بينما حقق شباك حفل عمرو دياب رقمًا قياسيًا فى (موسم الرياض)، وبعد ساعة واحدة من الإعلان نفدت كل التذاكر، نقرأ فى نفس التوقيت أن مطربا أردنيا لم يبلغ الثلاثين أدهم النابلسى يعتزل الغناء معلنًا أنه حرام، وقبل 24 ساعة فقط نتابع رئيس الوزراء الأسبق فى العراق مهاجمًا حفل محمد رمضان، وقبلها تحاصر الجماعات المتطرفة فى بغداد مقر إقامة الحفلات وتضطر الدولة لأن تمتثل وتعلن إلغاء نهائيا لكل الأنشطة الترفيهية.. لندرك جميعا أنها استراتيجية للضرب فى العمق. بنظرة عين الطائر نتابع كل الأطياف: مجتمع يُقبل على الحياة وتحميه الدولة، ومجتمع آخر لا يجد من يوفر له الحماية من سطوة الجماعات المتشددة. ويلتقطها (مبروك عطية) على الفور (مقشّرة)، الداعية الذى أضحى هو الأكثر تواجدا ويضع على (السوشيال ميديا) بصمته فى (كليب)، معلنا أن الفن ليس كله حراما، أى أنه يريد أن يعيد الفن تحت الوصاية الشخصية لرجل الدين، ليحدد لنا ما الذى نستمع إليه وما الممنوع شرعا، وتبدأ قائمة الممنوعات ولن تنتهى، ولا تدرى من الذى منح الشرعية لكى تمتد ولاية رجل الدين على مفردات حياتنا، وما علاقة المعايير الدينية فى تحديد ذائقة الناس!. هل نسأل الشيخ مبروك عن رأيه فى الجرعة الثالثة (للفاكسين)، وإذا أجاز الثالثة نقول له يا مولانا وهل نصل للحد الأقصى الرابعة!. نتابع جميعا الإيقاع السريع فى التعاطى مع الفنون فى الخليج العربى، وكيف أن المملكة العربية السعودية تضرب المثل الحى على أن (ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، والرقابة لا تتدخل بالمنع، حتى أفلام مهرجان (البحر الأحمر) لم يسمح للرقيب باستخدام (المقص)، بينما فى مصر اضطرت إدارة مهرجان (القاهرة) للخضوع أكثر من مرة لسطوة الرقيب. بالمناسبة، أنا لا أدين شخص الرقيب، ولكن المعايير الصارمة المفروضة التى توارثناها تدفعه للخوف من المسألة، والمعيار الرقابى بطبعه زئبقى، ولا يمكن للرقيب أن يسلّم نفسه لأى جهة تسأله لماذا صرح.. ولهذا أخذا بالأحوط يمنع. هناك من فصائل المتشددين من يعتبر أن معركته الحقيقة أساسا رقعة الفن، لأنها تعنى الحياة، بينما هم أعداء الحياة ولن يتوقفوا عن إلقاء ماء النيران فى وجوهنا. لا نزال نعانى كعالم عربى من تربصهم ورغبتهم فى السيطرة، دائما لديهم غطاء، وهو المحتوى الفنى. قبل عقد من الزمن، كان من شروط تسويق المسلسل فى السعودية أنه فى حالة تواجد رجل وامرأة فى مكان واحد يجب فتح الباب، ونرى ذلك فى (الكادر)، كما أنه يجب أن تتكرر مشاهد الوضوء والصلاة أكثر من مرة فى الحلقة، وإلا فلن يتم التعاقد، كنا نشكو من أننا نصنع العمل الدرامى طبقا لما تفرضه الرقابة هناك.. الآن، تحررت السعودية من تلك القواعد، وعلينا أن نسارع بخطوات أكثر رسوخا وعمقا. لن يكون أدهم النابلسى ورقتهم الأخيرة، قبلها كان لديهم فضل شاكر، قبل أن يعلن ندمه لأنه استمع فى مرحلة من عمره لآرائهم وعاد للفن بل قدم ابنه للساحة، إلا أن الناس حتى الآن لم تتقبله. علينا أن نتعلم الدرس: لا نترك رجل الدين يحدد لنا الحلال والحرام فى التعاطى مع الفنون، ولن ننتظر أبدا قائمة (مبروك عطية) فى الفن الحلال. [email protected] المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).
مشاركة :