يشهد سوق الديون الخضراء نمواً بوتيرة أسرع بكثير من مشاريع العالم الواقعي الذي تأسس بهدف دعمها، وذلك بفضل قدر من الهندسة المالية. وفي الوقت الذي لا يتوفر تقدير رسمي يميِّز بين التمويل الأخضر وشركات الأنشطة الخضراء الفعلية، تحذِّر مجموعة متزايدة من المراجعين والباحثين ونشطاء المناخ من أن الأرقام التي قدمها المصرفيون تطرح صورة مبالغ فيها بشأن دورها في مكافحة تغير المناخ. قال ستانيسلو استيفنياك، الباحث في التمويل المستدام بمؤسسة الفكر ""Instrat، ومقرها وارسو: "ترسم المؤسسات المالية صورة عن نفسها تبرز مساهمتها في التحول المناخي بأنها أكثر جدوى مما هي عليه في الواقع". ويتمحور الاهتمام حول إعادة بيع القروض الخضراء حيث يتم احتساب مساهمة قطاع التمويل في مشروع أساسي بقدر ما يتم إعادة تمويل الدين الأصلي. وبعد إصدار القروض، يمكن للمصرفيين تجميعها في سند واحد. ويمكن بعد ذلك بيعها إلى مؤسسة مالية أخرى، ومضاعفة الأصول المالية الخضراء في المراكز المالية للبنوك دون إضافة إلى المشاريع الخضراء الحقيقية. وأصدرت المؤسسات المالية هذا العام رقماً قياسياً من السندات الخضراء بلغ 180 مليار دولار، وهو أكثر من أي قطاع خاص آخر. تضخيم الأرقام من جانبها، قالت مايا غوديمير، محللة التمويل المستدام في "بلومبرغ إن إي إف": "يتعذر وضع رقم على مستوى الحساب المزدوج الذي سيحدث بسبب الطبيعة الخاصة لسوق القروض". وأضافت: "ومع ذلك، فإن المخاطرة تتمثل بأننا نجازف في النهاية بـ صورة أكثر إشراقاً حول إزالة الكربون الفعلية التي يتم تمكينها من قبل مؤسسات الائتمان". وتمثل إعادة تجميع الديون وهيكلتها مجدداً شكلاً راسخاً وقانونياً تماماً للهندسة المالية. فعلى الرغم من توفر أمثلة تبرز النتائج العكسية التي يمكن أن تنتج من هذه النماذج في حال تم تطبيقها دون قيود، وانهيار سوق الرهن العقاري الثانوي مثال على ذلك، فإن إعادة تجميع الديون يمكن أيضاً أن تضيف السيولة وتجلب المزيد من أصحاب المصلحة إلى السوق لمساعدتها على النمو. ونظراً لأن البنوك تتعرض لضغوط من الجهات التنظيمية، خاصة في أوروبا، من أجل جعل إقراضها أكثر التزاماً بالتحول الأخضر، فإن هذا النوع من إعادة التجميع يخدمها جيداً. لكن الانفصال عن الأعمال التجارية الخضراء الفعلية قد يعوق الجهود الرامية لتتبع مساهمتها في إزالة الكربون العاجلة اللازمة لتجنب كارثة مناخية. التصدي للغسل الأخضر ويباشر صانعو السياسات جهودهم في مواجهة احتمالية الغسيل الأخضر هذه في سوق الديون. وبحسب بول تانج، وهو العضو بالبرلمان الأوروبي المسؤول عن توجيه التشريع، تتضمن تعديلات مقترحة على معيار السندات الخضراء في الاتحاد الأوروبي، بنداً من شأنه أن يحول دون "إنشاء سندات خضراء من فراغ" عن طريق إعادة التمويل المستمر. يقول ويس بريكر، الذي يشارك في قيادة قسم حلول الثقة بمؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز": "إنه إذا كان هدف الاتحاد الأوروبي هو استخدام نسبة الأصول الخضراء التي سجلتها البنوك لتحديد حجم الاستثمار في المشاريع الخضراء حتى يتمكن صانعو السياسات والمجتمع من فهم ما إذا كنا ننتقل بوتيرة سريعة بما فيه الكفاية، فإننا نتلقى إشارة غير دقيقة من خلال عملية التضخيم". وأضاف بريكر: "يعتمد الأمر على ما نريده من هذا الرقم، ومن يستخدمه ولأي غرض". شكوك حول الأثر المناخي حتى فئات الأصول القائمة مثل السندات الخضراء لها تأثير مناخي مثار شكوك. وغالباً ما توفر المال لإعادة تمويل المشاريع الخضراء المكتملة، ولا يُلزم السند جهة الإصدار باستخدام رأس المال المحرَّر في مشروع أخضر آخر. وشهد هذا العام ظهور المشتقات الخضراء ومستودعات إعادة الشراء، التي حذر المشرِّعون من أنها قد تكون عرضة للغسيل الأخضر وهم في سباقهم نحو تصميم كتيب قواعد لمثل هذه المنتجات. الحزم التنظيمية للاتحاد الأوروبي يتسم نطاقها بالعالمية، وتؤثر على الشركات خارج الاتحاد إذا كانت تستهدف العملاء في دوله. وتتمثل الفكرة في توجيه رأس المال بعيداً عن الأنشطة التي تضر بالكوكب وضخها في المشاريع التي تستهدف حماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية. يقول فريديريك هاش، الذي يرأس مرصد التمويل الأخضر ومقره بروكسل، إن صانعي السياسة الأوروبيين يجب أن يسترشدوا بالرؤية التي تم الكشف عنها في قمة المناخ باسكتلندا الشهر الماضي. ويرى أن أي بنك يعيد تمويل سجل القروض الخضراء لديه عبر الأوراق المالية الخضراء لا يحسب القروض في نسبة الأصول الخضراء. وأضاف: "لقد سلط مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي COP26 أخيراً بالضوء على الأهمية المُلحة لتجنب الحساب المزدوج لأرصدة الكربون لأغراض السلامة البيئية والمصداقية"، مشيراً بالقول إن "الأمر نفسه ينطبق على المطالبات الخضراء".
مشاركة :