حين قرر المخرج كريستوفر نولان أن يوافق على إخراج سلسلة جديدة من أفلام باتمان، بعدما تقدّمت إليه شركة وورنر بروذرز، بالطلب، عازمة أن تعيد صياغة الشخصية وحكاياتها على نحو جديد مختلف عن السابق، فكّر مليّاً في لائحة الممثلين التي وضعها أمامه. قال لي حينها: كان عندي خيارات كثيرة. بعض الأسماء كانت جديدة على الدور وبعضها الآخر، مثل مايكل كيتون وجورج كلوني، سبق له أن لعب هذه الشخصية من قبل. بعد قليل قررت أنني أريد ممثلاً جديداً يؤدي الدور، وهذا سهّل الانتقاء. إذ بقي لدي 3 أسماء على قائمتي، وكرستيان بايل كان أولها، وبعد استعراض قدرات الممثلين الآخرين، وكلاهما جيد، رسمت دائرة حول اسم بايل. السبب، كما أضاف المخرج، هو أن كرستيان بايل لا يكتفي بالتمثيل، بل يصبح الشخصية التي يمثلها، وباتمان كان بحاجة إلى ذلك، كان بحاجة لمن يؤدي الشخصية حتى تحت القناع. هذا هو كريستيان بايل بالفعل. ممثل يستطيع أن يكون أي شخص يوافق على تمثيله. يدخل إلى ما تحت جلد الشخصية، ويتلبّسها وتتلبّسه. والأمثلة كثيرة من أول فيلم مثله حين كان لا يزال صغيراً إمبراطورية الشمس، وإلى اليوم، مروراً بقمم أفلامه مثل سلسلة باتمان، وأميركان سايكو، والعالم الجديد، والمقام (The Prestige) والساعة 3:10 إلى يوما وخارج الفرن، والمقاتل، ونصب أمريكي وسواها. ليس أن كل دور يختلف عن الآخر فقط، بل يختلف بايل في كل فيلم عن الآخر أيضاً. بعد ثلاثية باتمان، تحدّث كثير من الجمهور عن أنه سيكون صعباً على بايل شق طريق نجاحه نفسه، لكنه يعي المقصود بالنجاح في مدينة مثل هوليوود، ويعرف أيضاً معنى التحدي، فهو خاضه أكثر من مرّة. وهو يبرهن على ذلك الآن، بعد أن شوهد في الفترة الأخيرة في فيلمي الهجرة: الآلهة والملوك وفارس الكؤوس ونراه في مطلع العام المقبل في فيلم آخر يكمل ما بعد مرحلة باتمان، وهو الوعد إذ يلعب دور بريطاني يقع في حب فتاة خلال زيارته لتركيا خلال العصر العثماني. إلى جانب فيلمه الجديد للمخرج الصعب تيرنس ماليك، الذي لا يزال بلا عنوان حتى الآن. كنت أعلم إنه لا يريد الحديث عن أفلام لم ينته العمل عليها بعد، لذلك لم أسأله. * كيف حالك بعد مضي 3 سنوات على آخر فيلم باتمان مثلته؟ - أشعر بأنني بحالة جيّدة. شكراً للسؤال. * هل أنت مرتاح كونك تركت شخصية باتمان؟ - من دون أي شك، سلسلة باتمان بالنسبة إلي كانت مرحلة مهمّة جداً في حياتي. لا تستطيع أن تتصوّر. كانت تحدياً دائماً بما يعنيه ذلك من مشاق ومن سعادة في الوقت ذاته. لكن لكل شيء نهاية حتى إن غمرك الشعور بأن عليك أن تستمر في ما تقوم به. *هل تعتبر أن تمثيل شخصية باتمان كان متعباً؟ - بالطبع، لم يكن دوراً هيّناً، وتطلب الكثير من الجهد البدني، لكن هذا ليس مهمّاً بالفعل. ما قصدت قوله إن الدور كان لا يتيح الكثير من العمل على أشياء أخرى. عندي أسرة أحبها وتحبني، لكن العمل في مسلسل كل فيلم فيه يأخذ 9 أشهر من التحضير والتصوير كان يمنعني من الخلود إلى أسرتي. أيضاً منحني التوقّف عن لعب هذه الشخصية بما تأخذه من وقت وعمل، الفرصة لكي أمثل أدواراً أخرى مختلفة ومن دون عوائق. حين تؤدي شخصية مثل هذه الشخصية تجد نفسك مسؤولاً عنها حتى عندما تؤدي شخصيات مختلفة في أفلام أخرى. هذه المسؤولية انتهت بدورها الآن. *ذات مرّة قال أنطوني هوبكنز لي، إنه يستمتع بالوقت الذي يمضيه في التحضير أكثر من الوقت يمضيه في تمثيل الدور. هل يحدث لك ذلك؟ - بالنسبة لكليهما يحمل تحدياً مختلفاً. خلال التحضير تريد أن تمتحن أفكارك واستعدادك وتتأكد من أنك فهمت الشخصية التي تؤديها واستكملت بحثك فيها. هذا كله يتطلب صرف طاقة كبيرة. ثم يأتي موعد التصوير وتجد أن عليك لا أن تكون مستعداً فقط، بل أن تمارس ما تعلمته وجاهزاً للمشاهد التي ستقوم بها في ذلك اليوم المعيّن. لكن من يعلم ماذا سيحدث ليعيدك إلى فترة التحضير من جديد، عليك أن تبقى جاهزاً لأي طارئ لأن هذا يعني أنك تبقى يقظاً وأن يكون لديك جواب عن أي تغيير يمكن أن يقع. *هل لديك طريقة خاصّة للتحضير؟ - لا. لا يوجد لدي منهج شخصي أو تكنيك من أي نوع. أنا واثق من أن أنطوني هوبكنز مثلاً أبعد مجالاً في الخبرة مني في أمور وتقنيات التحضير. أما بالنسبة إلي، فأنا أقرأ السيناريو وأتخيل الدور وأبحث في داخلي عن تفسيرات له، وحين أصل إلى وقت التصوير، ألغي كل ما حضرته. * إذا عدنا للماضي، كان أول دور لك في فيلم إمبراطورية الشمس من إخراج ستيفن سبيلبرغ، وكان عمرك آنذاك 13 سنة. كيف اندفعت لتأدية دور الصبي المهدد بعد اختفاء والديه خلال الحرب العالمية الثانية في اليابان؟ - المخرج ستيفن سبيلبرغ يعرف الجواب عن هذا السؤال أكثر مني. هو اختارني، وأقول لك إنني لا أعرف لماذا. ما الذي توسّمه من صبي لم يقف أمام الكاميرا من قبل؟ لماذا أنا؟ لا أدري. لكن خلال التصوير كان شديد العناية بي، ويعرف كيف ينصحني من دون أن يحد من حريّتي وتلقائيتي. إذا كان الاندفاع الذي تتحدث عنه يعني تلقائيّتي فإن هذا هو الجواب فعلاً. أذكر أنني في الأيام الأولى كنت مثل شخص مهدد بالموت. كل شيء غريب عليّ، وكنت خائفاً جداً، لكن تشجيع سبيلبرغ منحني الثقة. أعتقد أن هذا ما حدث. * سألت سبيلبرغ عنك ذات مرّة، فقال لي إنها كانت من المرّات القليلة التي أحسن فيها اختيار ممثل دون الثامنة عشرة. - صحيح؟ لم أكن أعلم ذلك. * معظم الممثلين الذين ينطلقون في سن الطفولة أو الصبا لا يكملون رحلتهم في التمثيل، لكنك فعلت. - نعم. لاحظت أن الكثيرين ينجحون في الأدوار الأولى لكن عندما يغدون كباراً يجدون أنه لم يعد هناك مكان لهم. لا يستطيعون التأقلم مع العمر ولا القيام بالأدوار ذاتها التي كانت سبب نجاحهم. لكني أعتقد أيضاً أن هوليوود هي المسؤولة. * كيف؟ - نحن نتعلم، كممثلين، أن نجاحنا مرتبط بنجاح الفيلم الذي نمثله. ماذا يحدث عندما ينجح الفيلم؟ نرتفع معه. ماذا يحدث عندما يفشل الفيلم؟ نسقط معه. هذا على عكس ما يجب أن تكون الحال عليه. أقصد أن نجاح الممثل أو فشله عليه أن يكون بمنأى عن مصير الفيلم في شباك التذاكر. وحين يظهر ممثل صبي في دور ما ويحقق نجاحاً تستثمر هوليوود هذا النجاح، طالما أن الممثل ما زال في السن ذاته أو ربما أكبر قليلاً. لكن حين يخرج من إطار ذلك السن يتم البحث عن غيره أو يفشل الفيلم الأخير فيتم هجرانه والفيلم أيضاً. هذا يحدث كثيراً. *كثير من الأفلام التي تمثلها من النوع العنيف، كما الحال في خارج الانصهار والمقاتل وترميناتور 4. كيف تشعر حيال ذلك؟ * هل تذكر أميركان سايكو سنة 2000؟ - نعم. - هو مثال على ما سأقوله. هناك أفلام عنيفة لكن العنف فيها ضروري، مثل ذلك الفيلم، كان تشريح حالة اجتماعية لا يمكن معالجتها إلا بما تحفل به من عنف. لا معنى لبعض الأفلام من ذلك العنف إذا ما أرادت أن تكون واجهة كاملة لحادث وقع أو لحالة اجتماعية. هل تذكر مقتل جيمس كان في العرّاب؟ لو لم يتم تصوير ذلك المشهد على هذا النحو لم يكن سيترك تأثيره وكان سيبدو الفيلم كما لو أنه يبتعد عن الحقيقة. طبعاً هناك أفلام عنيفة لمجرد العنف، لكني أتحاشاها. *ما النوع المفضل لديك من بين أنواع السينما؟ - أنا أحب الفيلم الجيد بصرف النظر عن التصنيف. يمكن أن يكون مغامرات أو تشويقاً بوليسياً، أو ربما دراما عاطفية. وفي الآونة الأخيرة لاحظت أنني بت أميل للكوميديا، وأشاهد الكثير منها، لكن هذا له علاقة بابنتي الصغيرة، فأنا أشاهد الأفلام التي تشاهدها. * مثلت فيلمين من إخراج تيرنس ماليك العالم الجديد وفارس الكؤوس والثالث قيد الإنجاز. ما رأيك بمنواله في العمل؟ هل تفهم أفلامه بعد مشاهدتها؟ - أحب ما يقوم به لكني لا أفهم كل ما يقصده. مثلت معه العالم الجديد الذي كان أبسط من فيلمه الأخير فارس الكؤوس (Knight of Cups) لكني أحب العمل معه بصرف النظر عما يقوم به وكيف يقوم به. أفلامه فلسفية وجميلة. أحب ذلك.
مشاركة :