يختلف سعي الجسم لتجديد خلاياه نتيجة لظروف وتغيرات كثيرة، تبدأ معظم التغيرات في التأثير السلبي في الجسم بعد تجاوز سن الأربعين، ويظهر انعكاسها المرضي واضحاً بعد الخمسين، إلا أن لكل قاعدة شواذ، ولكل مشكلة حل، وإذا كان ترقق العظام أو هشاشتها من عوارض تقدم السن، إلا أن التغلب عليه سهل، ولكن المهم اكتشافه قبل فوات الأوان. الهشاشة حالة تصيب العظام فتصبح ضعيفة ورقيقة نتيجة تراجع الكثافة العظمية، وتتغير بنيتها، ما يجعلها عرضة للكسور، وتصيب الجنسين مع تقدم العمر- الرجال (واحد من بين كل ست) والنساء (واحدة من بين كل اثنتين) - وفي الأغلب منذ منتصف الثلاثينات لعدم مقدرة الجسم على تجديد الأنسجة العظمية كما كان في السابق، وكشف مؤتمر الطب الباطني الأخير الذي عقد بأبوظبي عن أن 20% من سكان الإمارات يعانونها. تتسم هذه الحالة المرضية بأنها صامتة لعدم ظهور أعراض، حتى إن الشخص الذي يعانيها لا يعلم بذلك إلا بعد تعرضه للكسر بعد سقوطه أو نحو ذلك، وفي الأغلب تحدث الكسور بالعمود الفقري، أو رسغ اليد، أوعظم الفخذ، وتترتب على كسور العمود الفقري وعظم الفخذ تبعات طويلة الأمد مثل الإعاقة وأحياناً الوفاة، لذلك أصبحت الوقاية من التعرض للكسور الهدف الأول في تلك المرحلة العمرية، ومحاولة وقاية العظام من الهشاشة قبل حدوثها فهو الحل الأمثل لتلافي الكسور، حيث يقوم الجسم بالتخلص من أنسجة العظم البالية وهو ما يعرف بعملية ارتشاف العظام، وتحل محلها أنسجة جديدة ما يعرف بـتكوين العظام، وعند منتصف الثلاثينات تبدأ العظام لدى أغلبية الناس بإبطاء عملية تكوين العظام لذلك تحدث الهشاشة. توجد بعض العوامل التي تزيد من قابلية الإصابة بهشاشة العظام، ويمكن التدخل للحد من بعض تلك العوامل مثل: تدني معدلات بعض الهرمونات الجنسية مثل هرمون الإستروجين لدى النساء بعد انقطاع الطمث في مرحلة سن اليأس - سوء التغذية وفقدان الشهية أو الشره المرضي- التدخين - الكحول - تدني معدلات الكالسيوم وفيتامين د - قلة النشاط البدني - استخدام بعض العلاجات مثل علاج الغدة الدرقية، والهيبارين المستخدم لعلاج تجلط الدم، وعلاج التهاب المفاصل والحساسية، والعلاجات التي تؤثر في الهرمونات الجنسية مثل علاجات سرطان الثدي وسرطان البروستاتا، وأمراض الغدد الصماء التي تؤثر في إفراز الهرمونات مثل أمراض الغدة الدرقية ومرض كوشينغ وغيرها وكذلك التهاب المفاصل مثل الالتهاب الروماتويدي والتهاب الفقار اللاصق. أما العوامل التي لا يمكن التدخل فيها فهي، تقدم العمر خصوصاً بعد الـ 50 (عادة تبدأ الهشاشة منذ منتصف الثلاثينات) - البنية العظمية الرقيقة بطبيعتها - العامل الوراثي (هشاشة العظام عند أحد الوالدين أو الأشقاء). يتم تشخيص هشاشة العظام بإجراء فحص بسيط لكثافة المعادن في العظام وهو فحص كتلة العظم في منطقة محددة ويسمى اختصاراً BMD، ويجرى على أجزاء متفرقة من الجسم مثل العمود الفقري والفخذ (منطقة عنق الفخذ)، وحالياً يعتبر فحص امتصاص الأشعة السينية مزدوجة الطاقة والتي تسمى اختصاراًdex-uh الفحص الأدق، وهو فحص سريع غير مؤلم شبيه بالأشعة السينية وبالرغم من أنه أقل إشعاعاً إلا أن النساء الحوامل لا ينصحن بإجرائه للحفاظ على الجنين. يتم معالجة هشاشة العظام بواسطة بعض العلاجات مثل: * الكالسيوم: التأكد من تناول الكمية الكافية من الكالسيوم من خلال النظام الغذائي اليومي، ويحتاج المريض أحياناً إلى دعمه بالمكملات الغذائية، وما تنصح به المؤسسة الوطنية لهشاشة العظام بأمريكا هو 1,000 ملجم يومياً للبالغين عموماً، و1,200 ملجم للنساء فوق عمر 50 وللرجال فوق عمر 70. * فيتامين د: يرتبط امتصاص الجسم للكالسيوم بفيتامين د، لذلك يجب تناول القدر الكافي منه وما ينصح به 400-800 وحدة يومياً للبالغين دون 50 عاماً، و800-1,000 وحدة للكبار فوق 50 عاماً، وربما يحتاج الشخص إلى جرعات تختلف على حسب معدلات الفيتامين بالدم. * بايفوسفونيت: تسمى كذلك مصادات الارتشاف، تم ترخيصه مؤخراً من قبل إدارة الأغذية والدواء الأمريكية، ويستخدم للوقاية أو علاج الهشاشة، ويعمل على إبطاء عملية فقدان العظام لكثافتها وبالتالي التقليل من التعرض للكسور. يعتبر تغيير نمط الحياة اليومية إلى الأفضل عامل مهم في الوقاية من الهشاشة ويساعد أيضاً في تخفيفها بعض الإصابة بها، فممارسة الرياضة أو النشاط البدني باختلاف أنواعه أبسط الطرق لحماية العظام، ويجب أن يكون بمعدل لا يقل عن 2 ونصف أسبوعياً توزع بما يناسب الشخص، كما أن اتخاذ الاحتياطات داخل المنزل والعمل لمنع السقوط يساعد كثيراً في الحماية من الكسور، وأيضاً متابعة الحالة العامة للصحة لعلاج الأمراض التي تسبب الهشاشة والحرص في تناول الأدوية لأن بعضها يؤثر في العظام ويصيبها بالترقق، وتوصلت منظمة الصحة العالمية حالياً إلى تطوير أداة لاستنتاج ما إذا الشخص عرضة للهشاشة خلال الـ10 سنوات التالية في حياته، وتسمى اختصاراً(FRAX)، وتفيد النتائج في العلاج المبكر. تتعرض كثير من النساء إلى الهشاشة أثناء سن الإنجاب، لذلك على المرأة التي تخوض هذه المرحلة العمرية والتي تتوقع أو تخطط للحمل أن تهتم بموضوع كثافتها العظمية ومتابعة حالتها الصحية، أما المرأة التي في مرحلة الحمل فعلاً - أو المرضع - وتعاني تلك الحالة فإن الأدوية والعلاجات المعروفة ربما تكون غير آمنة لها، وحتى العلاج الأخير بـ ايفوسفونيت يستمر في الجسم لفترة طويلة بعد التوقف عنه، ووجدت دراسة أجريت على حيوانات المختبر أن هذا الدواء يعبر المشيمة ويصل إلى الجنين. تعتبر الكسور أسوأ تبعات الإصابة بهشاشة العظام، حيث إن كسور العمود الفقري والفخذ الشائعان بين مرضى الهشاشة، هما أشد الكسور وأكثرها إيلاماً وتؤثر في حياة الشخص اليومية، وللوقاية من السقوط الذي يؤدي غالباً إلى الكسور يمكن اتباع الخطوات التالية: * استخدام معينات الحركة مثل العصا والإطار وغيرها، في حالة عدم توازن الشخص أثناء المشي. * إزالة المعيقات داخل المنزل مثل السجاد، وكابلات التوصيل، وكذلك إنارة الطريق المؤدي إلى الحمام داخل المنزل، ووضع فرش غير زلق داخل الحمام وخصوصاً بجانب حوض الاستحمام، وتركيب أعمدة أفقية على حائط الحمام بجانب المرحاض وحوض الاستحمام. * عدم حمل الأشياء الثقيلة أو رفعها وذلك لتجنب كسور العمود الفقري وأيضاً منع السقوط. * ارتداء الأحذية الثابتة غير الزلقة ذات القياس المناسب حتى تمسك بالقدم ولا تتسبب في التوائها. توصل العلماء إلى أن فول الصويا الذي يعد الطبق الرئيسي لبعض الدول الآسيوية يعتبر وقاية للنساء من إصابتهن بهشاشة العظام، فتلك المادة الغذائية تحتوي على مواد كيميائية مهمة شبيهة بالهرمون الأنثوي الإستروجين، وهو هرمون أساسي لصحة العظام ولكن تراجع معدلاته مع تقدم العمر يجعل المرأة عرضة للهشاشة وترقق العظام، وذكرت دراسة بريطانية أن المادة الكيميائية ايسوفلافون التي يحتوي عليها فول الصويا تحاكي تماماً هرمون الإستروجين وبالتالي تحمي العظام بعد بلوغ المرأة سن اليأس وانقطاع الطمث. قامت الدراسة التي أجريت بجامعة هول، بمتابعة 200 امرأة في مرحلة مبكرة من سن اليأس، وتم توزيعهم على مجموعتين، استخدمت المجموعة الأولى أقراصاً تحتوي فقط على بروتين الصويا لمدة 6 شهور، والمجموعة الثانية استخدمت الأقراص مضافاً إليها 66 ملجم من مادة ايسوفلافون، ثم قام العلماء بقياس معدلات بروتينات معينة قبل وبعد الدراسة، و تبين تلك البروتينات كثافة العظم، فتبين أن النساء اللاتي استخدمن أقراص ايسوفلافون كانت عظامهن بصحة أفضل بعد مرور الـ 6 شهور، كما انخفضت لديهن عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب التي ترتبط أيضاً بتراجع معدلات الإستروجين. يعلق د. ثوزوكات ساثيابالان أستاذ علم الغدد وقائد فريق البحث، قائلاً: بروتين الصويا ومادة ايسوفلافون خياران آمنان ولهما تأثيرات إيجابية في تحسن حالة العظام لدى النساء عند بداية انقطاع الطمث. ويضيف قائلاً: تشبه فعالية الصويا علاجات هشاشة العظام المعروفة، وجرعة 66 ملجم من مادة ايسوفلافون التي استخدمناها أثناء الدراسة تعادل تناول طبق شرقي غني بأطعمة الصويا، وبالمقابل كما يقول د. ثوزوكات إن ما تتناوله الشعوب الأخرى من تلك المادة هو ما بين 2 إلى 16 ملجم فقط، وإثراء الوجبات بتلك المادة بإمكانه أن يؤدي إلى نتائج باهرة في تقليل حالات الهشاشة لدى النساء.
مشاركة :