كل من يحب الناس والتعامل مع الناس ينجح ويحب أعمال السياحة، فهي نافذة للتكلم والتواصل مع الناس بطريقة مباشرة ومريحة وجميلة جدًا. لقد بدأت مشاريع سياحية في لبنان توقفت بسب الحرب، وعندما أتيت للبحرين بدأت مع أربعة شركاء لي بحصة صغيرة في فندق ستي سنتر وكان من ضمنه واحد من أهم مطاعم الخليج في ذلك الوقت، وهو مطعم الطربوش، ثم مطعم لاتافيرنا ذائع الصيت في الأكل الإيطالي، لكني بعد سنوات طويلة اضطررت للتخلي عن الفندق ذي الثلاث نجوم بعد أن وصلت به إلى سقف التطور. ثم كانت بدايتي القوية في قطاع السياحة مع «الكورال بيه» الذي كان يضم مسبح وشاطئ فقط ثم قمنا بتطويره حتى أصبح منتجعا يضم مرافق متكاملة من ثلاثة مطاعم ونادي رياضي وسبا إضافة إلى مجموعة مختارة من الأنشطة المتوفرة في المنطقة مثل الغطس والغوص، وقبل نحو ثلاثة أعوام أضفنا له أول فندق خمس نجوم عائم في الخليج العربي هو فندق (سي هوتيل C Hotel) ذي التصميم الفريد من نوعه، ولدي أيضًا استثمارات سياحية أخرى كان آخرها استحواذ مبنى حديث في منطقة متميزة ونعمل اليوم أن نصنع منه فندق أربع نجوم متميز يكاد يكون خمس نجوم. أنا أتحدث عن ذلك لأقول إن من واجب أصحاب الأعمال والمستثمرين في القطاع السياحي أن يكونوا دائما سبَّاقين في تطوير منشآتهم السياحية من خلال التحديث والابتكار واعتماد التكنولوجيا الحديثة حتى يحافظوا على تنافسيتهم ويصبحوا في مكان أفضل، حيث إن مجال السياحة يتطور بسرعة ولا يمكن الركون إلى اسم المنشأة السياحية وتاريخها فقط، بل يجب تطويرها باستمرار، وكما تفضّل سعادة وزير الصناعة والتجارة والسياحة بتوضيح أن لا حدود للتطوير والابتكار في قطاع السياحة، ونحن نرى اليوم أن هيئة البحرين للسياحة أصبحت أكثر تفهمًا ومرونة في التعامل مع المستثمرين ومساعدتهم على تنفيذ وتنمية مشروعاتهم السياحية. وإن حكومة مملكة البحرين ممثلة في مجلس التنمية الاقتصادية وهيئة البحرين للسياحة والمعارض قامت وتقوم بكل ما يلزم من أجل تطوير القطاع السياحي، وهي مدعوة أيضًا لمواصلة هذه الجهود من خلال التركيز على مسائل عديدة من بينها توفير المزيد من التسهيلات وتسريع دخول السياح والزوار للبحرين وزيادة عدد الدول التي يمكن لرعاياها الحصول على تأشيرة زيارة في المطار مباشرة، إضافة إلى التسويق للقطاع السياحي خارج البحرين، وإقامة المزيد من الوجهات السياحية، وغيرها. لكن الدور الأكبر في تنشيط السياحة يقع على القطاع الخاص من وجهة نظري، وعلينا كمشتغلين في قطاع السياحة والضيافة أن نركز على الابتكار، وألا نقلّد بعضنا بعضًا، وأن نقدم برامج سياحية متميزة تشجع السائح على بقاء أكثر وإنفاق أعلى. ومؤخرًا صدرت الاستراتيجية السياحية للبحرين للأعوام 2021-2026، وهي برأيي استراتيجية طموحة متكاملة، وأؤكد هنا أهمية انخراط جميع أصحاب المصلحة في القطاع العام والخاص من أجل دعم هذه الاستراتيجية وتحقيق الأهداف المنشودة منها. ولقد قرأت باهتمام كبير تفاصيل هذه الاستراتيجية الرامية إلى إبراز مكانة البحرين كمركز سياحي عالمي وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي وزيادة عدد الدول المستهدفة لجذب المزيد من السياح وتنويع المنتج السياحي، وأرى أن الفائدة المرتقبة من هذه الاستراتيجية لن تكون حكرًا على المشتغلين في السياحة فقط، بل على الاقتصاد الوطني ككل، خاصة وأن قطاع السياحة مساهم أساسي في مجال توفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل، مؤكدًا في هذا الصدد أهمية أن يعمل جميع رجال الأعمال على دعم هذه الاستراتيجية. فالحكومة تمهّد لنا الطريق لكن علينا نحن أن نسير فه، وعلى التجار أن يخلقوا فرصًا جديدةً، مشاريع جذابة غير مسبوقة، وعندما ننفرد بتقديم بعض الخدمات السياحة نستطيع المنافسة والتفوق، فالمال وحده لا يصنع النجاح إذا لم يكن مقرونًا بالابتكار والابداع. وفي الواقع بدأنا نرى تحسنًا في أداء منشآت القطاع السياحي في الآونة الأخيرة، خاصة مع تخفيف الاجراءات المفروضة على السفر، ووصلت نسبة الإشغال في المطاعم والفنادق إلى 50 % بحسب تقديري، لكن هذا لا يكفي طبعًا، ولا زلنا بعيدين نوعًا ما عن تحقيق معدلات ما قبل الجائحة. وأجدّد دعوتي هنا لضرورة تشكيل مجلس أو لجنة تضم الجهات الحكومية المشتغلة في السياحة مع جهات القطاع الخاص، حتى نلتقي ونتشاور ويقدم كل منا ما لديه من رؤى وتصورات واقتراحات، وذلك حتى ننهض بقطاع السياحة ككل، ونكمل بعضنا بعضًا. ويمكن الاعتماد على الشباب البحريني في قطاع السياحة، وسابقًا لم تكن مهن مثل الاستقبال في الفنادق أو العمل في المطاعم جاذبة للشباب البحريني، لكن اليوم بدأنا نرى هؤلاء الشباب يشغلون هذه المهن عن جدارة. ولا زلنا بحاجة لرؤية المزيد من الشباب البحريني في الإدارات المتوسطة والعليا من المنشآت السياحية. وأؤكد هنا على أهمية التدريب والتأهيل، خاصة وأن قطاع الضيافة يوفر فرص عمل كثيرة للبحرينيين. ولنجاح أكبر للشباب البحريني في قطاع السياحة يجب أولا أن يتدرب في معاهد معترف بها دوليًا، وثانيًا أن يفخر بأنه يخدم الناس، وأن يتدرج بعمله بدءًا من الأسفل، فابني الأكبر كريم يشغل الآن منصب المدير العام لمطاعم ماكدونالدز التي نملك امتيازها في لبنان، وهو لم يصل لهذا المنصب مباشرة، بل بدأ عمله في المطبخ، حيث أمضى سنة كاملة يجلي الصحون، ثم أصبح يخدم الزبائن في الصالة، ودخل بعدها جامعة ماكدونالدز وخضع لامتحانات كثيرة حتى تخرج، وأصبح مؤهلا لإدارة مطاعم ماكدونالدز، علمًا أنه حاصل على شهادة بكالوريوس من الولايات المتحدة، لكن إدارة ماكدونالدز لم تعترف بهذه المؤهلات. ولا بد هنا من ذكر الرعيل الأول من العاملين في السياحة بالبحرين، ومن بينهم السيد محمد بوزيزي مثلاً، وأنا اعترف بقدراتهم وإبداعاتهم وكيف أصبحوا من دعائم السياحة في الخليج العربي ككل، وهم يمثلون قدوة لمن جاء بعدهم، خاصة وأن البحريني بطبيعته إنسان حضاري مثقف منفتح على الآخر، ويكون سعيدًا بالتعارف والترحيب وبناء العلاقات، وهذا ينعكس على عمله في قطاع الضيافة. - رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسِفِن القابضة
مشاركة :