الشذوذ والمثلية أم مصطلحات تراثية

  • 1/1/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قضية الشذوذ الجنسي تحتاج إلى آراء موضوعية، من علماء النفس والاجتماع والطب، بدلاً من الكتابة عن الموضوع على طريقة «نرميهم من شاهق»، لأني وفق ما بقي في الذاكرة من تخصصي الشرعي، وفهمي البسيط للقضية، أستغرب التوتر الحاصل تجاه الشذوذ الجنسي، رغم أن مبحث «علم الفرائض/‏‏تقسيم المواريث» مليئة بتفاصيل كثيرة حول ذلك، فتجد المسألة مثلاً في كتاب «العمدة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل» لابن قدامة فصلاً شديد الإيجاز عن «الخنثى» حيث أوضح ابن قدامة أن «للخنثى المشكل» «نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، وكذلك الحكم في ديته وجراحه وغيرهما....» ومن الكتب المعاصرة في مبحث المواريث كتاب «التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية» لأحد أكبر علمائنا الأجلاء، وقد جعل مقدمة الباب السادس مبحثا بعنوان: «في توريث الخنثى المشكل والإرث معه..» ولم يرد في كل الصفحات العشر التي أفردها لهذا المبحث، أي توصيف يقتضي «قتلهم أو التنكيل بهم أو جواز الاعتداء عليهم» بل على العكس كان يشرح حقوقهم في الإرث، مع بقية الورثة وفق المنطق الفقهي الإسلامي، الذي اعترف بوجودهم كحالة بشرية، تعاني وجود تشوهات خلقية منذ الميلاد، ثم كشف لنا العلم الحديث، أن هناك من يعاني «اضطرابا في الهوية الجنسية» ويحتاج إلى علاج نفسي. ما أطرحه في هذا المقال ليس خارجاً عن العادة، وأرشيف بعض الصحف السعودية يحوي تفاصيل لبعض هذه الحالات، التي قضت بعض سنواتها في هوية جنسية مختلفة عن التكوين «الأصح» لها، وجرى عمل اللازم الطبي لها، وأصبحت تعيش هويتها الحقيقية، ولدينا في السعودية «مركز تحديد وتصحيح الجنس» في مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز، وقد أوردت صحيفة عكاظ أنه «خلال عام واحد تم تصحيح 60 حالة مرضية من جنس إلى آخر». القصد من هذا المقال وضع بذرة أولى أساسية وجذرية، في ترافعنا الثقافي مع المنظمات الدولية، تقوم هذه البذرة على «تحرير محل النزاع» مبتدئين بتحرير المصطلح، ومنتهين بمناقشته على مستوى النخبة، مع رفع راية التوعية في الإسراع بمعالجة «المواليد» وهم صغار السن بدلاً من تأخير «تصحيح الجنس» إلى سن متأخرة، مع ما في ذلك من آثار نفسية واجتماعية. هل ما سمي «حقوق المثليين» هو ما ذكرته أعلاه؟ قطعاً لا أعلم، ولكني يقيناً أوضحت ما أعلمه عن هذه المسألة، من خلال ما أذكره من مراجع إبان دراستي في كلية الشريعة عن «أحكام الخنثى المشكل في الميراث»، مع وجود أحكام أخرى في الصيام مثلاً، ورد فيها ذكر نواقض قد تطرأ فيها إشكالات، تخص هؤلاء من «المثليين/‏‏الشواذ»، بالإضافة إلى أسماء تراثية مثل «ماتع، هدم، هيت، أنجشه» وغيرهم، لكن تجنبت التفصيل فيها وفي التعريف بها، مما لا يناسب صحيفة يومية، لأني كما ذكرت تحتاج إلى دراسات علمية ونخبوية، تجيب على تساؤلات عملية وحقيقية من نوع: كم نسبة الخنثى «تشوهات خلقية» في كل مائة مولود أو ألف مولود؟ وهل هناك تشوه على مستوى الجينات، فيظهر على شكل تشوه نفسي وليس جسديا؟ وما هي الإجراءات العملية تجاه ذلك؟ هل الفصل بين الجنسين يعزز ما يسمى «اضطراب الهوية الجنسية» على اعتبار أن علماء الاجتماع والنفس، قد لاحظوا زيادة نسبة الشذوذ في الأماكن المغلقة، التي تعتمد الفصل بين الجنسين «السجون، معسكرات أسرى الحروب من الجنود... إلخ» واعتبروها من «الشذوذ العارض»، على اعتبار أن من يخرج من هذه الظروف يعود لحالته الطبيعية، وتبقى هناك فئة صغيرة مستمرة في هويتها «المنحرفة». أعتذر للقارئ «التقليدي» الذي كان ينتظر مقالاً يرعد ويزبد بالقتل والرمي من شاهق، لقضايا «يتخيلها في عقله مرتبطة بفاحشة اللواط، كما كان يربط البعض بين قيادة المرأة للسيارة وفقدانها لعذريتها» بينما الفقهاء قد أشبعوا مبحث «المخنثين، الخصيان، المجبوبين» بحثاً وتفصيلاً في كتبهم قبل مئات السنين، علماً بأن أولى محاولات تغيير الجنس بشكل جائر ومتوحش «عن قصد وتعمد بغير إرادة الفرد» كانت تتم بخصي العبيد وهم أطفال قديماً، وكان منتشراً، في فترة «الخلافة» العباسية، وبقي موجوداً إلى زمن «العثمانيين»، فكيف لو مزجنا بهذه المعارف التراثية القديمة، ما وصل إليه الطب، بالإضافة إلى آخر نظريات علم الاجتماع وعلم النفس، وفلسفة القانون، وفق إطار حكيم «لا يطير في العجة» بالويل والثبور ولا «يستمرئ ما يخل بالمروءة»، مع وجود وعي إعلامي بحقوق «من يولد بعيوب خلقية صعبة العلاج» تحميه من التنمر الاجتماعي، وتوفر له العون الطبي والنفسي اللازم طيلة حياته، باعتباره من ذوي الاحتياجات الخاصة. وبالنسبة للأسرة والحفاظ عليها، فمن المسائل المهمة، عدم توريط «من ليس مؤهلاً» للزواج عبر الضغط الاجتماعي، للارتباط بفتاة تبحث عن «فارس» أحلامها، لتكتشف الفتاة عزوفه النفسي عن هذه العلاقة /‏‏ وما فيها من فروسية، والعكس من خلال الضغط على فتاة «ليست مؤهلة للزواج» عبر الضغط الاجتماعي، للارتباط بشاب يبحث عن «حلم» حياته، ليكتشف عزوفها النفسي عن هذه العلاقة /‏‏ وقد حولت حلمه إلى كابوس، وهذا لا يعني أو يفترض أي «شذوذ» بقدر ما يذكرنا بأن الزواج بطريقة «القص واللصق» لم يعد يحتملها الواقع، ثم يتفاجأ الجيل القديم بقضايا «الخلع والطلاق)». الحفاظ على الأسرة لا يتم من خلال أنساق تعتمد «الإكراه المبطن» في زواجات «اكشط واربح»، واعتماد «الشفافية الجنسية» داخل الأسرة منذ الصغر، يساعد الأبوين على تلافي الإشكالات الصادمة للأسرة والمجتمع بأسرع وقت. وأخيراً... المنظمات الدولية بل كل دول العالم، لن تفرض على مجتمع راق ومتحضر ما «لا يريده فعلاً»، والمجتمع الراقي والمتحضر لن يعالج مشاكله، بكنسها تحت «سجادة حرير من تزكية الذات».

مشاركة :