العنف والطلاق يعمّقان عزوف الشباب المغربي عن الزواج | محمد ماموني العلوي

  • 12/27/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انعكست التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي يعرفها المجتمع المغربي على نسبة إقبال الشباب على الزواج، حيث كشفت بعض الأرقام والمعطيات أن هذه التغيرات فاقمت -ولا تزال تفاقم- ظاهرة العزوف عن الزواج وتكوين أسرة بسبب البطالة وغلاء المعيشة ومتطلبات الحياة اليومية التي لا تمكن الشاب من تغطية تكاليف الزواج. وأعلنت وزارة العدل العام الماضي عن 114 ألف حالة طلاق من بين 300 ألف زيجة، ما يعطي الشباب صورة غير مرضية عن الحياة الزوجية. كما كشف آخر تقرير للمرصد الوطني للتنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن انتقال نسبة عزوف الشباب المغربي عن الزواج من 42 في المئة عام 2011 إلى 70 في المئة عام 2019. ويعتقد أنه في ظل تفشي الطلاق وارتباط الزواج بجملة من المسؤوليات التي تحد الطموح المهني للشاب والفتاة لم يعد حلم الزواج يداعب خيال نسبة كبيرة من الشباب المغاربة، إلى درجة أن العزوبية تحولت إلى خيار حياتي لا يقبل هؤلاء التضحية به. وأكد احساين المأمون، عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، أن أهم الأسباب الكامنة وراء عزوف الشباب عن الزواج صعوبة الحصول على شغل قار خاصة بعد المشاكل الناتجة عن جائحة كورونا وارتفاع تكاليف الحياة، كما ساهمت التكنولوجيا والإبحار اليومي في العالم الافتراضي في خلق سلوكيات غريبة منها حب الاستقلالية وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية ووجود علاقات خارج إطار الزواج. احساين المأمون: تغير ذهنيات الشباب المغاربة من أسباب عزوفهم عن الزواج وأوضح المأمون، في تصريح لـ”العرب”، أن “اجتماع عدة أسباب واعتبارات جعل هذا الرباط المقدس بعيدا عن أولويات الشباب، على غرار انعدام الإمكانيات المادية، وهي حجة معظم العازفين عن الزواج. وعلى الرغم مما لهذا الجانب من أهمية إلا أنه غير كاف لتثبيط عزيمة الراغب حقيقة في تكوين أسرة”. ورجح المأمون أن يكون السبب الأساسي لشيوع ظاهرة اختيار العزوبية وتأخر سن الزواج تغير ذهنيات الشباب في المغرب وتأثرهم بقصص الطلاق والعنف الزوجي. وطرحت ناشطات في منظمات نسائية أهمية تشجيع أنظمة الدعم الأسري، خاصة في المراحل الأولى من الزواج، وذلك للحد من مشكلة إيصال القضايا الأسرية سريعا إلى المحاكم، مع ضرورة تعليم الأبناء كيفية التعامل مع شركائهم لحل قضاياهم والمشكلات الأسرية داخليا. ويرى مختصون في العلوم الاجتماعية أن غياب الاستقرار المهني، ضمن ضغوطات اجتماعية واقتصادية أخرى يواجهها الشباب، تحول دون قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية، موردين أن تخوفات الشباب من التبعات القضائية المترتبة على الطلاق أحد الأسباب التي تؤدي إلى العزوف عن الزواج. كما أن العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج التي أصبحت متاحة بطرق مختلفة وفي تحايل على القانون، جعلت الشباب يتقاعسون عن تحمل أعباء ومسؤولية بناء أسرة، فضلا عن أن الوضع السوسيواقتصادي والتزايد المضطرد للضغوطات التي تتعرض لها الأسر والتي تساهم في الكثير من حالات الطلاق لا يشجعان الشباب على الزواج. وقالت المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء) إن معدل البطالة خلال الربع الثاني الماضي ارتفع عن 12.3 في المئة، كما بلغت بطالة الشباب في سن 15 – 24 عاما نسبة 30.8 في المئة، وسبق لهذه المؤسسة أن أنجزت تقرير “السكان والتنمية” الذي أكد أن حوالي 35 في المئة من المغربيات -أي أكثر من الثلث- دون زواج، وأن حوالي 24 في المئة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة لم يسبق لهن الزواج. وجاء في التقرير الذي صدر قبل عامين أن النساء المغربيات في عهد الاستقلال كن يتزوجن في المتوسط في عمر 17 سنة، والرجال في عمر 24 سنة. وأظهر تقرير أعده المرصد الوطني للتنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بعنوان “أن تكون شابا في المغرب خلال الوقت الحالي”، أن الشباب هم الأكثر تعرضا للأزمة الحالية وإحدى الفئات الاجتماعية في المغرب التي تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية. وحذرت بشرى توفيق، مديرة المعهد الوطني للعمل الاجتماعي التابع لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في المغرب، من تأثير الزواج المتأخر على التنمية البشرية، مؤكدة أن “تأخر عمر الزواج وارتفاع القيم الفردية في مجتمعاتنا سيؤديان في نهاية المطاف إلى مجتمع تنخفض فيه نسبة الشباب، وتزيد نسبة الشيخوخة”، مقترحة مواكبة سرعة التغيرات الحاصلة لردم هذه الفجوة ولإبقاء المجتمع شابا وحيويا. وشدد خبراء في العلوم الاجتماعية على أن موضوع التأخر في بناء الأسرة المغربية مرتبط بنظرة هؤلاء لمؤسسة الزواج ومحاولتهم في مرحلة أولى تحقيق طموحاتهم المادية والتمهل في إيجاد الشريك المناسب. وأكد جواد (موظف في مؤسسة تعليم خاصة بفاس، ويبلغ من العمر 30 سنة) أن سبب تأخره في الإقدام على الزواج هو أن الراتب الذي يتقاضاه لا يؤهله لبناء مسكن والعناية بأسرة في الوقت الحالي، موردا في تصريح لـ”العرب”، أنه لا يتفق مع من يريد زوجة لا تشتغل، فالتحولات التي طرأت على المجتمع تفرض شريكين متعاونين حتى يستطيعا العيش في مستوى مقبول وكريم. في المقابل أكدت سميرة (نادلة في أحد المقاهي وتبلغ من العمر 27 عاما) أن هناك شبابا يريدون الزواج منها لكن يفرضون عليها التخلي عن هذا العمل، مشيرة إلى أنها ترفض هذا الاقتراح لأنه لا يوائم تطلعاتها في تكوين أسرة بحد أدنى من المشاكل التي تنتج عن الأسباب المادية. وقال عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية إنه يمكن اليوم الحديث عن شبان وشابات يعانون مما يسمى “فوبيا الزواج”، وهو ما يجعلهم يرون الزواج جحيما وتجربة قد تخلف لهم صدمة أو تدخلهم في مسؤوليات هم في غنى عنها. ولاحظ أن هناك أستاذات جامعيات وطبيبات ماكثات في البيت تجاوزن سن الـ40 ولكنهن يرفضن الزواج ويبحثن عن العلاج النفسي للتخلص من ثقل نظرة المجتمع القاسية واللوم والعتاب من محيط العائلة. ودعا التقرير الذي أعده خبراء المرصد الوطني للتنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى ضرورة إعادة النظر في الأولويات الاجتماعية والاقتصادية للمغرب في ضوء الصدمة الاقتصادية والصحية وتحديد العوائق المحتملة أمام تنميته في المستقبل. وفي هذا الإطار ستقوم المندوبية السامية للتخطيط، مطلع السنة المقبلة، بإنجاز ثاني بحث وطني حول العائلة، وبتشخيص مفصل للعائلة المغربية المعاصرة وآليات تكيفها وتطلعاتها الجديدة وشبكاتها الأسرية لمواجهة التحولات الاجتماعية والديمغرافية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، من أجل توجيه السياسات العمومية في مجال مؤسسة العائلة. وحسب معطيات حصلت عليها “العرب” سيقوم البحث بدراسة مسارات شبكات مؤسسة الزواج وتقييم الشرائح العائلية من حيث الأمن والتضامن العائلي والتضامن بين الأجيال، وكذلك دراسة عملية تكوين وتفتت وإعادة تكوين الأسر والعائلات في ارتباط بالسلوكيات الديمغرافية للسكان المغاربة.

مشاركة :