شارع المتنبي الرئة الثقافية لبغداد يفتتح بحلّة جديدة |

  • 12/27/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

افتتح السبت شارع المتنبي في بغداد المشهور بمكتباته بعد إعادة ترميم خضع لها، تتيح لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة البعض من مجده السابق. ويعجّ الشارع عادةً أيام الجمعة بالرواد، وخاصة الطلاب والشباب وفناني ومثقفي الجيل السابق. أطلق على الشارع التاريخي في عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي (915 – 965 م) الذي ولد في عهد الدولة العباسية. على طول الشارع الذي رصف من جديد نظّفت واجهات المحلات المبنية بالطوب وطليت، كما الشرفات الصغيرة الحديدية المزخرفة والأعمدة المتراصة. وعلّقت ألواح خشبية صغيرة متطابقة، تحمل أسماء المتاجر، على مداخل هذه المحلات. وزين الشارع -الواقع على ضفاف نهر دجلة بعد إعادة تأهيله بالكامل- بشجرة كبيرة لعيد ميلاد السيد المسيح الذي صادف ليلة السبت، كما تم تأهيل واجهات المحال المنتشرة على جانبيه، وكذلك شرفات الأبنية الواقعة على امتداده. وفتحت متاجر قليلة أبوابها، فيما علت أصوات الأغاني العراقية من مكبرات الصوت في الشارع وسط الأجواء الاحتفالية. وتجوّل الزوار الذين سمحت لهم القوات الأمنية المنتشرة في المكان بعبور الشارع، حاملين هواتفهم الجوالة لتصوير الاحتفال. يدخل أحد الزوار مكتبةً ويسأل عن كتاب “مذكرات تحية عبدالناصر”، زوجة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر. ويرتاد زهير الجزائري البالغ من العمر 75 عاماً “هذا الشارع منذ الستينات”، كما يقول، مضيفاً “إنه شارع مهم جداً بتاريخ العراق، منذ العهد العثماني… وتوج الملك فيصل على مسافة قريبة من هنا”. ويضيف “شعرت بإحساس جميل بأن هذه أول بقعة أصبحت بقعة جميلة وسط بغداد، وشعرت بالفرق بينها وبين الشوارع الأخرى وأتمنى أن يشمل التجديد شارع الرشيد” المحاذي أيضاً. وعلى ضفاف دجلة عزفت فرقة موسيقية الألحان العراقية التقليدية بالعود والدفّ والغيتار والبيانو، فيما ارتفعت الألعاب النارية في السماء. واستغرقت إعادة ترميم الشارع أشهراً بعدما جرى تكسير أرصفته وبات ممتلئاً بالحصي والرمال التي كان المارة يضطرون إلى العبور فوقها. ويبلغ طول الشارع نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، يتقدّمه تمثال كبير للمتنبي، وينتهي بنصب خطّ عليه بيت من أبيات قصائده الشهيرة. وفي المكتبات والأكشاك التي يعجّ بها الشارع يمكن للزائر أن يجد مجموعة متنوعة من الكتب الحديثة باللغة الإنجليزية أو العربية أو الفرنسية، والكتب الجامعية والمدرسية، وحتى الإصدارات القديمة والنادرة، وهي مختلطة ومكدسة فوق بعضها البعض. Thumbnail وتتفرّد بغداد بشارع المتنبي الشهير منذ إنشائه خلال العصر العباسي تحت اسم سوق الورّاقين، فهو يعدّ إلى غاية اليوم سوقا مزدهرة بالكتب، إذ يعجّ بالمئات من المكتبات التي تعرض آلاف العناوين والإصدارات وحتى المخطوطات النفيسة، فضلا عن باعة الأرصفة، حيث يفترش أصحابها آلاف الكتب الحديثة والنادرة، بالإضافة إلى ما تحتضنه المنطقة من معارض فنية ومجالس ومنتديات ثقافية ومنابر للرأي في ساحات الشارع ومقاهيه. يقول الحاج محمد الخشالي، صاحب مقهى الشابندر الشهير، “تغيّرت أسماء هذا الشارع أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية (132 – 656 للهجرة)، فقد بدأ بدرب القلغ وسوق السراي وشارع حسن باشا، وتعود تسميته بحسن باشا إلى كون هذا القائد العثماني فتحه أوّل مرّة ليكون مسلكا يذهب من خلاله إلى جامع السراي. وفي زمن العثمانيين تحوّل اسمه إلى ‘الأكمك خانة’، إلى أن سمّاه الملك غازي عام 1932 باسمه الحالي شارع المتنبي”. وأوضح الخشالي أنّ هذا الشارع “كان يضمّ العديد من العيادات الطبية ومحال الأدوات المنزلية والبقالة، ولكن في عام 1955 -وبسبب انتعاش الحركة التجارية- تحوّل بيع الكتب من السراي إلى المتنبي، وهدمت كل المحال القديمة لتحل محلها عمارات ومطابع ومحلات لبيع الكتب”. وتعرّض هذا الشارع الذي ينبض اليوم بالحياة في الخامس من مارس 2007 لتفجير انتحاري بشاحنة أدى إلى مقتل 30 شخصاً وإصابة 60 بجروح. وفقد محمد عدنان والده في هذا التفجير، وها هو اليوم لا يزال يعمل في المكتبة التي ورثها عنه. ويقول “أنا تربيت هنا منذ أن كان عمري سبع سنوات، منذ عام 2000 وأنا آتي إلى هنا. إحساس جميل أن نرى شارعنا بحلة جديدة، وتمنيت لو أن من ماتوا كانوا هنا ليروه كذلك”. ودمّر التفجير المحلات القديمة التاريخية من بينها مقهى الشابندر، وقتل أبناء مالكه الخمسة. وصورهم معلّقة اليوم عند مدخل المقهى. وفي 2008 أعيد افتتاح شارع المتنبي بعد إعادة إعماره وإضافة رمزه التاريخي، الشاعر أبي الطيّب المتنبي، عبر إقامة نصب جديد له من البرونز بمحاذاة نهر دجلة. كما قامت محافظة بغداد بإعادة تأسيس المركز الثقافي البغدادي المقابل لمبنى القشلة، ليضمّ عدة قاعات تحمل أسماء أعلام العراق وفنانيه، وخصّصت للندوات الثقافية والمنتديات الشعرية والمهرجانات والمعارض الفنية المختلفة. على امتداد الشارع بمحاذاة دجلة اختزن تاريخ تسعة قرون وتحوّلاتها بين مكتباته وأزقته ومطابعه، رغم تبدّل العهود وتعاقب الحكومات. سمّاه العبّاسيون “درب زاخا” وهي مفردة آرامية الأصل. وسمّاه السلاجقة “شارع الموفقية”، نسبة إلى مدرسة الموفقية الكائنة فيه وقتها. بينما أطلق عليه العثمانيون اسم “الأكمكخانة” أي شارع المخابز العسكرية لوجود تلك المخابز مقابل المعسكر التركي وقتئذ، ليترسخ منذ قرابة القرن باسمه الجديد ووظيفته الحيوية كرئة بغداد الثقافية.

مشاركة :