حرب البنتاغون الوحيدة ضد روسيا والصين

  • 11/15/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في منتدى ريغان للدفاع الوطني المنعقد في نهاية الأسبوع الماضي، حذر كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية من معارك القوى العظمى المقبلة مع كل من روسيا والصين. غير أن المقاربة الأميركية حيال كلتا الدولتين تعكس أن هناك أطرافًا أخرى داخل الإدارة الأميركية تنظر إلى تلك العلاقات من زاوية مغايرة بالكلية. قبل خطاب آشتون كارتر، وزير الدفاع الأميركي، الرئيسي أمام مكتبة ريغان الرئاسية في كاليفورنيا، بعث مساعدوه برسالة تفيد بأن السيد كارتر يعتزم الإدلاء بتصريحات ذات أهمية حول روسيا والصين في أعقاب رحلته الرسمية الأخيرة إلى آسيا. وصرح كارتر في خطابه قائلاً: «إننا لا نهدف إلى حالة من الحرب الباردة، ناهيكم عن حرب ساخنة، مع روسيا. إننا لا نسعى لأن نجعل من روسيا عدوًا لنا. ولكن لا داعي لسوء التقديرات، فالولايات المتحدة سوف تدافع وبجد عن مصالحها، وحلفائها، وعن النظام الدولي القائم على المبادئ، وعن المستقبل الإيجابي الذي يُتاح لنا جميعًا». وأعرب عن انتقاده للاحتلال الروسي لبعض الأقاليم داخل أوكرانيا وجورجيا، كما توجه بالتوبيخ إلى روسيا لما وصفه بالتدخل العسكري المدمر في سوريا. وقال إن وزارة الدفاع الأميركية كانت تدرس مجموعة من الخيارات (بعض منها علني والآخر سري) للتعامل مع «العدوان» الروسي والصيني ودفعه. أشاد الجمهوريون والديمقراطيون في الولايات المتحدة على السواء بتصريحات السيد كارتر الأخيرة، ووصفوها بأنها تقدير عميق وقدير للتنافس الواقعي والمتصاعد ما بين القوى العظمى العالمية ممثلة في الولايات المتحدة، وروسيا والصين. كما أشار أعضاء الحزبين الأميركيين الكبيرين إلى أن كارتر دائما ما يستخدم المصطلحات القاسية في تعبيراته وخطاباته حيال هاتين الدولتين، أكثر مما يفعل كبار المسؤولين الآخرين في الإدارة الأميركية، خصوصا أولئك القابعين داخل البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية. يقول إريك إيدلمان، وهو وكيل وزارة الدفاع الأميركية الأسبق لشؤون السياسات في إدارة الرئيس السابق جورج بوش: «أعلن الوزير كارتر عن استعراض صريح وصارخ لتحديات الأمن القومي الأميركي، تلك التي بدت على نسق مغاير لمقاربة الإدارة الأميركية الحالية إزاء روسيا وسوريا وأوكرانيا وحتى الصين». وأيد كارتر، خلال جلسة الاستماع لترشيحه لتولي منصب وزير دفاع الولايات المتحدة، فكرة إرسال الأسلحة المميتة إلى أوكرانيا، وهي السياسة التي يعارضها الرئيس باراك أوباما شخصيًا. أما كبيرة مسؤولي الملف الروسي لدى الوزير كارتر، إيفلين فاركاس، المستقيلة مؤخرًا، فقد قالت خلال هذا الشهر إن وزارة الدفاع لا تزال تحاول العمل على تسليح الجانب الأوكراني، ولكن تلك المحاولات تلقى معارضة متكررة من قبل المسؤولين في البيت الأبيض. وأعرب كارتر في خطابه، السبت قبل الماضي، عن شكوكه في أن ترجع مقاربة وزير الخارجية الأميركية جون كيري مع روسيا بشأن الأزمة السورية، أي فوائد تذكر، مضيفًا أنه «من المحتمل» أن تضطلع روسيا بدور بناء هناك. وتعد تلك الرسالة مختلفة عن لهجة كبار المسؤولين في وزارة الخارجية في تصريحاتهم حول الشأن ذاته، حيث أعرب نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن ثقته في وقت مبكر من هذا الشهر بأن الجانب الروسي سوف يعمل قريبًا على دفع العملية السياسية الحقيقية الخاصة بسوريا. وكانت وزارة الدفاع في حالة تدافع داخلية مؤخرًا مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية إثر المقاومة التي تلقاها لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، حيال عمليات التشييد العسكرية الصينية في الجزر الاصطناعية الواقعة في بحر الصين الجنوبي. ولقد حذّر كارتر نفسه الصين، في يونيو (حزيران) الماضي، من أن الولايات المتحدة لن تحترم المطالب الصينية ببقاء القطع البحرية الحربية الأميركية على مسافة 12 ميلاً بحريًا من المنطقة محل النزاع. انتظرت وزارة الدفاع الأميركية شهورًا للحصول على موافقة البيت الأبيض لممارسة «حرية الملاحة» في بحر الصين الجنوبي. وعندما حصلت وزارة الدفاع على التصريح المطلوب لتنفيذ العمليات، ألقى البيت الأبيض بالمزيد من القيود على تلك المهمة، للحد من مخاطر المواجهة المسلحة مع الجانب الصيني. على سبيل المثال، فإن السفن الحربية الأميركية غير مسموح لها بتشغيل المستشعرات أو بتحليق المروحيات العسكرية المرافقة، وهي الإجراءات التي من شأنها، كما يقول الخبراء العسكريون، توضيح أن الولايات المتحدة تمارس بالفعل عمليات «حرية الملاحة» في تلك المنطقة. بعد تلك العملية، أجمع المسؤولون في وزارة الدفاع على التأكيد أن الولايات المتحدة كانت جادة تمامًا في مواجهة المزاعم الصينية، بأن الجزر الاصطناعية هي من الأقاليم السيادية الصينية المتمتعة بحقوق الحدود الدولية، وغير ذلك من الامتيازات ذات الصلة. تشير بعض التقارير إلى أن تلك المهمة لم تكن عملية لحرية الملاحة على الإطلاق، ولكنها تشبه في واقع الأمر مهمة «المرور البري»، وهو عمل عسكري لا يرقى لمستوى المواجهة. أخبرني مسؤولون في وزارة الدفاع، خلال المنتدى، أن البيت الأبيض حظر كذلك على المسؤولين في البنتاغون الحديث العلني حول تلك العملية، ولكن الوزير كارتر أكد تنفيذ تلك العملية، حينما تعرض لضغوط بشأنها من قبل أعضاء مجلس الشيوخ خلال جلسة الاستماع التي عقدت مؤخرا. وقال خبراء من ذوي الاطلاع لدى البنتاغون إنها كانت عملية للملاحة الحرة غير أن الرسالة لم تكن واضحة على الإطلاق. وأفاد كل من بوني غلاسير وبيتر ديوتون، الخبيرين في الشأن الصيني في مقالة مشتركة نشرت على موقع «ناشيونال إنتريست»، بعد الاطلاع عليها من قبل المسؤولين في البنتاغون: «للتأكيد على أن الصين والدول الأخرى حول العالم تدرك تمامًا ما حدث، يتعين على وزارة الدفاع الأميركية تفسير الأساس القانوني لتلك العملية وتوضيح الرسالة المقصودة من ورائها». وأخبرني ستيفن هادلي، الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج بوش السابقة، أن وزارة الدفاع حققت بعض النجاحات من حيث الاستجابة للتصرفات العدائية من قبل روسيا والصين، مثلاً بالوجود العسكري الأميركي المتزايد في أوروبا الشرقية. ولكنه أضاف أن البيت الأبيض يتصرف بحذر بالغ من حيث تطبيق الأدوات العسكرية التي يجري نشرها بصورة تدريجية ومتأخرة؛ مما يقلل من آثارها المترتبة. وتابع هادلي قائلاً: «دائمًا ما تقول الإدارة إنه لا وجود للحلول العسكرية، وذلك صحيح. ولكن إذا ما كنت تتعامل مع بوتين أو تشي، فلا وجود للحلول السياسية التي لا تشتمل على المكون العسكري». في ختام «منتدى ريغان»، استعرض السيد بوب وورك، نائب الوزير كارتر، تحديات المدى البعيد حيال الصين الصاعدة وروسيا العدوانية، مستخدمًا اصطلاحات أكثر قسوة من التي استخدمها رئيسه من قبل. قال السيد وورك: «لدينا قوتان عظميان. وذلك أمر مختلف تمامًا، فهو أمر لم نكن نتعامل معه خلال الـ25 سنة الماضية. والشيء الأساسي الذي فعلناه عبر الـ12 شهرًا الماضية كان محاولة تنظيم أنفسنا للقتال وللتفكير الفعلي والواقعي في تلك المشكلة». وأعرب وورك عما وصفه بأنه استراتيجية «المعاوضة الثالثة» لتجنب المواجهة مع روسيا والصين، وهي تركز على الخروج بأسلوب جديد من إدارة الحروب يمكّن الولايات المتحدة من ردع روسيا والصين عن الدخول المباشر في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. تشتمل استراتيجية «المعاوضة الثالثة» على مفاهيم مثل «التعاون بين الإنسان والآلة»، وهو المفهوم المصمم لأن يُستخدم خلال الـ30 عامًا المقلبة. وبالنسبة للبنتاغون، فهو من المشروعات التي يمكن العمل عليها من دون التدخل من قبل البيت الأبيض. ولكن صراع البنتاغون مع البيت الأبيض ليس مقصورًا على روسيا والصين. وقد قال كارتر أيضًا إنه يعتقد أن الولايات المتحدة في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود في محاربة تنظيم داعش الإرهابي. يدق فريق كارتر داخل وزارة الدفاع ناقوس الخطر حيال ما يجب فعله الآن للتعامل مع تحديات الأمن القومي بعيدة المدى، غير أنه لا يتمتع بالصلاحيات الكافية لتنفيذ ما يراه ضروريًا، والنتيجة ليست إلا مقاربة مشوشة مع أكبر منافسين دوليين للولايات المتحدة. وليس هناك كثير أمل في أن يحدث الكثير في هذا الصدد حتى وصول إدارة البيت الأبيض الجديدة. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

مشاركة :