يوهم المنتصرون في الانتخابات التشريعية في العراق جمهورهم بأن برنامجهم الحكومي للمرحلة القادمة سيقوم على الاصلاح. ولكن أولئك المنتصرين ليسوا غرباء على العملية السياسية فهم عنصر عضوي في بنية النظام منذ قيامه عام 2003. لم يكونوا معارضين لكي يُقال إنهم حُرموا من فرصة تنفيذ مشاريعهم في بناء الدولة، بل كانوا ومنذ البدء طرفا في عملية هدم الدولة. أما حين يدعون إلى حل الميليشيات وتسليم سلاحها إلى الدولة فإنهم يزيفون الحقيقة التاريخية التي تفيد بأنهم كانوا أول مَن أطلق الميلشيات في الشوارع ولوح، بل وقاتل بسلاح غير شرعي في غير مناسبة. بعد كل هذا فإن الواقع المباشر يكذب أقوالهم. لا تزال ميليشياتهم تعيث فسادا في حياة العراقيين وليس في إمكان الدولة أن تتصدى لها. أليس من الأولى ان تسلم ميليشياتهم سلاحها إلى الدولة في خطوة حسن نية تتبعها مطالبة الآخرين بنزع سلاحهم؟ حين نركز على السلاح المنفلت ننسى أن الدولة التي تم اختراقها من قبل الأحزاب لم تقع تحت هيمنة الميليشيات إلا لأن الفاسدين احتاجوا لنوع رسمي من الحماية. وهو النوع الذي تمت تعبئته وتجهيزه من خلال فتوى الجهاد الكفائي التي وهبت الميليشيات جسدا مؤسساتيا اسمه الحشد الشعبي الذي كان المنتصرون جزء منه. هل غادروه؟ لا شيء يشير إلى ذلك بالرغم من أن الخاسرين كانوا يتخوفون من أن طعنة يمكن أن توجه إليهم من داخل البيت الطائفي. ولكن هل التخلص من الميليشيات بالأمر اليسير؟ يضحك العراقيون على أنفسهم إذا اعتقدوا أن طرفا يقود ميليشيا سيكون في إمكانه أن يخلصهم من ميليشيات الآخرين. لعبة ليست آمنة. فإذا كانت هناك حرب شيعية شيعية فإن الشعب العراقي سيكون مادتها. كانت صولة الفرسان التي قادها نوري المالكي يوم كان رئيسا للوزراء نوعا من تلك الحرب بالرغم من أنه قد جرى يومها استعمال الدولة باعتبارها واجهة. من المستبعد أن تُستعاد فصول تلك الحرب. ذلك لأن الميليشيات كلها هي الشيء نفسه. ومثلما تدافع الميليشيات التي تُسمى ولائية بسبب ولائها لإيران عن نفسها فإن ميليشيا الصدر ستقوم بالفعل نفسه من غير أن تستند إلى نصيحة من مرشد الثورة أو الحرس الثوري. لن يقوى الصدر على أن يحل ميليشياه وينزع سلاحها. ولكن مشروع الاصلاح يظل غائما وغامضا ومحلقا وغريبا. فإذا كان المنتصرون وهم أعضاء في الحكومة منذ أكثر من ثماني عشرة سنة قد ساهموا في تطبيع الفساد في الوزارات التي كانت حصتهم فكيف سيكون في إمكانهم أن ينقلبوا على أنفسهم؟ سيُقال سخرية إنهم مارسوا الفساد في محاولة منهم للانسجام مع كتلتهم الطائفية ومن أجل أن لا يسمحوا للآخر الطائفي أن يشمت بهم. علينا اليوم أن نصدق أن الفاسد يمكن أن يكون صالحا، بل ويقود عملية الاصلاح في لحظة ندم. اما أن يكون ذلك الفاسد قد دمر قطاعي الصحة والكهرباء فإن ذلك ما يجب أن ننساه. الايمان بالإصلاح يتطلب نوعا من النسيان. من سوء حظ الشعب العراقي أن الفاسدين يعدونه بالإصلاح. تلك حقيقة أسفرت عنها الانتخابات. لن يهبط الاصلاحيون من كوكب آخر. كما أن مقتدى الصدر لن يعدهم بأنه سيكون الفاسد الأخير. يعرف الرجل أن الفساد يغذي ماكنته الحزبية. يعرف الرجل أيضا أن كذبة نصير الفقراء لا تنطلي على أحد لكن الفقراء أنفسهم لا يتخلون عنه باعتباره مخلصهم. لقد اعتبروا تضليلهم جزء من الغواية المذهبية وإلا فأنهم سيذهبون إلى النار. يمكن لمقتدى الصدر أن يكون سياسيا حين يشاء، ولكنه سياسي من غير مشروع. ويمكنه أن يكون رجل دين، ولكن بطريقة غامضة. في ظل تلك المعادلة يمكن فهم عملية الاصلاح التي يعد بها الرجل الذي دمر قطاعات خدمية كثيرة بسبب الفساد. كان الصدريون فاسدين في كل لحظة من لحظات استيلائهم على مفاصل خدمية كثيرة. فهل هناك فرصة للإصلاح؟ لقد أفسد الصدريون أية فرصة للإصلاح من خلال تاريخهم الذي لا يمكن التستر عليه. ما يعلنه الصدر يكذبه ذلك التاريخ. فالرجل هو واحد من صناع النظام القائم على الفساد. يمكنك أن تكون فاسدا واصلاحيا في الوقت نفسه. ذلك ما يسعى الصدر إلى تمريره. فالفساد بعد أن صار جزء من الحياة العادية العراقية لن يكون مصدر خوف إذا ما تمت مواجهته بالإصلاح. في المرحلة القادمة سيكون العراقيون على موعد مع الاصلاح الذي يقوده الفاسدون. ذلك هو الاصلاح الوحيد الممكن في العراق.
مشاركة :