خلال أعتى سنوات المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق إبان الحرب الباردة كانت ورقة الديمقراطية هي الأقوى بين أوراق الدبلوماسية الخارجية للبيت الأبيض، وربما كانت أهم أسباب انتصارها أمام موسكو، بيد أن أوضاع العالم اليوم تغيرت تماما، ولم تعد الديمقراطية ذلك السلاح الناعم الذي تبرزه أمريكا في مفاوضاتها مع الطرف الآخر، ولهذا يحضر السؤال الآن، لماذا تصر إدارة بايدن على المراهنة بها حتى الآن؟!!.قبل أيام قلائل، دعا الرئيس بايدن إلى عقد قمة عالمية افتراضية لمناقشة شؤون الديمقراطية في العالم، ومن خلال القمة، بدا أن الخطاب الأمريكي لا يزال أسيرا لمنهج التنظير وبعيدا عن واقع العالم والمجتمعات، فالتجارب البشرية الحديثة قد أثبتت أن الديمقراطية لا تتقاطع مع ثقافات متعددة حول العالم، ولا يمكن فرضها بالقوة دون وجود ذهنية جمعية تتلاءم مع أفكارها ومبادئها.ولعلنا حول هذا المشهد، نستذكر عام 2001م، عندما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عن نيته في إسقاط نظام طالبان في كابول، وإرساء دعائم الديمقراطية بالقوة، ولكن الذي حصل هو العكس تماما، فبعد عشرين عاما من فرض تلك المنهجية القسرية، خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان بصورة مهينة، وبخسارة جسيمة تجاوزت 2 تريليون دولار، والأدهى من ذلك كله أنها عادت وسلمت الحكم إلى جماعة طالبان!!.التجربة الديمقراطية في البلاد العربية فشلت تماما لأنها تتعارض مع أساس الذهنية العربية التقليدية، فلو تأملنا التجربة اليمنية مثلا، لوجدنا أن بعض مراكز الدراسات والأبحاث الغربية كانت تشيد بالتجربة الديمقراطية إبان عهد الرئيس السابق علي صالح، بينما كان الواقع في الداخل اليمني ينذر بخيبة أمل عظيمة، فقد تمكن الرئيس الراحل من بسط نفوذه على اليمن لأكثر من ثلاثة عقود عبر صناديق الاقتراع، وهذا وحده يتنافى مع أبجديات الديمقراطية، وبهذا فقد فشلت الديمقراطية أن تصنع لها صناديق اقتراع حقيقية بينما نجحت صناديق الاقتراع أن تصنع لها ديمقراطية زائفة !!.وهنا لا بد من الاعتراف بأن الأحزاب السياسية كانت أسوأ ما أنتجته العملية الديمقراطية في البلدان العربية، فعن طريقها تمكنت طهران من الوصول إلى مراكز الحكم في أربع عواصم عربية، ولهذا كانت وما زالت التجربة الديمقراطية في بلدان العرب مريرة، وشديدة الألم على شعوبها ومجتمعاتها.وحتى في الغرب نفسه، فقد أوصلت الديمقراطية الحزب النازي إلى سدة الحكم في ألمانيا، فماذا كانت النتيجة؟، اندلاع الحرب الكونية الكارثية والتي راح ضحيتها ملايين البشر حول العالم، ومن ذات المنطلق، تتجدد المخاوف اليوم تجاه تكرار التجربة، لا سيما أن العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة قد وصلت إلى الحكم في عدة دول أوروبية عبر صناديق الاقتراع، كما أن العملاق الصيني الصاعد يتجه وبسرعة إلى انتزاع الصدارة العالمية من الولايات المتحدة وهو نظام مركزي لا يؤمن بالديمقراطية، وفي الختام نقول: كل هذا ولا يزال الأمريكان حتى اليوم متعصبين لخطاب الديمقراطية حتى وإن كانت في مهب الريح!!.@albakry1814
مشاركة :