كنا الأسبوع الماضي في الأسبوعية، أسبوعية الأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني، تلك التي أصبحت علامة بارزة من علامات الثقافة في جدة، وكان معالي الأستاذ الدكتور عبدالله المعطاني ضيفَ الأسبوعية الرئيس ليلتها، واختار أن يكون حديثه عن (محطات في حياته) تماشياً مع مشورة حسين بالفقيه.. وكان لي شرفُ إدارة الأمسية.. كانت ليلة وفاء وصفاء؛ كنت أجلس في المنتصف بين أستاذيّ: عبدالمحسن والمعطاني، حين تساءلت: ماذا يمكن أن يقال في ليلة مثل هذه؟! ماذا يمكن لي -أنا عادل خميس- أن أقول، في لقاء مضيفه عبدالمحسن القحطاني وضيفه عبدالله المعطاني؟! وقد كانا -ويظلان- جبلين شامخين أستظل بظلهما، ونجمين منيرين أهتدي بهما.. محمد عبد الباري يقول: كبابٍ ولا يستطيع الدخولْ ... أقال.. ولكنني لا أقول..!! كأن عبدالباري قال هذا البيت لموقف مثل موقفي هذا؟ فالضيف هو الأستاذ الدكتور عبدالله المعطاني، الناقد الملهم، والرمز الوطني الذي نفاخر به في كل مكان.. أستاذ الجامعة المخلص.. الذي ترك أثره في أجيال وأجيال، والناقد الذي خبر مناهج النقد وأدواته وعرف أسراره وطرقه.. والإنسان الذي عرفناه وخبرناه جميعاً؛ الإنسانُ الحليم الكريم الذي؛ تراهُ إذا ما جئْتَه مُتَهَلِّلا ... كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ طبعاً هذا البيت يصدق على أبي بندر في كل حالاته، إلا في حالة واحدة.. حين تكون طالباً عنده، وتسلّم بحثاً أو تكليفاً.. حينها يريك وجهه الآخر؛ وجهَ الأستاذ الصارم الحريص على استخراج أفضل ما في طلابه بالتوجيه والتحفيز والتقريع.. التقريع بالصمت والكلام.. وأعتقد أن بيننا -من حضور الأسبوعية- من طلاب الدكتور من جرب أحد النوعين أو كليهما؟ عمر مديد قضاه رمزنا الوطني عبدالله المعطاني؛ أستاذًا في جامعة الملك عبدالعزيز، وباحثاً مميزاً ألف ونشر العديد من الأبحاث والكتب منها على سبيل المثال: (كتاب النقد بين المسافة والرؤية، وكتاب ابن شهيد الأندلسي)، كما عمل مستشاراً ثقافياً بملحقية لندن، وعضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي، وأستاذاً زائراً بجامعة إنديانا وأستاذاً بجامعة واشنطن بسياتل، ومشرفًا عامًا على هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة، ونائباً لرئيس مجلس الشورى بمرتبة وزير.. هذه السيرة الثرية تعطي تصوراً عن همة هذه القمة، كما تنبئ عن حب دكتورنا المعطاني للترحال، والتنقل بين الأماكن والمهام. أتذكر أنه قبل أكثر من عشرين سنة لوّح بكف من كفوف الترحال؛ كنا سوياً، في مكتبه، حين أخبرني أنه راحل، وحزنت، وكتبت له أبياتاً، لكني لم أهدها له، ولم أرِها لأي أحد، بل إني تركتها في حقيبة منسية، ويومها فقط، أعني يوم استضافته في الأسبوعية، أحضر ابن أختي الحقيبة ووجدت فيها الأبيات.. وهذه هي أنشرها لأول مرة وأهديها لدكتوري المعطاني؛ كما قلت لكم: لّوح دكتوري بالرحيل، وكنت حزيناً وغاضباً: ما شئتَ لوّح بالرحيل فلن ترى دمعاً يسيل على الخدود تأثرا ما شئتَ فاجعل للحقائب أذرعاً ولساعة التلويح عزفاً مبهرا يا ابن الأماجدِ والطريق بلهفةٍ ليضمّ خطوك كي يشعّ به الثرى لا تنكرنّ من الوجوه جمودها أو من محاجرنا جفافاً مقفرا قد كان أحرى أن تذوب قلوبنا وتسيل أدمعنا لبينك أنهرا لكنها إذ أزمع النور النوى جمدتْ كأعجاز النخيل كما ترى يا ابن الأكارم كيف نأسى ها هنا أم كيف نرضى للدموع تحدرا ومدادُ حبك قد أزاح دماءنا ليسير بين عروقنا متبخترا وحقولُ فكرِك في الضمائر أثمرت فجراً ترددّ في الضلوع وأسفرا تأبى تلوّح بالوداع كفوفُنا ألأنها جُبلت تصفّق .. يا تُرى؟!! جبلت تصفّق للبيان وسحره يشدو به فمُك الشجي على الورى وأظلّ أُطرِق في سؤالي حائراً: أتلوُك دوماً في لسانك سكّرا؟
مشاركة :