تسعى تونس لتعاون مشترك مع السلطات الإيطالية في قضية الهجرة غير النظامية يكرّس احترام حقوق المهاجرين، حيث أكّد الرئيس قيس سعيّد في لقائه بوزير الخارجية الإيطالي محدودية السياسات التقليدية لإدارة الظاهرة، في خطوة تكشف حسب مراقبين البحث عن مقاربات جديدة تتجاوز الصبغة الأمنية. وناقش الرئيس التونسي قيس سعيّد ووزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال لقاء الثلاثاء مسألة الهجرة غير النظامية، وذلك في أول زيارة للوزير الإيطالي إلى تونس منذ تولي الرئيس كامل السلطتين التنفيذية والتشريعية في يوليو. ونوّه دي مايو خلال اللقاء في قصر قرطاج بـ”مستوى التعاون الثنائي في مجال التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية”، بحسب بيان صادر عن الرئاسة التونسية. وشدد الرئيس سعيّد الذي أقال رئيس الحكومة وجمّد عمل البرلمان في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، على أن “السياسات التقليدية لإدارة ظاهرة الهجرة غير النظامية أثبتت محدوديتها”، داعيا إلى مقاربة مشتركة “تمكن من التشجيع على الهجرة النظامية وفق آليات تضمن حقوق المهاجرين”. مصطفى عبدالكبير: رسالة قيس سعيّد هي دعوة لإيطاليا للاستثمار في تونس وأكّد مراقبون تحول ملف الهجرة إلى مسألة سياسية بين البلدين، وأن أعداد المهاجرين المتزايدة أصبحت تقلق روما أكثر من أي وقت مضى، باعتبارها نقطة عبور نحو الدول الأوروبية. وأشار هؤلاء إلى أن رسالة الرئيس سعيّد لإيطاليا مفادها الدعوة إلى الاستثمار في تونس وبناء مشاريع تنموية لتشغيل الشباب، وبالتالي تجاوز السياسات الأمنية ونظرية حرس الحدود. وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير إن “ملف الهجرة لم يعد ملفا إنسانيا، بل أصبح سياسيا، واللقاء بين الرئيس سعيّد ووزير الخارجية الإيطالي سياسي بامتياز، لأنه لو كان إنسانيا لما قبلت تونس ترحيل أبنائها من أوروبا”. وأضاف لـ”العرب” أن “الرئيس سعيّد يتحدث عن السياسات التقليدية، وإيطاليا تعتبر أن تونس جزء من مشاكل الهجرة التي تعاني منها، وهي لا تستطيع البحث عن مقاربات جديدة لأنها نقطة عبور نحو بقية الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا، ولا بدّ أن تصل الرسالة إلى الاتحاد الأوروبي”، لافتا إلى أن “تونس تبحث عن مساعدات مالية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، ورسالة سعيّد هي دعوة للاستثمار في تونس”. وأشار إلى أنه في السداسية الثانية من السنة الحالية “وصل عدد المهاجرين إلى إيطاليا إلى أكثر من أربعة عشر ألف مهاجر، وتم ترحيل أكثر من ألفي شاب عبر مطاري النفيضة وطبرقة التونسيين، فيما بلغ عدد المفقودين أكثر من سبعمئة”. ولفت مصطفى عبدالكبير إلى أن نسبة المهاجرين من الإناث بلغت 20 في المئة، وأكثر من 12 في المئة من الأطفال، فضلا عن 17 في المئة من هجرة العائلات (أب وأم وأبناء). وأثبتت المقاربات الأمنية فشلها في احتواء الظاهرة نظرا إلى كونها لا تعالج الهجرة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وطالب متابعون للشأن التونسي بضرورة تخصيص برنامج تنموي حقيقي في تونس وباقي الدول الأفريقية للحد من نزيف الهجرة. وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني العميد خليفة الشيباني أن “الحلول المعتمدة في السنوات الماضية وغلق الاتحاد الأوروبي للحدود أبقيا المقاربات في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية أمنية بالأساس”. وأضاف لـ”العرب” أن “هناك اختلافا بين دول الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع الهجرة خصوصا ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا”، قائلا “لا بد من شراكة حقيقية في معالجة الظاهرة بعد عقد كامل من الفشل في تونس”. واقترح خليفة الشيباني “إبرام اتفاقيات بين إيطاليا وأوروبا من جهة ودول شمال أفريقيا من جهة أخرى في شكل مشاريع تنموية واستثمار حقيقي في البلدان الطاردة لسكانها، لأن المقاربة الأمنية واستعمال حرس الحدود أثبتا فشلهما”. وكانت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورغيسي قد أعلنت خلال زيارة إلى تونس في مايو الماضي عن اتفاق لتقديم مساعدات اقتصادية لتونس مقابل تكثيف جهودها لمنع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى أوروبا. خليفة الشيباني: إيطاليا مطالبة بإبرام اتفاقيات تنموية مع البلدان الطاردة لسكانها وبمناسبة زيارة دي مايو، عقدت عدة منظمات غير حكومية تونسية مؤتمرا صحافيا الثلاثاء للمطالبة بكشف حقيقة مصرع المهاجر التونسي وسام بن عبداللطيف (26 عاما) الذي وصل إلى صقلية مطلع أكتوبر وتوفي في مستشفى سان كاميلو في روما في نوفمبر بعد احتجازه في مركز ترحيل إيطالي. وانتقد المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر ظروف الإقامة في مراكز المهاجرين التي “لا تحترم كرامة الإنسان ولا الشروط الصحية لاسيما في زمن الجائحة”. واعتبر بن عمر أن تونس “تحولت إلى حارس حدود” لأوروبا، وقد منعت تونس عام 2021 أكثر من 26 ألف مهاجر من بلوغ السواحل الإيطالية. وقال عضو منظمة محامون بلا حدود أحمد مسدّي إن “السلطات الإيطالية تجبر المهاجرين في هذه المراكز على توقيع وثائق لا يفهمونها”. وتعدّ إيطاليا إحدى نقاط الدخول الرئيسية إلى أوروبا للمهاجرين من شمال أفريقيا، وخصوصا من تونس وليبيا، مع ارتفاع عدد المغادرين بشكل حاد مقارنة بالسنوات السابقة. ووصل نحو 55 ألف مهاجر إلى إيطاليا بين مطلع العام وبداية نوفمبر، مقابل أقل من 30 ألفا في عام 2020، وفق بيانات إيطالية رسمية. وبحسب المصدر ذاته فإن أكثر من 70 في المئة من المهاجرين غير النظاميين الذين يغادرون من تونس هم تونسيون. وتعرف الحكومات الأوروبية انقساما بسبب قضية الهجرة التي غذت صعود الأحزاب المناهضة للمهاجرين في مختلف أنحاء القارة. ويشارك حزب رابطة الشمال اليميني في حكومة الوحدة الوطنية في إيطاليا بالتحرك لمنع تدفق اللاجئين. اقرأ أيضا: تونس تحقق في وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي
مشاركة :