مأزق السياسة الأمريكية في مواجهة الصين وروسيا (١)

  • 12/28/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تواجه‭ ‬واشنطن‭ ‬اليوم‭ ‬تهديدين‭ ‬عسكريين‭ ‬خطيرين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعتى‭ ‬قوتين‭ ‬منافستين،‭ ‬إحداهما‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والأخرى‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬فما‭ ‬بين‭ ‬تهديد‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬تحاصر‭ ‬سفنها‭ ‬وطائراتها‭ ‬المقاتلة‭ ‬تايوان،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬حشد‭ ‬روسيا‭ ‬لقواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشرقية‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬تقف‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬تحسد‭ ‬عليه،‭ ‬ومشكوك‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهته،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ثنائية‭ ‬مصدريه‭ ‬وهويتهما‭.‬ ولا‭ ‬يعد‭ ‬الانفجار‭ ‬العسكري‭ ‬مستبعدًا‭ ‬في‭ ‬الحالتين‭ ‬كلتيهما،‭ ‬فتتمثل‭ ‬استراتيجية‭ ‬روسيا‭ ‬الدفاعية‭ ‬بتوسع‭ ‬حدودها،‭ ‬لضمان‭ ‬أمنها،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الخط‭ ‬الدفاعي‭ ‬المهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها،‭ ‬بينما‭ ‬تنظر‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تايوان‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتتمثل‭ ‬سياستها‭ ‬الدفاعية‭ ‬في‭ ‬شل‭ ‬قدرة‭ ‬عدوها‭ ‬على‭ ‬القتال،‭ ‬والتهديد‭ ‬بالهجوم‭ ‬أو‭ ‬الهجوم‭ ‬الفعلي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الغير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مسوغ‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬مبرر‭ ‬منطقي‭ ‬رسختها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عندما‭ ‬أطلقت‭ ‬حربها‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرت‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬أهم‭ ‬ضحاياها‭.‬ وغزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أفغانستان‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬وأسقطت‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬طالبان،‭ ‬بحجة‭ ‬إيوائه‭ ‬ودعمه‭ ‬لـ«القاعدة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬إليها‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬بينما‭ ‬غزت‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬بحجة‭ ‬نيتها‭ ‬تدمير‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬فيها،‭ ‬فأسقطت‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬وأغرقت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬العراق‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬تلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬خاضت‭ ‬حربها‭ ‬بحجتها‭.‬ إن‭ ‬تلك‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الهجومية‭ ‬العسكرية‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭ ‬لاجتياح‭ ‬أراضي‭ ‬الغير،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬شجعت‭ ‬الدول‭ ‬القوية‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬انتهاجها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬بغزو‭ ‬روسيا‭ ‬لجورجيا‭ ‬عام‭ ‬2009‭. ‬وتفسر‭ ‬مواقف‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬اليوم‭. ‬ صعدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬لهجتها‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬تايوان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجهت‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬الصعود‭ ‬الصيني،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬وتصاعد‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬فإنه‭ ‬تبلور‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭.‬ أكد‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬منافس‭ ‬عسكري‭ ‬وجيوسياسي‭ ‬خطير،‭ ‬وخصم‭ ‬أساسي‭ ‬لواشنطن،‭ ‬وأنه‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬للصين‭ ‬بالتفوق‭ ‬عسكريا‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى‭ ‬لإدارته‭.‬ ودعا‭ ‬بايدن‭ ‬الممثل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لتايوان‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬التنصيب،‭ ‬وهي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬التي‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬ممثل‭ ‬عن‭ ‬تايوان‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬التنصيب‭ ‬الرئاسي‭.‬ وفي‭ ‬تحول‭ ‬مهم‭ ‬آخر‭ ‬قال‭ ‬إيلي‭ ‬راتنر‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬للشؤون‭ ‬الأمنية‭ ‬لمنطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادي‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬إن‭ ‬تايوان‭ ‬عقدة‭ ‬مهمة‭ ‬ومرساة‭ ‬لأمن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬اعتبر‭ ‬دانييل‭ ‬كريتنبرينك‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬لشؤون‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬أن‭ ‬تايوان‭ ‬شريك‭ ‬مهم‭ ‬لبلاده،‭ ‬ناهيك‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ديمقراطية‭ ‬رائدة‭.‬ يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تلتزم‭ ‬بردع‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬صيني‭ ‬عليها،‭ ‬مع‭ ‬الإقرار‭ ‬بـ«الصين‭ ‬الموحدة‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1979‭. ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وسياسية‭ ‬معقولة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬ وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬توفر‭ ‬منطقا‭ ‬يسمح‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدعم‭ ‬فصل‭ ‬دائم‭ ‬لتايوان‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬ومعارضتها‭ ‬لوحدة‭ ‬تايوان‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬بطريق‭ ‬سلمي،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬الصين‭.‬ وتصاعدت‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬تقدم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع،‭ ‬ورفض‭ ‬الحلف‭ ‬الانصياع‭ ‬للطلب‭ ‬الروسي‭ ‬برفض‭ ‬قبول‭ ‬عضوية‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يقرره‭ ‬فقط‭ ‬أعضاؤه‭ ‬الثلاثون‭.‬ ونقلت‭ ‬روسيا‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬روسي‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وهو‭ ‬الحشد‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬مشعلة‭ ‬فتيل‭ ‬الأزمة،‭ ‬مبررة‭ ‬تحركها‭ ‬بأنه‭ ‬يعكس‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭.‬ لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬روسيا‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬أيضًا‭ ‬بإجراء‭ ‬اختبار‭ ‬لصاروخ‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬لصد‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬غربية‭ ‬موجهة‭ ‬ضد‭ ‬أنظمة‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬ثبتت‭ ‬أنظمة‭ ‬احتياطية‭ ‬أرضية،‭ ‬لتعطيل‭ ‬عمل‭ ‬الاتصالات‭ ‬والملاحة‭ ‬الغربية،‭ ‬عندما‭ ‬يقتضي‭ ‬الأمر‭.‬ تطالب‭ ‬روسيا‭ ‬بضمانات‭ ‬غربية‭ ‬مكتوبة،‭ ‬لإغلاق‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬انضمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وجورجيا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬تقدم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مؤخرًا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭.‬ وكان‭ ‬الحلف‭ ‬قد‭ ‬أصدر‭ ‬قرارا‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬يسمح‭ ‬بانضمام‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭ ‬إلى‭ ‬عضويته‭.‬ وتعتبر‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للانضمام‭ ‬للحلف‭ ‬يهدد‭ ‬أمنها،‭ ‬لأنه‭ ‬يوسع‭ ‬التكتل‭ ‬العسكري‭ ‬للحلف‭ ‬شرقًا‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬حدودها،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬العمل‭ ‬بالمادة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الحلف،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أعضائه،‭ ‬اعتداءً‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬الحلف‭.‬ وتعتبر‭ ‬روسيا‭ ‬ذلك‭ ‬التطور‭ ‬انتهاكا‭ ‬للمبدأ‭ ‬الرئيس‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمن‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬والذي‭ ‬تنضوي‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬دول‭ ‬القارة،‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭: ‬‮«‬عدم‭ ‬تعزيز‭ ‬أمن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أمن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‮»‬‭.‬ ليس‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هدف‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬إشعال‭ ‬حرب‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬قطع‭ ‬علاقات‭ ‬بلاده‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬واحتمال‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬لمقاومة‭ ‬وحرب‭ ‬عصابات‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬المنوي‭ ‬احتلاله،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬استضافة‭ ‬الأراضي‭ ‬غير‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لقوات‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬الحلف‭ ‬العسكرية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭.‬ ويفضل‭ ‬بوتين‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تنازلات‭ ‬أمريكية‭ ‬غربية‭ ‬تتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬انضمام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حرب‭.‬ ‭ ‬{ كاتبة‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :