يبدأ بمسائه، والمرأة المتجسدة التي دائما ما تحضر مع الليل، وتمضي، والبعيد في ذروة الوحدة العاقلة حيث يمكث الموتى هناك، مبجلين بموتهم وهم في حشدهم الذي لا ينقضي، وانتظارهم الأبدي. عالم تضفره جدليات ميزت تجربة الشاعر عبر أربعين عاما من كتابة الشعر، وتأسيس حداثته، ومن خلال إبداعه لدواوينه العشرة. انشغالاته ورؤيته التي جسدت قصيدته في جدليات: الأساطير التي تحملها التواريخ: تموز وعشتار وادونيس وطائر الفنيق وأصحاب الجباه العالية من فوارس العرب، المجبولين بكبريائهم عبر صحراء مثل محيط لا ينقضى، واسرار تسكن الرمل، وهامات الجبال. سلالة الأباء والجدود والأمهات اللاتى فى انتظار الغائبين عبر البحر على تخوم المجرة. والصحراء فى ضمير الشاعر متسع، والصحراء في نصه الشعري مفتوحة على الاحتمالات تحتجز بين فضائها كينونه هؤلاء الذين يصنعون مصائرهم. للفاتحين طلائع الخوف الذي يأتى على خيل بليل أين؟.. لا الصحراء ذاكرة، ولا الشوق المعتم والهيام لا.. كيف ندرك موتنا لا الموت يسعفنا، ولا يأتي الكلام.. ينتمى حبيب الصايغ لمدرسة من الشعر بدأت حساسيتها الشعرية منذ السبعينيات، ومارست الكتابة تحت شعار (ليس المهم أن تكون على صواب، بل المهم أن تكون صريحا) لذلك كانت شعرية هذه الجيل تنهض على مساءلة الواقع والتاريخ والمتغيرات وأسباب الهزيمة ونقد العلاقات الاجتماعية بين من يملكون ومن لا يملكون، وكانت ممارسة هذا الجيل للكتابة تنظر بوعى نقدى، وبحساسية مختلفة فيما أنتهت إليه الإجابات، فى تحولات القيم والأفكار والمعاني. مع التحولات الكبرى التى حدثت في منطقة الخليج منذ منتصف السبعينات كانت الأصوات الشعرية تؤكد وجودها فى المكان والزمان. كان سعد الحميدين في السعودية، وقاسم حداد من البحرين، وحبيب الصايغ في الأمارات يشاركون بشعرهم في حركات التجديد العربية قادمين من خبرتهم ودراستهم للفلسفة ومعارفهم بتطور حركة الشعر في بلادهم العربية، وقراءتهم للشعر عند الآخرين، واحتفائهم بأزمان التكوين والمعرفة ومحبة الأدب والشعر. بدأ الشاعر حبيب الصايغ الكتابة في الصحف، وكانت البداية فى صحيفة الاتحاد الاماراتية. قدم نفسه عبر الشعر، والقصيدة هي المبتغى، وسعى الشاعر نحو التغيير ينبع أولا من قصيدته. أصدر مجلة "أوراق" من لندن بمشاركة مع الشاعرة الأماراتية الكبيرة ظبية خميس، وكانت فاتحة السؤال وقتها على طريقة حداثة شعر السبعينيات، وأسهمت منذ ذلك الحين فى تطوير القصيدة الحديثة وقدمت نموذجها النقدى والشعرى مساهمة فى أكتشاف العديد من الأصوات الشعرية الجديدة، ورؤى الشعر المختلفة خلال هذا العمل. خمسة وثلاثون عاما يمارس حبيب الصايغ عمله الصحفى، وطرح الكثير من القضايا، وشارك فى تأسيس أسئلة جديدة فى وطنه: حوارات المثقفين. حلم التجاوز نحو ثقافة جديدة مختلفة ومعاصرة. حرية الصحف وحرية اختياراته في واقع يتسم بالمحافظة، يعيش قيمه الثابتة في مواجهة ما يحدث من متغيرات. اتساع المسافات بين الطليعة والجماهير. وفى صحيفة "الخليج" كان حبيب الصايغ واحد من الكتاب الذي ناقش متصديا لقضايا الأرهاب الديني، وتجديد خطابه وتحديثه منشغلا بالدفاع عن إيمانه بالقومية العربية ومفهوم الهوية وصراعاتها مع هويات أخرى. وللصايغ تجربته المهمة في الإدارة منذ أسند له سمو الشيخ سلطان بن زايد إدراة مركزه حيث مارس عمله وأصدر العديد من المطبوعات منها مجلات تراث والأعلام والعصر وبيت الشعر والثقافة العربية، وفتح أبواب المركز أمام المفكرين والكتاب والفنانين العرب والأجانب من كل البلدان ليشاركوا في طرح أفكار التقدم والعلم. لحبيب الصايغ ما قدمه من شعر، له أقاليمه وأفاقه الرمزيه ورؤياه وارتباطه بالانسان وأحواله وتجلياته المختلفة فى الحياة وسعيه لاكتشاف أفق جديد آخر.

مشاركة :