عبدالحميد الدبيبة يتحدى بقانون الأمر الواقع | الحبيب الأسود

  • 12/31/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بلهجة لا تخلو من نبرة التحدي، قال عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة تصريف الأعمال في ليبيا أن حكومته مستمرة في عملها إلى حين وضع دستور وإجراء انتخابات حقيقية تفرز قيادة للبلاد، وعندها يتم التسليم لها. وبتصريح كهذا، سيكون على الليبيين أن ينتظروا سنوات أخرى يتم خلالها وضع مسودة جديدة للدستور، وإجراء مشاورات حولها، ثم تنظيم استفتاء عام يجيب من خلاله الشعب بالقبول أو الرفض على تلك المسودة، ومن هناك تتم كتابة قانون انتخابي جديد متجاوب مع المواد الدستورية، ثم يبدأ العمل لتنظيم الاستحقاق. وفي ظل حالة التراخي المعبّرة عن روح المماطلة بما يخدم مصالح النخب السياسية ويحافظ على امتيازاتها، سيكون على الشعب الليبي أن ينتظر تكرار سيناريو حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج التي جاءت لتقود البلاد في مرحلة انتقالية لا تتجاوز عامين في أقصى الحالات، وإذا بها تتسمّر في سدة الحكم لمدة خمسة أعوام، قامت خلالها بتكريس الشقاق بدل الوفاق، والحرب بدل السلام، والانقسام بدل الوحدة. في الخامس من فبراير الماضي، تم الإعلان من داخل ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف عن فوز عبدالحميد الدبيبة بمنصب رئيس الحكومة الانتقالية المؤقتة الجديدة، وكان ذلك ضمن لائحة مشتركة مع المرشح لرئاسة المجلس الرئاسي محمد المنفي والمرشحين لعضويتها عبدالله اللافي وموسى الكوني، إذ وقّع جميعهم على التزام بعدم الترشح للانتخابات التي سيكون عليهم العمل على تنظيمها في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر. الدبيبة يقول اليوم إنه لن يتخلى عن منصبه وأن حكومته ستواصل عملها. هذا يعني الخروج نهائيا عن الشرعية، ولكن أيّ شرعية؟ ومتى كانت هناك شرعية لتحترم؟ كل ما يدور في ليبيا منذ عشرة أعوام مرتبط بالأمزجة والمصالح والحسابات والصفقات والوعود في منتصف مارس، وبعد أخذ ورد وضغوط من الداخل والخارج، عقد مجلس النواب جلسة عامة في مدينة سرت بهدف النظر في منح الثقة للحكومة الجديدة. وهو ما تم فعلا مع التنصيص على أن تلك الحكومة ستعتبر حكومة تصريف أعمال بداية من يوم الاقتراع وهو الرابع والعشرون من ديسمبر. شعر الدبيبة أن الوصول إلى حكم دولة ثرية ومؤثرة مثل ليبيا لم يكن صعبا، ولم يكلفه كثيرا مقارنة بما يمكن أن يحققه من مكاسب له وللمحيطين به والدائرين في فلكه، ولمن بات يمثلهم على رأس السلطة التنفيذية، كما كان من اليسير إقناع الأمم المتحدة وأجهزتها والدول الكبرى بعدم نشر نتائج التحقيق الخاص بشبهات الفساد في ملتقى تونس في نوفمبر 2020 والمتعلقة بمبالغ ضخمة تم دفعها لشراء أصوات الأعضاء. أحاط الدبيبة نفسه بفريق محترف في مجالات الاتصال وتلميع الصورة، وكان هدفه واضحا وهو الترويج لنفسه كمرشح لرئاسة دولة بلاد دستور، بما يفتح له المجال واسعا لكي يمارس، لا دكتاتوريته الفردية الخاصة، ولكن دكتاتورية القوى والجماعات التي كانت وراء التخطيط للدفع بها إلى الحكم منذ العديد من السنوات، وهي قوى وجماعات مرتبطة بالمال والأعمال والاعتمادات والفساد المالي والإداري وبأسواق النفط والغاز ولها أياد متحركة داخل مصرف ليبيا المركزي بغطاء خارجي لم يعد خافيا عن أيّ كان. أطلق الدبيبة حملة دعائية واسعة استهدف من خلالها أغلب فئات المجتمع كالشباب والعمّال والفقراء والمحتاجين والمتقاعدين والأرامل والمطلقات والمتزوجات من أجانب والمحرومين من الجنسية وغيرهم، وأقّر خلال أشهر قليلة إجراءات غير مسبوقة من بينها مساعدة الراغبين في الزواج، والرفع من رواتب الموظفين، ليتحول بذلك إلى أحد أبرز متصدري نوايا التصويت، وإلى واحد من أهم المرشحين للمنافسة على رئاسة البلاد. كان على الدبيبة أن يتحرك في اتجاه آخر، وهو كسب تأييد الميليشيات وأمراء الحرب ومتشددي تيار 17 فبراير وجماعات الإسلام السياسي وغيرهم، بإبداء العداء لقيادة الجيش في شرق البلاد ولخليفة حفتر، ثم بتهميش أعضاء حكومته المتحدرين من إقليم برقة بمن فيهم نائبه حسين القطراني، وبمحاولة الانقلاب على مواد الاتفاق السياسي. قال له مستشاروه إن عليه أن يبدو كزعيم شعبي قادر على جعل مواطنيه يتفاءلون بإمكانية أن يستفيدوا ولو بالقليل من ثروات بلادهم الطائلة والمنهوبة، وكذلك كزعيم جهوي، نظرا لما تمثله طرابلس من أغلبية ديمغرافية تضمن أغلبية الأصوات من سجل الناخبين إلى صناديق الاقتراع. في التاسع من سبتمبر الماضي، أعلن مجلس النواب عن التصديق نهائيا على قانون انتخاب الرئيس والذي تضمن شروط الترشح ومن بينها ما ورد في المادة 12 من أن على أي مسؤول أو موظف مدني أو عسكري أن يتنازل عن وظيفته قبل موعد الاقتراع بثلاثة أشهر، وقد التزم رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش خليفة حفتر بهذا الشرط، بينما تجاهله الدبيبة. في ظل حالة التراخي المعبّرة عن روح المماطلة بما يخدم مصالح النخب السياسية ويحافظ على امتيازاتها، سيكون على الشعب الليبي أن ينتظر تكرار سيناريو حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج التي جاءت لتقود البلاد في مرحلة انتقالية لا تتجاوز عامين في أقصى الحالات وفي الثاني والعشرين من سبتمبر، قرر مجلس النواب، باعتباره الهيئة التشريعية الوحيدة في البلاد، حجب الثقة عن حكومة الدبيبة، وتكليفه بتصريف الأعمال حتى الساعة صفر من الرابع والعشرين من ديسمبر، لتصبح بعد ذلك في حكم العدم، وفي الحادي والعشرين من نوفمبر، تقدم الدبيبة بترشحه للرئاسيات متجاوزا التزاماته أمام ملتقى الحوار، التي وصفها أحد مساعديه بأنها أخلاقية لا غير، والمادة 12 من قانون انتخاب الرئيس، مندفعا إلى مركز الصدارة بالاعتماد على مقدرات الدولة التي يحتكم عليها وبإمكانياته الشخصية والأسرية والجهوية كونه منحدرا من مدينة مصراتة، والفئوية كرجل أعمال يمثّل طبقة من نظرائه ولاسيما ممن دخلوا نادي الأثرياء خلال السنوات الماضية. في الأثناء، كان الدبيبة مقتنعا بأن علاقته مع مفوضية الانتخابات ورئيسها عماد السايح وتأِثيره على قرارات القضاء سيساعدانه على التصدي لأيّ طعن قانوني في ترشحه، وهو ما حصل فعلا، فقد قررت المحكمة رفض الطعون المشككة في أهليته، سواء كمتنكر للالتزام السياسي والأخلاقي، أو كخارق للقانون الرئاسي، ليصبح منافسا جديا على منصب أول رئيس منتخب للدولة الليبية منذ تأسيسها في العام 1951. تم تأجيل الرئاسيات للعديد من الأسباب، من أبرزها الخروق القانونية والسياسية التي شكلها الدبيبة بترشحه، ودخلت البلاد في مرحلة من الجدل الحاد حول مستقبل الحكومة الفاقدة للشرعية البرلمانية، والمتصرفة ضمن إطار سياسة الأمر الواقع بغطاء قوى دولية لا ترى مانعا من التستر على الفاسدين ومخترقي القوانين والدفع نحو تمكينهم من الاستمرار في مراكزهم السلطوية ثم من الإفلات من العقاب لاحقا، كما حدث مع عدد من الشخصيات الأخرى التي نهبت المليارات من أموال الليبيين خلال السنوات الماضية. اليوم، يقول الدبيبة إنه لن يتخلى عن منصبه وأن حكومته ستواصل عملها. هذا يعني الخروج نهائيا عن الشرعية، ولكن أيّ شرعية؟ ومتى كانت هناك شرعية لتحترم؟ كل ما يدور في ليبيا منذ عشرة أعوام مرتبط بالأمزجة والمصالح والحسابات والصفقات والوعود، وكما نتج عنه أثرياء النهب الداخلي نتج عنه أثرياء النهب الخارجي. وكما بقي السراج خمسة أعوام في الحكم بقانون الأمر الواقع سيفعل الدبيبة بقانون توازنات مصالح اللصوص المحليين والأجانب. أما الانتخابات، فحتى وإن تم تنظيمها، فإن نتائجها لن تؤدي إلا إلى المزيد من الخلافات طالما أن الميليشيات تسرح والعصابات تمرح.

مشاركة :