ضرب الإرهاب مجدداً قلب العاصمة الفرنسية باريس، في هجمات هي الأعنف في تاريخها وفي تاريخ أوروبا في السنوات الـ40 الأخيرة، الجديد فيها أنها جاءت عمليات منظمة ومتزامنة، وكانت بعضها انتحارية، وهي الأولى التي تنفذ على التراب الفرنسي، كان الهدف من ورائها إيقاع أكبر قدر من الضحايا، وإدخال الذعر في قلوب الفرنسيين الذين صار الإرهاب من مفاهيمهم اليومية منذ اعتداءات باريس الأخيرة، باستهدافها نظام حياتهم، والاعتداء على مرافق ترفيهية يرتادون عليها نهاية كل أسبوع. ضربة قوية وتعد هذه الهجمات ضربة قوية لفرنسا التي تشارك في جبهات متعددة في الحرب ضد الإرهاب في الخارج، حيث تشارك منذ الـ27 من شهر سبتمبر الماضي في الحرب ضد تنظيم داعش في سوريا، قامت خلالها بعمليات تصفية للعديد من الإرهابيين الفرنسيين الذين ذهبوا للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي، أو للتدرب والعودة بعدها لتنفيذ هجمات على التراب الفرنسي والأوروبي، كما تشارك في الحرب ضد التنظيم ذاته إلى جانب قوات التحالف الدولي في العراق، وقادت في السنتين الأخيرتين حرباً في مالي ضد الحركات المتشددة في منطقة الساحل. كما تعد كذلك ضربة قوية لأجهزة الأمن الفرنسية التي عجزت مرة أخرى عن تفادي حدوث هجوم إرهابي هو الأكثر دموية في تاريخها ضرب قلب عاصمتها بسهولة، برغم الإجراءات الأمنية الخاصة التي اتخذتها منذ يناير الماضي، في إطار خطة مكافحة الإرهاب فيجي بيرات التي رفعت درجة التأهب فيها إلى الدرجة القصوى، إضافة إلى القوانين التي سنتها، أهمها قانون الاستخبارات الذي تبنته شهر مايو الماضي، وأعطى صلاحيات أكبر لأجهزة الاستخبارات، وعزز وسائل عمل أجهزتها. حيث صار يمكنها التسلل ومراقبة الإرهابيين المحتملين بموجب تراخيص إدارية، دون الحاجة إلى المرور عبر القضاء، واعتماد تكنولوجيات جديدة، كوضع ميكروفونات وكاميرات في أي مكان يرونه ضرورياً، وتبني برمجيات تجسس، تتولى دون علم المستخدم تسجيل كل ما يطبع من خلال لوحة مفاتيح حاسوبية. من المستهدف؟ لم تكشف بعد التحقيقات التي كُلفت بها شرطة مكافحة الإرهاب إن كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي كان حاضراً بملعب ستاد دو فرانس لمتابعة المباراة الودية لكرة القدم التي كانت تجمع فرنسا مع ألمانيا هو المستهدف من وراء العملية الانتحارية الذي نفذت بالقرب من الملعب. لكن تفيد كل القراءات السياسية أن هذه الاعتداءات تعد ضربة قوية لهولاند من الناحية السياسية، لأنه يتكبد ثاني هجوم دموي في أقل من عام، وفشلاً لسياسته في مجال محاربة الإرهاب في الداخل، وهذا قبل أقل من شهر من انتخابات مجالس المناطق المزمع إجراء دورتها الأولى في السادس من الشهر المقبل. وقبل أسبوعين فقط من مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي ستحتضنه باريس اعتباراً من 30 من نوفمبر الجاري، ومن المنتظر أن يحضره عدد من زعماء العالم، يتقدمهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأعطاه هولاند الأولوية والأهمية القصوى. توقعات وترجيحات منذ اعتداءات باريس في يناير الماضي، كل المؤشرات كانت تشير إلى أن فرنسا كانت تنتظر هجمات إرهابية دموية، أذكتها التهديدات المباشرة للتنظيمات المتشددة في العالم، وفي مقدمتها تنظيم داعش، بدعوته مناصريه إلى شن هجمات وتنفيذ عمليات انتحارية على التراب الفرنسي. وتمكنت السلطات الفرنسية، خلال الأشهر العشرة الأخيرة، من إحباط هجمات ومخططات إرهابية، كان آخرها إحباطها عملية تستهدف عسكريين فرنسيين بمدينة تولون الواقعة على البحر الأبيض المتوسط التي تضم أكبر قاعدة بحرية فرنسية. كما تفادت كذلك، في 25 أغسطس الماضي، حمام دم على قطار تاليس الذي كان متوجهاً من أمستردام إلى باريس، وأراد خلاله فرنسي، ينتمي إلى تنظيم داعش كان لديه ما يكفي من الأسلحة والذخائر، ارتكاب مجزرة فعلية.
مشاركة :