ينطلق، اليوم السبت، تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي محمولا بصاروخ “أريان 5”. ومن المرتقب أن يستقرّ التلسكوب، الذي ينتظره علماء الفلك من العالم أجمع منذ 30 سنة، في مداره للمراقبة على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، لسبر أغوار الكون بتقنيات هي الأعلى دقّة على الإطلاق. وقد أُرجئ إطلاق “جيمس ويب” ثلاث مرات، كان آخرها الثلاثاء، وأعلنت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أن سبب التأجيل هو “سوء الأحوال الجوية” في مدينة كورو، مشيرة إلى أن “تاريخ الإطلاق الجديد هو 25 ديسمبر/كانون الأول”. والهدف المنشود من أداة المراقبة الفضائية هذه الأكثر دقّة في التاريخ هو الإضاءة على سؤالين يشغلان البشرية: “من أين نأتي؟” و”هل نحن لوحدنا في هذا الكون؟”. وتقضي الغاية منه أيضا بسبر أغوار ما يُعرف بـ “الفجر الكوني” عندما بدأت أولى المجرّات تضيء الكون منذ الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة. وهو سيتيح التعمّق في فهم كيفية تشكّل النجوم والمجرّات ومراقبة الكواكب خارج المنظومة الشمسية التي ما انفكّ العلماء يكتشفون المزيد منها، على أمل العثور على كواكب أخرى مؤاتية للحياة. وسيكون “جيمس ويب” على منوال التلسكوب “هابل” الذي أحدث ثورة في تقنيات مراقبة الفضاء واكتشف العلماء بفضله وجود ثقب أسود في قلب كلّ المجرّات أو بخار ماء حول الكواكب الخارجية، على سبيل التعداد. توطيد التعاون ووضعت وكالة الفضاء الأمريكية التصاميم الأولى للتلسكوب المعروف اختصارا بـ “جي دبليو اس تي” بعيد إطلاق “هابل” سنة 1990 وبدأ تشييده في 2004 بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية وتلك الكندية. ويتميّز هذا الجهاز على أكثر من صعيد. فمرآته البالغ طول باعها 6.5 أمتار تجعله أكثر قدرة على الاستشعار بسبع مرّات، ما يتيح له مثلا رصد الأثر الحراري لنحلة على القمر. ويتمايز “جيمس ويب” أيضا بتقنيته للمراقبة، فتلسكوب “هابل” يجري عمليات المراقبة في ميادين يكون فيها الضوء مرئيا. أما “جيمس ويب”، فهو يسبر موجات غير مرئية للعين المجرّدة من أشعة تحت حمراء متوسطة المدى وقريبة، وهو شعاع يصدر عن كلّ جسم فلكي أو نجم أو إنسان أو زهرة. والشرط الأساسي لحسن سير عمليات المراقبة في التلسكوب هو انخفاض الحرارة المحيطة به لدرجة لا تؤثّر على تتبّع الضوء. لكن عملية إطلاق هذا التلسكوب محفوفة بالصعوبات والتعقيدات. وقد وُضع التلسكوب “هابل” في المدار على علو يقرب من 600 كيلومتر فوق الأرض. لكن عند هذه المسافة، سيكون “جيمس ويب” غير صالح للاستخدام مع تسخينه من الشمس وانعكاسه على الأرض والقمر. وسيوضع التلسكوب في مكانه المحدد إثر رحلة تمتد شهرا لمسافة 1.5 مليون كيلومتر من الأرض. وسيحظى بحماية من الإشعاع الشمسي بفضل درع حرارية مكونة من خمسة أشرعة مرنة تبدد الحرارة وتخفض درجتها (وهي 80 درجة مئوية) إلى 233 درجة مئوية دون الصفر عند جهة التلسكوب. وقد اتخذت وكالة “ناسا” تدابير مشددة لتفادي أي أضرار قد تلحق بالتلسكوب الذي كلّف تطويره ما يقرب من عشرة مليارات دولار على مدى سنوات طويلة. وسيتسنّى للعالم بعد 27 دقيقة من الإطلاق معرفة إن كانت العملية سارت على خير ما يرام. ومن شأن نجاح العملية أن يوطّد الشراكات القائمة بين “ناسا” وشركائها الأوروبيين. وشدّد مسؤولون من “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية في مركز كورو الفضائي في جويانا الفرنسية على أهمية “التعاون الوطيد في مجال الفضاء لتحقيق إنجازات كبيرة”. لكن لا بدّ من الانتظار أسابيع عدّة لمعرفة إن كان التلسكوب قابلا للتشغيل ومن المزمع وضعه في الخدمة في يونيو/حزيران.
مشاركة :