الصراع الجيوسياسي القائم اليوم بين الولايات المتحدة من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى هو صراع على طبيعة النظام الدولي في المستقبل، فالولايات المتحدة تسعى بكل ضراوة إلى إبقاء الوضع العالمي على حالته الراهنة بنمطية القطبية الواحدة بينما تسعى الصين وروسيا إلى تهيئة العالم إلى نظام دولي جديد يرتكز على نمطية تعدد القطبية.حتى الآن، نجحت واشنطن في خلق وتضخيم مشكلة في الجوار الجغرافي لكلا البلدين، وأعني قضية تايوان مع الصين وإشكالية أوكرانيا مع روسيا، وتتشكل هذه الفكرة كلعبة سياسية تنتهجها الخارجية الأمريكية في الحاضر والمستقبل لتقويض أحلام الدولتين المنافستين، أما الأدوات التي تستعملها واشنطن فتتخذ صور التحالفات الدولية التي نجحت حتى الآن في تشكيلها كتطويق جغرافي لبكين وموسكو، فهي تحاصر روسيا بتحالف الناتو التاريخي، بالإضافة إلى طبيعة علاقاتها الإستراتيجية والتاريخية مع أوروبا، كما تحاصر الصين بتحالف أوكوس الأخير مع أستراليا وبريطانيا، وبتحالف كواد مع اليابان والهند وأستراليا، بالإضافة إلى تحالفاتها الثنائية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند والفلبين.في العام 1979م دشنت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع بكين، وفي نفس العام أقرت قانون العلاقات العامة مع تايوان، وهو ينص على مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها أمام أي اعتداء خارجي، وفي السنوات الأخيرة زادت معدلات التسليح الأمريكي لجزيرة تايوان بالإضافة إلى تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية معها بصورة غير مباشرة عبر شركة تجارية خاصة تتخذ مسمى المعهد الأمريكي، وعلى الرغم من قبول أكثرية الشعب التايواني للانضمام إلى الصين الأم إلا أن الولايات المتحدة تراهن بشدة على بقاء الجزيرة التايوانية بعيدة عن أحلام بكين !!.أما أوكرانيا، فلا شك أنها إحدى ميادين الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة وبين روسيا من جهة أخرى، فالأجواء الحالية تشبه أوضاع ما قبل الحرب العالمية الثانية كما يقول بعض المحللين، ولا تزال الولايات المتحدة تلوح بين الفينة والأخرى باستخدام عصا العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بيد أن روسيا تقلل من شأن هذه العقوبات كونها ترتبط بعلاقة اقتصادية قوية مع حلفاء واشنطن الأوروبيين، فهي المورد الأوحد للطاقة والغاز لهم، وباستطاعتها أن تعلن إيقاف توريد الغاز إذا ما أيد الأوروبيون الموقف الأمريكي ضدهم !!.وأخيرا،، لا شك أن المواجهة العسكرية المباشرة بين القوى العظمى أمر مستبعد للغاية، ولكن الأمر الوارد هو انتهاجهم لطريقة حروب الوكالة، سواء في تايوان أم في أوكرانيا، فروسيا تحشد قواتها وصواريخها على الحدود الأوكرانية بينما الطائرات الصينية لا تبرح بتحليقها فوق الأجواء التايوانية، وهذه مؤشرات غير جيدة، وتنذر بكارثة الحرب في أي وقت، ولهذا نعود إلى فكرة المقال الرئيسية، هل ستنجح الولايات المتحدة في إبقاء العالم تحت قطبيتها الواحدة أم أن لروسيا والصين حديثا آخر،،، مستقبل الأيام سينذرنا بذلك.@albakry1814
مشاركة :