عندما شاهدت والدتها إعلاناً عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن فتح باب التسجيل للتدريب على رحلة الهجن، طلبت من ابنتها المقيمة في دبي، الانضمام إلى تلك التدريبات لعيش تجربة الأجداد وتحقيق شغفها بحب التراث، فلم تتردد الفتاة السعودية مضاوي الأحمد، في تلبية رغبة والدتها التي كانت تريدها أن تكون سفيرة لتراث بلدها، لتقرر ابنة ل 22 عاماً، عيش مغامرة فريدة من نوعها، بانضمامها إلى تدريبات رحلة الهجن التي نظمها مركز "حمدان بن محمد لإحياء التراث" في دبي، ليتم اختيارها من بين أكثر من 300 متدرباً مشاركاً، لتكون مضاوي أصغر مشاركة تمثل بلدها السعودية ضمن 20 مشاركاً من جنسيات متفرقة، بينهم إماراتيين، وتتجشم عناء تدريبات استمرت قرابة 3 أشهر، قبل أن تخوض رحلة تراثية غنية بتفاصيل الإرث الشعبي الإماراتي. يوماً وسط الكثبان الرملية لتنطلق الفتاة السعودية ورفقائها على ظهر المطايا من منطقة ليوا في الصحراء الغربية في 9 ديسمبر، لتعبر محطات عديدة أبرزها أم الحصن، عرادة، بطين، لتستمر مسيرتها 12 يوماً، قطعت فيها مضاوي نحو مسافة 640 كلم على ظهر ناقتها. كانت القافلة حسب مضاوي تسير وفق جدول زمني منذ الصباح الباكر حتى مغيب الشمس، متحدية تقلبات التضاريس وسط الكثبان الرميلة، من دون أن تستهين بحجم الصعوبات والعثرات التي رافقتها. هذه فصول قصتي مع الهجن وعلى الرغم من إن مشاركة مضاوي لم يكن مخطط لها، إلا إنها وصفتها بأنها أروع مغامرة في حياتها، خصوصا إنها المرة الاولى التي تمتطي الهجن، لكنها تعلمت الكثير من المهارات في قوة الثبات والسيطرة على توزان الجسم أثناء قيادة الإبل في الكثبان الرملية. وتسرد مضاوي أثناء حديثها مع "العربية.نت" فصول مغامرتها في قافلة رحلة الهجن الإماراتية، فتقول: "أجمل ما في قصتي، إنني ولدت من جديد وسط الصحراء، عشت حياة الماضي في القرن الواحد والعشرين، ووجدتني داخل حقبة قديمة بعيدا عن صخب المدينة وإيقاع الحياة المعاصر"، مضيفة: "كم هو رائع أن يعود الإنسان إلى البدايات الأولى، ليستكشف جوهر حضارته وقيم أجداده الأولين، ويبرمج يومياته على نمط عيش بدائي، ليجد نفسه محاطا بمجموعة أشخاص من مختلف الأجناس والأعراق يشكلون بالنسبة له بديلاً موازياً عن عائلته، يشاركونه خبز ثقافته وزاد قيمه، الجميع متساوون في بساطة الملبس، كل شخص يمتطي ناقة، وينام في خيمة، لكنهم يجتمعون على صحن واحد، ويسيرون ضمن قافلة واحدة نحو وجهة محددة". فسحة ملهمة بعيدة عن الضجيج وتشير مضاوي: "من الجميل أن يأخذ المرء استراحة ملهمة من ضجيج الحياة ويتخلى عن سلوكياته اليومية الروتينية، يهجر هاتفه المتحرك وينقطع عن العالم الذي يشوش ذهنه ويشغل أفكاره، ليعيش 12 يوماً مع رفقاء الدرب في الصحراء، ليجرب مدى قدرته على التعايش مع أجواء تراثية كان يعيشها أجداده الأوائل، ويجرب نمط عيشهم بكل ما كانوا يملكونه من أدوات تنقل وأكل ومبيت وسلوكيات اجتماعية، لطالما نفتقدها في مظاهر تواصلنا اليوم". وتقول مضاوي: "تواصلت مع أكثر من 20 جنسية وثقافة، تبادلنا قصصاً وحكايات حملت رسالة تسامح وتعايش، كنا نكتشف في أحاديثنا تناغماً وجدانياً وإنسانياً"، معتبرة إن جوهر التواصل الحقيقي يكمن في الاختلاف، ولفتت بالقول: "واجهت مشقة في وعورة التضاريس وقسوة الجغرافيا، فقد قطعنا مسافة 640 كيلومترا، متحديين تقلبات الجو، والطريق وكنا نخشى على الإبل أثناء قيادتها من التعثر أو السقوط وسط الكثبان الرملية، حيث فوجئنا في أحد الأيام، بأن أحد البعير أغميّ عليه من شدة التعب، ثم قمنا بصبّ قليل من الماء البارد على رأسه، فاستعاد عافيته ليواصل الرحلة بنشاطه المعتاد". هذا المشهد ذكرني بأهلي في السعودية ولا تخفي مضاوي، حنينها إلى الأهل، فتقول: "كانت هناك الكثير من المشاهد في الرحلة ذكرتني بالأهل، فعندما استضافنا أحد الأشخاص في منطقة العين، قدم لنا سفرة من عناصر الضيافة العربية الأصيلة التي وجدت فيها تشابها كبيراً مع أكلاتنا الشعبية في السعودية وكذلك في طريقة إعدادها وتقديمها". من مباهج التطور الحضاري لصفحات الماضي الأولى تعتبر مضاوي إن أكبر استفادة من الرحلة، تتجلى في علاقة الإنسان بالتراث، مفيدة الى إنه مهما سمعنا عن التراث السعودي والخليجي من خلال قصص الجدات أو البرامج والكتب والصور ، فإن ذلك لا يغني عن عيش تجربة حية مع الإبل، للعودة إلى صفحات الماضي الأولى قبل أن تشغلنا مباهج التطور ومظاهر الحضارة عن قيمنا السالفة وموروثاتنا المتأصلة في جذور هويتنا العربية. أسرة واحدة في الصحراء لم تفوت مضاوي في نسج صداقات مع كثير من المشاركين التي تعتبرهم أسرة واحدة، وتضيف: "لقد أمضينا 12 يوماً مليئاً بالإثارة والبهجة، كان جدول يومنا يبدأ في الصباح مع أول شروق الشمس، وبعد أن نتناول الإفطار، ونستمتع بمشاهدة المناظر الخلابة، نشد الخيام والشداد للترحال إلى وجهة أخرى"، وتستأنف: "كنا نمشي نحو 50 كيلومترا في اليوم الواحد، حاملين زادنا من ماء وغذاء، وعندما يستبد بنا التعب عند الظهيرة، نستظل تحت أفياء لأخذ قسط من الراحة". هكذا أبهرت زوار إكسبو دبي وهي حاملة علم بلادها وفي مشهد فريد من نوعه، تفاجئ زوار المعرض العالمي بدخول قافلة رحلة الهجن بنسختها الثامنة إلى أرض إكسبو دبي 2020، بقيادة عبدالله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز "حمدان بن محمد لإحياء التراث"، رفقة أكثر من 20 مشاركاً من دول مختلفة، لتعبر عن جوهر الثقافة الإماراتية في تقديم رسالة تسامح وتعايش من خلال التراث والموروث، لتجد مضاوي الوقت مثالياً لتقديم تحية خاصة لزوار المعرض العالمي، مبدية براعتها ومهاراتها في الوقوف بثبات على ظهر الناقة، بينما ترفع علم بلدها السعودية.
مشاركة :