انتظم مساء الأحد الثاني من يناير بفضاء المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار سيبستيان حفل توقيع كتاب “الشيخ إمام بعيون تونسية” للكاتب كريم السمعلي. وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف جوانب عديدة من حياة الفنان العربي الملتزم الشيخ إمام وخاصة رؤى بعض الشباب التونسي المقيم بالمهجر لفنه وشخصه. ويعتبر هذا أول كتاب عن علاقة التونسيين بالشيخ إمام وعلاقته هو بتونس. وهو خلاصة أربعين سنة من المتابعة والتوثيق للمسيرة الفنيّة والإنسانية لهذا الفنان الاستثنائي في تاريخ الفن العربي. ويتناول الكتاب جوانب عدّة غير معروفة للعموم من مسيرة هذا الفنان، محاولا إنصاف كل من خدموا فنه بحماس وإخلاص ليصل إلى المرتبة التي وصل إليها في قلوب عشاقه. ويقول المؤلف “في هذا الكتاب قراءة سلسة وممتعة ومشوقة لشخص مثلي كنت أجهل الكثير عن حياة الشيخ إمام. من أول شريط لتسجيل صوتي للشيخ إمام سُرِّب في صندوق حلويات من باريس إلى تونس بتدبير من المسرحي توفيق الجبالي، إلى ما يقارب العشر سنوات من المحاولات من الصادق بوزيان وآخرين في إخراج الشيخ إمام ومحمد علي وفؤاد نجم من مصر إلى باريس لجعل الحلم حقيقة وهو انتشار الشيخ إمام والأغنية الملتزمة”. الكتاب يسرد نضالات تونسيين آمنوا بفن الشيخ إمام وأحبوه، ويعود إلى تفاصيل في حياة الفنان بالشاعر فؤاد نجم وغنى الشيخ إمام من أجل الحرية والكرامة، ممّا جعل كلمات أغانيه وألحانها تؤثر في قطاعات واسعة من الشعوب العربية، فالمظالم والاستبداد هي نفسها، رغم اختلاف الطرق والوسائل. وللشباب الجامعي التونسي علاقات عريقة بأغاني الشيخ إمام منذ سبعينات القرن الماضي، حتى أنّ اتحاد الطلبة (منظمة طلابية) نظم له جولة بالجامعات التونسية في فبراير 1989. وانتقد الشيخ إمام في أغلب أغانيه الوضع الاقتصادي الذي اتجه إلى الرأسمالية بمصر في سبعينات القرن العشرين، وكذلك الوضع السياسي بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل، وعقب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي وقعها الرئيس المصري حينها أنور السادات مع الدولة العبرية. ولم تعجب أغانيه الشعبية الحادة السلطات المصرية، فحُكم عليه صحبة رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم (1929 – 2013) بالسجن في زمن السادات، وتم الإفراج عنهما بعد اغتياله في السادس من أكتوبر 1981. كان الشيخ إمام ورفيق دربه الشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم يجمعان الطلاب والمثقفين معا في ملحمة مقاومة سياسات ثبت في ما بعد أنها كانت مدمرة على أكثر من صعيد في الداخل المصري وإن وجد فيها العرب خارج مصر إنجازات جريئة. وبعد اغتيال السادات في 1981 أطلق مبارك سراح إمام ونجم، وسمح لهما بالسفر خارج مصر وإقامة الحفلات في أوروبا والدول العربية، وكانت نظرة السلطة الجديدة شديدة الذكاء، فقد آثرت أن تقوم بـ”تصدير” الظاهرة أو بالأحرى “نفيها” خارج الحدود، وبالتالي جعلها تذبل ثم تموت في الداخل، بينما لم تكن هناك خطورة من انتشارها المؤقت في الخارج. وكان تصوّر السلطات المصرية آنذاك أن السماح لإمام ونجم بالسفر سيبعدهما عن محيطهما الطبيعي في مصر، ويجعلهما بالتالي يسبحان في مياه غريبة عليهما، الأمر الذي لا بد أن يساهم في “تغريب” الظاهرة وتحويلها إلى ظاهرة “فولكلورية” مصرية لا ضرر منها، خاصة وأن الاعتقاد السائد أن الإخوة العرب “الثوريين” لن يتمكنوا أصلا من فهم الكثير من ألفاظ وكلمات الأغاني الموغلة في العامية المصرية. وقد نجحت هذه الخطة كما أثبت الزمن، فقد فقدت ظاهرة إمام – نجم تأثيرها داخل مصر، وأصبحت ظاهرة احتفالية خارجها. لكن ما تزال أغاني الشيخ إمام تحتل مكانة هامة في الثقافة التونسية، وهو ما يرده الكاتب إلى مساهمات العديد من المثقفين التونسيين في ترويج أعمال الشيخ إمام ونشرها والاحتفاء بها لا كظاهرة مصرية فقط وإنما عربية وكونية لما تحمله من روح المقاومة وتحدي الأنظمة والاستبداد. وقال السمعلي “الكتاب فيه نضالات تونسيين آمنوا وأحبوا فن الشيخ إمام من أول تسجيل وصلهم عن طريق رفاقهم من فلسطين ولبنان في الجامعة الباريسية، هو نضال عاشه الهاشمي بن فرج منذ أن كان طالبا في هندسة الصوت وتخطى الحدود على حسابه من أجل تسجيل صوت الشيخ إمام بتقنية عالية. حتى أصدر أول إسطوانة ‘عيون الكلام’ مع كلمات الأغاني مترجمة بالفرنسية، وأثمرت نضالات الطلبة اليساريين التونسيين بقدوم الثلاثي إلى باريس ومن ثمة الجزائر وتونس”. وفي هذا الكتاب يعود المؤلف إلى تفاصيل في حياة الشيخ إمام وفؤاد نجم ومحاولة فهم كيفية وصول الخلاف إلى تلك الحدة بينهما ويؤول إلى القطيعة.
مشاركة :