يتواصل إلى غاية الثالث والعشرين من يناير القادم برواق الفن المعاصر محمد الدريسي بمدينة طنجة المغربية معرض “حلم في غابة رائعة” للفنان التشكيلي إلياس سلفاتي. معرض يتميّز بقوة مواضيعه الطبيعية، حيث يشتغل الفنان المغربي على الحيوانات والطبيعة في وضعيات مختلفة، وعلى الإنسان في وضعيات تراجيدية بما فيها الحرب، المعاناة والموت، كما يتناول في لوحاته الإنسان وصراعاته من خلال رسومات وألوان داكنة وألوان حية، الأمر الذي يجعل منه منفتحا على العالم ومنتقدا لما يجري حوله بكل شفافية وعفوية. حيوانات برية وأزهار ربيعية ولطخات لونية، قد تكون من لون واحد أو بأكثر من لون، في انسيابية شفيفة تترك المجال فسيحا لبياض القماشة، بياض يكاد يكون جزءا من اللوحة، أو هو اللوحة ذاتها، التي تودّ أن تقول بالتصريح قبل التلميح “كفانا عبثا بهذه الأرض التي تضمنا جميعا، كفانا هدرا لطاقاتها وإفسادا لبيئتها، ولنسع، ولو لمرة واحدة، للاحتفاء بالجميل فيها كاسرين حدود الجغرافيا التي تفرقنا متمسكّين بمبادئ العيش المشترك الذي يجمعنا، فكونوا على موعد مع نداء التسامح والتعايش والسلم والسلام في أرض سلفاتي الاستثنائية”. وضمن هذا المنحى الحالم بأرض أكثر حميمية بألوانها الطبيعية البكر قبل أن تعبث بها معاول التخريب والحروب والتهجير، تقول الناقدة الفنية ماري ديباريس - يافيل في تقديمها للمعرض “الغابة، منزله وملجأه، وموقع هروبه، أضحت مرة أخرى في صميم عنوان المعرض الشخصي الذي خصّصه رواق محمد الدريسي للفنان ابن طنجة إلياس سلفاتي”. وتابعت “التخيلات والتصوّرات هي الوعود التي يحملها هذا المعرض الفني، وهو عنوان مميّز قد يبدو غير مناسب، عندما يفكّر المرء في الوضع الذي يغرق فيه عالم اليوم”. وقالت يافيل التي تتابع أعمال الفنان الطنجاوي منذ سنوات طويلة “هذا النداء إلى الغابة، هو نداء لمكان حيوي بارز، صامت وهادئ في وقت واحد، لتمثلاتها ونظامها الإيكولوجي وحيواناتها، في تعبيرات تكون أحيانا عضوية، وأحيانا بسيطة، إلى شظاياها، إلى بدائيتها”، مشيرة إلى أن هذا الحضور القويّ الذي رافق حياة سلفاتي الشخصية والفنية لفترة طويلة يمكن أن يُعيد النداء مرة أخرى للعثور على “صباحه الداخلي”. ومع ذلك تؤكّد الناقدة الفنية أن “طريقة تفكير وفن سلفاتي منفصلان عن أي حنين، وهو ما يمكن أن يعيده إلى الأذهان وإلى المواد البصرية التي لا تنضب من الغابة”. وتعتمد تشخيصات سلفاتي على تعابير غير معتادة يحاول فيها طرح وجهة نظره بخصوص قضايا إنسانية آنية مختلفة ومعقدة، منها قضايا التعايش والتسامح والهجرة والسلم والسلام، في مقابل قضايا بارزة تتعلق بالحرب والتمييز والشهرة الزائفة والتطوّر الاقتصادي الذي لا يرحم الإنسان. وقال إلياس سلفاتي أن الثيمات التي تتطرّق لها اللوحات والمجسمات المقدّمة أمام الزائر لمعرضه الجديد “هي صيحة كل إنسان تواق إلى الحرية وتغيير واقعه البيئي والحياتي في هذا العالم، وهي أيضا نداء مجتمعي ضد التهميش والإقصاء والعنصرية والحد من حرية التنقل والتعبير”. ويُضيف “ما يتضمنه المعرض من لوحات هو جزء بسيط من أعمالي العديدة التي أستلهمها من الواقع المعيش، وكذلك من تجاربي العديدة التي عشتها في بعض البلدان الأوروبية والأميركية، وهي تراكم حياتي لسنين عديدة لامست فيها الاحتكاك مع مختلف الأجناس، رغم أن مشاعر وأحاسيس الناس هي واحدة حتى وإن اختلفت الأزمنة والأمكنة”. وقال المدير الجهوي لوزارة الثقافة المغربية لجهة طنجة - تطوان - الحسيمة، كمال بن الليمون إن استقطاب أسماء فنية مغربية وأجنبية مرموقة ينسجم والدور الذي عرفت به مدينة طنجة، المدينة التي احتضنت الكثير من الشخصيات الفنية المتميّزة، وكانت حضنا دافئا لمشاهير الفن التشكيلي والأدب والغناء والإبداع بمختلف تلويناته، وتشكّل نموذجا للتعايش والتآخي والتسامح والتقارب. وأبرز بن الليمون أن التنشيط الثقافي الذي تعرفه جهة طنجة - تطوان - الحسيمة، والحضور المستمر لمختلف المبدعين على اختلاف اهتماماتهم الثقافية يعكس السمعة التي راكمتها مدينة طنجة في المجال الثقافي لتكون بمثابة الرابط الحضاري بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها. وولد إلياس سلفاتي عام 1967 في طنجة، وتخرّج في مدرسة الفنون الجميلة بتطوان عام 1991 وتكوّن على تقنيات الحفر في مدرسة الفنون الجميلة بمدريد (1992-1994). وتابع مساره التكويني والإبداعي مستلهما طاقاته الفنية داخل المغرب وخارجه في كل من مدريد وباريس ونيويورك، حيث التقى بكبريات نساء وكبار رجال الفن العالمي، مستفيدا منهم ومن مختلف التجارب العالمية بكل انفتاح. وفي الوقت نفسه تلقى دروسا في السيريغرافيا (الرسم والطباعة على الزجاج أو السيراميك) في مدرسة فنون الغرافيك بمدريد عام 1993، وشارك في العديد من ورش الحفر بتطوان والرسم بأصيلة ولوس أنجلس ومدريد، كما نال العديد من الجوائز في إسبانيا وبلجيكا، وساهم في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل المغرب وخارجه، كما توجد أعماله الفنية ضمن مجموعات خاصة وعامة ومتاحف مغربية وأجنبية. ويعود تاريخ المعرض الفردي الأول لسلفاتي الذي يقيم حاليا بين مدريد وباريس وطنجة، إلى العام 1987 بمدينة طنجة التي نشأ وتعلّم فيها أبجديات الرسم والنحت، قبل أن يتنقّل في عدد من العواصم العالمية مثريا تجربته التشكيلية التي يجمع فيها بين ثقافتي الشرق والغرب بمفردات مغربية أصيلة.
مشاركة :