الحرب الأوكرانية تنهي القطب الواحد نحو عالم متعدد الأقطاب

  • 7/7/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتواصل الصراع على النفوذ في العالم، حيث لا تزال الدول الكبرى تمارس نفوذها في مناطق معينة لخدمة مصالحها، وهو صراع يدخل مرحلة جديدة في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد في نهاية العام الماضي أن الولايات المتحدة لن تناقش المخاوف الروسية بالنسبة إلى انضمام أوكرانيا لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، مشيرا إلى أنه “ليس من حق دولة واحدة ممارسة مجال نفوذ، وأن تلك الفكرة يجب أن يكون مآلها مزبلة التاريخ". وفي مؤتمر الأمن بميونخ، قبل أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بادئ الأمر بأنه "عملية عسكرية خاصة"، ردد عدد من صانعي السياسات هذا التأكيد من جانب بلينكن ، بما في ذلك وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي قالت إن أوروبا تواجه اختيارا صعبا “هلسنكي أو يالتا.. وهذا يعني أن هذا الاختيار هو بين نظام مسؤولية مشتركة عن الأمن والسلام.. أو نظام تنافس بين القوى ومجالات النفوذ". ◙ أوكرانيا مؤشر لحدود مجال النفوذ العالمي لأميركا بعد الحرب الباردة، ودليل على مدى قدرة روسيا على الدفاع عن مجالها وتقول إيما آشفورد، الباحثة الأميركية بمركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست الأميركية إنه لذلك من السهل معرفة سبب ترحيب الكثيرين بالحرب في أوكرانيا والنجاحات غير المتوقعة للجيش الأوكراني في صد الهجوم الروسي الأولي، في رفض لمجالات النفوذ في الشؤون العالمية، وإعادة تأكيد لفكرة وجود نظام دولي ليبرالي تقوده واشنطن تكون فيه الأعراف والقيم أكثر أهمية من القوة والنفوذ. وترى آشفورد أن هذا خطأ كبير، فأيّ مجال نفوذ ليس مفهوما معياريا، أو شيئا ما تتنازل عنه دولة لأخرى بدافع المجاملة أو الشفقة. ويرجع الأمر ببساطة إلى وضع تكون فيه دولة عظمى غير مستعدة، أو غير قادرة على توفير الموارد الضرورية اللازمة لإرغام دولة أخرى على الخضوع. وفي هذا الصدد، لا تعتبر أوكرانيا رفضا لفكرة مجالات النفوذ، ولكنها في الحقيقة نموذج واضح لكيفية تحقق ذلك عمليا. وأوكرانيا مؤشر واضح لحدود مجال النفوذ العالمي للولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة، ودليل على مدى قدرة روسيا على الدفاع عمّا تعتبره مجالها الإقليمي. ومن ثم، فإن الحرب في أوكرانيا ليست دليلا على استمرار اللحظة أحادية القطبية، ولكنها خط فاصل بين الفترة التي كانت تعتبر فيها واشنطن العالم كله مجال نفوذها، وعالم جديد أكثر تعددا في الأقطاب يُعتبر نفوذ الولايات المتحدة فيه محدودا ومقيدا. وتؤكد آشفورد أن هذا يعني أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن ثلاثة أمور بشأن تحول ميزان القوة العالمي. أولها، أنه بينما ربما لا تزال واشنطن تزعم أنها تتمتع بمجال نفوذ عالمي، فإنها غير مستعدة في الواقع للمخاطرة باندلاع حرب نووية مع روسيا من أجل حماية أوكرانيا. ولا شك أن الأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، والأموال ساعدت في تحول كفة الميزان في الحرب، لكن لن تخوض قوات أميركية الحرب. الحرب على أوكرانيا كشفت العديد من الجوانب الخفية عن الدب الروسي الحرب على أوكرانيا كشفت عجز روسيا عن تحقيق أهدافها العسكرية الأولية والثانوية والأمر الثاني، هو أنه نادرا ما تكون مجالات النفوذ غير متنازع عليها، ومن ثم فقد أثبتت روسيا أنها غير قادرة على فرض إرادتها على أوكرانيا، حيث فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية الأولية والثانوية في هذه الحرب. وعلى هذا الأساس، ربما تكون حدود أيّ مجال نفوذ روسي محتمل أقل في الواقع مما كان مفترضا قبل الرابع والعشرين من فبراير، تاريخ بدء الحرب على أوكرانيا. والأمر الثالث، هو أنه رغم أن الكثير من تغطية الحرب في أوكرانيا يتم في نطاق هذا النهج ثنائي القطبية – أي تمثل الحرب على أنها صراع بين روسيا والغرب – لم يكن رد الفعل إزاء الحرب واضحا كثيرا، ففي خارج أوروبا، اتخذت معظم الدول نهجا أكثر تساهلا تجاه الأزمة. ◙ روسيا أثبتت أنها غير قادرة على فرض إرادتها على أوكرانيا، حيث فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية الأولية والثانوية في هذه الحرب وقد شاركت الدول الأفريقية والآسيوية الفقيرة في تصويت الأمم المتحدة الذي أدان روسيا، لكنها لم تشارك في العقوبات. ورفضت الهند الانحياز إلى أيّ طرف، وهو قرار له علاقة باعتمادها الجزئي على الصادرات العسكرية الروسية، وقد استفادت من الصادرات النفطية الروسية منخفضة التكلفة. ومعظم دول الخليج التزمت بحيادها، ورفضت زيادة إنتاج النفط أو حتى وصف الصراع بأنه حرب. من ناحية أخرى، التزمت بكين بالتأييد الحذر لموسكو، لكنها رفضت أيّ مشاركة سياسة أو اقتصادية أكثر عمقا. وتقول آشفورد إن أيا من هذه الأمور لا يشير إلى أننا نعود للحظة القطبية الأحادية ما بعد الحرب الباردة، أو أننا نتجه نحو مواجهة جديدة على غرار الحرب الباردة مع روسيا، أو حتى مع روسيا والصين. ولكنها في الحقيقة تشير إلى أن العالم يشهد انقساما بصورة متزايدة إلى وضع أكثر تعقيدا ومتعدد الأقطاب، يمكن أن تؤدي فيه المغامرة والنفاذ المفرط للسياسة الخارجية للولايات المتحدة السائدة منذ وقت طويل إلى ترك الأمر يتفاقم. وتقول آشفورد إنه رغم كل ما يتردد عن انتصار السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة إلى أوكرانيا، سيكون من الحماقة افتراض صناع السياسة الأميركيين أن هذه الحرب تمثل تبريرا للنظام الليبرالي أو رفضا لسياسات القوة ومجالات النفوذ. وبدلا من ذلك، يشير الأمر إلى أنه يتعين عليهم تعلم الإبحار في عالم ليس مقسما إلى أبيض وأسود، ولكن إلى ظلال رمادية كثيرة.

مشاركة :